عبد اللطيف العثمان
بعد هجرة كثير من المسلمين لبلاد أوربا والاستيطان بها تربى الجيل الثاني منهم على أنه شخص أوروبي وصاحب لغة غير عربية، للأسف فقد ضاع كثير من المسلمين وخصوصا الجيل الثاني وسط إهمال الآباء في التربية وضعف العمل الإسلامي داخل اوربا، وقلة المؤسسات الإسلامية العربية المتخصصة في العمل الدعوي داخل الأوربي.
ولحماية المسلمين من خطر ضياع هويتهم ودينهم ولغتهم الأصلية، لا بد أن نرسم أولويات العمل الدعوي، فلا شك أن هناك جهودا مشتتة في الدعوة في أوربا ولكنها ضعيفة، وتعتمد على العمل الفردي غير المستمر وغير المثمر، فغالبا ما يظهر عليه المشاكل والخسائر المادية والمعنوية والعلمية في بعض الأحيان، ويسبب الاختلاف في العمل وتكرر الجهود، وهو ما جعل كثيرا ممن يعمل بالدعوة يبدأ بما بدأ به غيره، وقد يقف عند ما وقف عليه غيره.
أقدم المراكز الإسلامية لا تتجاوز 40 سنة، وغالبها تبدأ أعمارها من 10 سنوات، وقد تصل إلى 20 سنة، مع ذلك فقليلا ما تجد مركزا إسلاميا مثاليا في العمل الدعوي والعلمي التربوي والإداري والمالي، فضلا من أن تجد مصلى للنساء في كثير من المراكز الإسلامية في أوربا، فغالب أعمال المؤسسات منطوية على إدارة المركز، وقليلا ما تجد حلقة قرآن للأطفال أو درسا صغيرا بعد العصر وأكبر ما تقوم به المراكز هو خطبة الجمعة، ورأيت عدة مراكز تغلق بعد الصلوات بنصف ساعة؛ فكيف لتلك المؤسسات أن تمسك زمام قضايا المسلمين، وهي لا تتيح للمسلمين الجلوس داخل المركز أو المسجد حتى لقراءة القرآن؟!
وكذلك لا نجد مؤسسات دعوية في الخليج متخصصة في الدعوة في أوربا، ولا توجد إلى الآن معايير إدارية في دعم المؤسسات الخيرية، لذلك تولدت تخبطات وخسائر كبيرة في العمل الدعوي، وتشتت الجهود، وتفرقت الجماعات، وتوقفت أنشطة دعوية كثيرة، وتكرر فتح مراكز إسلامية قريبة من بعض بسبب المشاكل الشخصية في إدارات المراكز، والدعم الخليجي غير منضبط.
لابد أن نعلم أن هناك تحركات لإدماج المسلمين في المجتمع الأوربي وتغريب هوية المسلم، خصوصا الجيل الثاني، وتأتي هذه التحركات في خلو البيئة الإسلامية التي تجمع شباب المسلمين مما يمكنه من الدراسة والعمل والحياة في هذه الدول، فهناك لجان متفرعة من الاتحاد الأوربي تعقد مؤتمرات في ذلك، وتخرج في توصيات وتسعى دول أوربا لتطبيقها، وكذلك مؤسسات أجنبية تسعى لذلك، وكذلك بعض المؤسسات العربية مثل مركز المسبار الذي أسسه تركي الدخيل، ويسعى لطباعة الكتب التي تدعو إلى مسخ الهوية الإسلامية وقد طبعت كتاب (الإسلام الأوروبي)، وقد جمع فيه مقالات كثيرة تهدف إلى أن يمكن للمسلم أن يندمج بالمجتمع الأوروبي ويتخلى عن هويته ويكون بذلك إسلام جديد يطلق عليه “الإسلام الأوروبي”.
وقبل ما نبدأ بالأوليات علينا أن نحدد المشاكل ونشخص الصعوبات التي يواجها المسلم في أوربا، بعد ذلك نضع الحلول، ومن ثم نبدأ بالأولى فالأولى، وعلى المؤسسات الخيرية أن تسير على هذا النمط، نحن الآن نحتاج لمعرفة فقه المرحلة.
ومن خلال الاطلاع على أحوال المسلمين في أوربا فإني أضع هذه الأوليات التي أتمنى أن تسعى المؤسسات الخيرية في الخليج، وكذلك المراكز الإسلامية في أوربا إلى الاجتماع عليها لتحقيقها لنخرج في تنفيذ أي مشروع دعوي بأفضل النتائج وأحسن الأعمال:
وأضع لكم الأوليات بشكل عام ثم الحديث عنها ببعض الكلام:
• توحيد صفوف المسلمين.
• إيجاد بيئة مناسبة لكل شرائح المجتمع المسلم.
• تشجيع المسلمين على الحفاظ على هويتهم بالدين والمظهر واللغة.
• رسم خريطة لمساجد المسلمين في أوربا وتقديم أوليات الدعم للأماكن الخالية من المراكز.
• توفير فرص تعليمية لأئمة المساجد ومن يقوم بأمور الدعوة.
• وضع معايير إدارية تكون شرطا لدعم المراكز الإسلامية.
• إنشاء مؤسسة أوروبية تضع معايير تقييم المراكز الإسلامية من الجانب الدعوي والتربوي والإداري والمالي.
• إنشاء مؤسسة متخصصة تُعنى بوضع معايير منتج الحلال سواء كانت مواد غذائية أو أدوية أو أغراضا أخرى.
• إعطاء فرصة للشباب لقيادة المراكز الإسلامية.
توحيد صفوف المسلمين
يعيش المسلم في أوربا وسط تفرق كبير للمسلمين؛ فالأحزاب والتكتلات والعنصرية منتشرة بشكل كبير، فتجد مساجد تسمى مساجد الصوماليين، وتجد مساجد الأتراك، ومساجد تنتمي لأحزاب مثل مساجد الأحباش، ومساجد حزب التحرير وغيرها من الفرق والأحزاب.
وتجد مراكز بإدارة جنسيات معينة قد تنحاز كثيرا بقراراتها لقومية وطنها، وتجد أيضا تمايزا في التعاون بسبب اختلاف الجنسية أو العرق.
وتجد الخلافات الإدارية التي تسبب التفرق بين الدعاة والعاملين في المراكز الإسلامية، والتي تتسبب أيضا في ضياع جهود كبيرة في الدعوة، ولا أود الدخول بهذا الجانب المحزن والطويل، ولكن يجب أن نسعى لتصفية القلوب، ولا يكون دعمنا لشخص قد خرج من جماعته، وقد يستغل حاجة المسلمين في الإضرار بمراكز إسلامية أخرى بتلك الدولة.
على المؤسسات الخيرية في الخليج أن تسعى بدعمها للعاملين في أوربا، بتحقيق أهداف جمع كلمة المسلمين؛ فكثير من المصلحين ساهم في إنشاء مسجد سبب مضايقة لغيره من المراكز الإسلامية الأخرى وأضر كذلك بالدعوة، وبعضهم أوقف كثيرا من الأنشطة أو تسبب في منع إقامتها، وتسبب أيضا في تفريق المصلين في المساجد التي بدأت تكثر ببعص بلاد أوربا.
على المشايخ والعاملين في المؤسسات الخيرية الجلوس أكثر والاستماع لطلبة العلم في تلك البلاد، وعدم الاكتفاء بالاستماع من جانب واحد، وحل النزاعات، ونحاول التوفيق بين المراكز والعاملين في الدعوة بالتي هي أحسن.
إيجاد بيئة مناسبة لكل شرائح المجتمع المسلم
تختلف حاجات المسلمين في أوربا؛ فالطفل يحتاج لمدرسة في الصباح ونادٍ في المساء، والكبار يحتاجون المساجد، والأسرة تحتاج لأمكنة محافظة للترفيه.
فعلى المؤسسات أن تبدأ في صنع هذه البيئة، وأن تكون لنا مدارس إسلامية نموذجية، ولا بد أن نسعى في إنشاء مراكز ترفيهية للشباب ونواد لتحفيظ القرآن وتعليم اللغة العربية وتعليم العلوم الأخرى، ولا بد أن نفتح أسواقا خاصة لبضائع المسلمين، ونكون بيئة صالحة تحافظ على الهوية الإسلامية، على المؤسسات أن لا تهمل هذا الجانب المهم، فكثير من المتبرعين والمؤسسات الخيرية تبحث عن شراء الكنائس والمراكز وتضع هذا الجانب بعيد عن أولياتها.
تشجيع المسلمين على الحفاظ على هويتهم الدينية والمظهر واللغة
هذا الجانب مهم جدا؛ فكثير من الجيل الثاني لا يتكلم العربية، والكثير أيضا لم يزر موطنه الأصلي، وبعضهم لا يعترف أنه من أصل عربي؛ فنحتاج ترسيخ الدين في قلوب الشباب، وتشجيعهم بالخروج بالمظهر الإسلامي (الثوب والطاقية والحجاب والعباية وغيرها من المظاهر)، ولا بد أن تسعى المؤسسات إلى تعليم اللغة العربية بشكل مستمر، للأسف أنك تجد غالب المراكز الإسلامية تجعل الخطبة الثانية تكرارا للخطبة الأولى بلغة الدولة؛ لأن كثيرا من الشباب المسلمين لا يفهمون العربية، وهم من أصول عربية، وبعض المراكز للأسف ليس لها نصيب من اللغة العربية حتى في خطبة الجمعة.
رسم خريطة لمساجد المسلمين في أوربا وتقديم أوليات الدعم للأماكن الخالية من المراكز
سنكون منصفين إذا قدمنا الدعم لمن هم أولى بإنشاء مركز الإسلامي في أوربا، ليس كل ما يزورنا ومعه الأوراق الرسمية في شراء مركز فهو فعلا محتاج، لابد أن نكون نحن من يضع تلك الحاجة أو أهل البلد من المراكز القائمة، لا بد أن نضع الأوليات في الأماكن المحتاجة لإنشاء مركز، بالحقيقة نحن نحاول الآن أن نرسم هذه الخريطة وقد تم تغطية غالب دول أوربا، ولا بد الآن أن تجتمع المؤسسات في وضع تلك الأوليات، ويكون الدعم بحسب الحاجة؛ فالمنطقة تعطى من الدعم بنسبة عدد الجالية وحاجتهم لذلك، ويراعى كذلك عدم ضرر المراكز الإسلامية الأخرى، وكذلك مناسبة المكان، وبعض المعايير التي سوف نتكلم عنها بخصوص الجانب الإداري، فهناك بعض المراكز التي تأسست في مكان غير مناسب وسببت بذلك عائقا في حضور الناس بشكل يومي.
توفير فرص تعليمية لأئمة المساجد ومن يقوم بأمور الدعوة وكفالتهم
إمام المسجد والداعية في أوربا يختلف في مهامه عن إمام المسجد في دولنا؛ فهو الموثق الرسمي للزواج والطلاق والمواريث، وهو الشافع للمسلمين لبعض المسجونين من المسلمين في سجون أوربا، وهو يقرر دخول رمضان، ويحدد أيام الأعياد وغيرها من الأمور العظيمة؛ لذلك لا بد أن توفر له فرصة لتعليم العلوم الشرعية ومواصلة دراسته في منحة مقاعد دراسية في الجامعات التي تدرس عن بعد مثل جامعة المدينة العالمية أو جامعة المعرفة، أو يجلب لدول العربية ويحضر بعض الدورات الشرعية؛ فعلى المؤسسات الدعوية أن تهتم بهذا الجانب المهم وتضعه من أولياتها.
وضع معايير إدارية تكون شرطا لدعم المراكز الإسلامية
تختلف أنظمة أوربا للمؤسسات الخيرية عن الدول العربية، فهناك مؤسسات خيرية تكون عليها ضرائب تصل لـ40%، وهناك مؤسسات لا تأخذ منها الدولة ضرائب، وعلينا ألا نغفل عن خطأ ترجمة بعض المصطلحات المختلفة إلى كلمة “وقف”؛ فكلمة الوقف عند النظام الأوروبي يختلف معناها وليس له معنى محدد، فهي تختلف باختلاف نظام دستور المؤسسة أو ما يمسى بالنظام الأساسي، وكذلك لابد أن نضع معايير المركز المثالي الذي يستحق الدعم، سواء من تاريخ إنشائه وعدد الأمناء وعدد الأعضاء وسلامة الانتخابات وتعيين الإداري، وكذلك معايير كتابة التقرير الإداري والمالي، لكي تكون مؤسسة مثالية لا يخشى من تسليمها التبرعات، وقد وضعنا تلك المعايير، ونحتاج مؤتمرا للمؤسسات الإسلامية في دراسة تلك المعايير والاتفاق عليها.
• إنشاء مؤسسة أوروبية لتقييم المراكز الإسلامية الأوروبية من جانب الدعوي والتربوي والإداري والمالي :
لكي يكون كلامنا على المراكز سليم، ونستطيع معرفة انحراف أي مؤسسة، ونستطيع كذلك نعرف حجم المؤسسة الحقيقي، وقوة إدارتها، لابد أن نضع تقييم علمي شامل لكل الطموحات المتطلبة من المراكز الإسلامية، ومن هنا نستطيع أن نصل وكذلك أن نحدد ما تحتاجه المراكز من دعم سواء كان مادي أو إداري أو علمي.
وهذا لا يتحقق إلا بمؤتمر عربي يدرس ويقدم المعايير، ثم توصى بالنتيجة النهائية لذلك، ثم نسعى لإنشاء تلك المؤسسة وتكون مؤسسة معترف فيها عند كل المؤسسات الخيرية في الخليج أو الوطن العربي ولها ممثلين خاصين في ذلك.
إنشاء مؤسسة متخصصة تعني بوضع معايير منتج الحلال سواء كانت مواد غذائية أو أدوية أو مواد استهلاكية
ويمكن اختصار هذا الجانب من الاستفادة من الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا؛ فقد وضعت تلك المعايير والضوابط، فقط نحتاج التأسيس والانطلاق في هذا الجانب المهم في حياة المسلم في أوربا.
إعطاء فرصة للشباب لقيادة المراكز الإسلامية
وأخيرا لا بد أن تعطى الفرصة للشباب؛ فإدارة المراكز باتت كأنها ملك لبعض المؤسسين لا يسمح لغيره بإدارة المركز؛ فتجد المؤسسة عمرها 20 سنة والإدارة نفسها لا تتغير، فلا بد أن نشترط بدعمنا وجود على الأقل صف ثاني لإدارة المركز، وهذا كما هو معروف لديكم تجديد للدماء، وفتح مجال جديد للعمل والسعي في تحقيق كثير من رغبات الشباب التي قد تتوقف أو تتعطل أو تتأخر من إدارات بعض المراكز الإسلامية.
وختاما:
هذه خطوة لتحديد الأوليات العمل الدعوي في أوربا، كتبتها لفتح آفاق قد يغفل عنها العاملون في المجال الدعوي، وكذلك هي دعوة للاجتماع والجلوس وتحديد الأوليات؛ فالعمل الفردي في هذا الوقت لا يثمر، لا بد أن تجتمع الجهود والمؤسسات، ونسعى كلنا لتحقيق حفظ دين وأخلاق ولغة المسلمين في أوربا.
المصدر: موقع صيد الفوائد.