م. محمود صقر
من المسجد سندخل لدراسة فلسفة تلك العلاقة الخاصة بين الله والإنسان، فنظرة بسيطة لتصميم المسجد من فكرته الأولى على يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تضعنا وجها لوجه أمام تأصيل لفلسفة جديدة في علاقة الله بالإنسان.
ساحة مكشوفة مفتوحة للسماء (صحن المسجد) يجتمع فيها الناس لشئونهم العامة ومناسباتهم الاجتماعية، ومنها إلى مساحة مظللة للصلاة (حرم المسجد)، ثم تطرد الفكرة مع اتساع العمران ليشمل المسجد مؤسسات تعليمية وعلاجية وخيرية، وبمقدورك أن ترى هذا النموذج من المسجد الأموي في دمشق كنموذج مُبَكِر في الدولة الأموية، ومسجد الحاكم بأمر الله كنموذج مبكر مع تأسيس القاهرة، وهكذا.
إنه التحام بين العبادة وحركة الحياة، وبتعبير آخر: التحام بين الدنيا والآخرة.. بين السماء والأرض.. بين الله والإنسان.
في المسجد لا توجد صورة للإله ولا ينبغي لها أن تكون!
فحيثما تم تجسيد الإله وتصويره سيتحول لصورة نمطية تضع شرخاً وغَبَشاً في صورة علاقته بالناس.
فلماذا يحمل “بوذا” ملامح صينية؟ هل هو رب الصينيين فحسب؟! هل هناك أفضلية للصينيين حتى يتشبه (الإله) بهم؟!
ولماذا يتم تصوير سيدنا عيسى -عليه السلام- مسترسل الشعر، ويميل لونه للبياض، بل وأحيانا أزرق العينيين؟! لماذا لا يحمل (الإله) ملامح أفريقية أو هندية مثلاً؟!
ولماذا يبدو (الإله) دائما أبداً حزيناً؟!
هل هذه هي الصورة المثالية التي ينبغي أن يلتزمها الإنسان المرتبط بالله؟!
إن الإسلام أسس علاقة بين الله والإنسان على الضد من تلك العلاقة الموروثة من الأساطير الإغريقية، التي صورت العلاقة بين الله والإنسان على أنها علاقة صراع بين (عالم الآلهة) وعالم الناس، صراع تحاول فيه (الآلهة) قهر الإنسان وتطويعه، لدرجة أنها غضبت على “بروميثيوس” الذي أهدى سر النار للإنسان خِلسة، فكان عقابه أن يظل عارياً تنهش الطيور الجارحة من لحمه الحي.
وجاءت كنيسة العصور الوسطى لتُزكي بممارستها ذاك التصور، حتى وضعت أتباعها بين اختيارين لا يمكن الجمع بينهما: الدنيا أو الآخرة.. الدين أو العلم.. الدين أو الحرية.. الله أو الإنسان.
وكانت النتيجة إقصاء الكنيسة وعزلها تماما عن حياة الناس.
جاء الإسلام ليؤسس علاقة فريدة بين الله والإنسان:
فهو ليس لشعبين: شعب مختار، وشعب من الأممين.
وليس لطائفة دون طائفة: براهمة، ومنبوذين.
وليس له برنامجان: واحد للرهبنة، وآخر لعموم الناس.
إنه دين للناس.. كل الناس .
وأقدس بيوته في الأرض هو: بيت الناس.
وقرآنه يبدأ باسم الله.. ويختتم بالناس .
وإلهه هو :
رب الناس .. ملك الناس .. إله الناس .
إنه الإسلام .. دين للناس .. كل الناس.