القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الداعية وجمهور الناس

عبد الله القرشي

جمهور كرة القدم

الداعية الناجح هو من يجيد التواصل مع الجمهور أينما كان

وصول الداعية إلى جمهور الناس وعامتهم أمر في غاية الأهمية للدعوة وللناس، فالموفق من يجتهد للوصول إلى الناس بكل طريق ممكن، فهو يبحث عن الناس ولا ينتظرهم أن يأتوا إليه، فحين قامت المناظرة بين فرعون ونبي الله موسى – عليه السلام – وطلبه موعدا للتحدي، استثمر ذلك موسى عليه السلام للوصول إلى عموم الناس، قال موسى {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59]. إن هذا الموعد لم يأت اتفاقا، بل هو لهدف واضح في ذهن الداعية المشغول دائما بإيصال دعوته للناس. لقد كان بالإمكان أن يجري التحدي في قصر فرعون بعيدا عن أعين الناس، لكن موسى مشغول بالناس، واتخذ من هذا التحدي سبيلا للوصول إليهم.

ومن رسوخ هذا الهدف في قلوب الدعاة إلى الله: ما فعله الغلام المؤمن، وكان ثمن الوصول إليهم قتله، فرحب بقتله في سبيل الله، إذا كان ذلك هو الطريق الوحيد لدعوة الناس وهدايتهم، فقد روى الإمام مسلم في قصة الغلام المؤمن: «فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك؛ قد آمن الناس ..».

في تجارب الدعوة المعاصرة تنتشر الدعوة في أماكن دون أخرى، وبينما تستجيب بعض الشرائح للدعوة إلى الله، تبقى بعض البيئات بعيدة بعض الشيء. مع الزمن يتسرب شعور بأن تلك البيئات بعيدة عن التدين، وربما يزهد فيها أهل الدعوة.

حقائق التاريخ تثبت أن أسوأ البيوت يوجد فيها مسارب للنور، وأنه لا يجوز أن نعرض أو نيأس من بيت واحد، فضلا عن بيئة أو شريحة، مهما كان انتماؤها، ومهما كانت تجاربها السابقة مع الدعوة. لقد دخل النور بيت الملك الزعيم المحارب للرسالة والهداية، في الوقت الذي كان يحشد أجناده؛ ليحجب النور عن مملكته! فآمنت زوجه، وأصبحت مثلا للذين آمنوا {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]، وآمن رجل يكتم إيمانه، وكان مشغولا بالدعوة والإصلاح من داخل القصر، بما يناسب حاله ومكانه.

—–

* المصدر: صحيفة مكة أون لاين.

مواضيع ذات صلة