القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس
أكاديمية سبيلي Sabeeli Academy

الروحانيات والإيمانيات توحد مسلمي أمريكا في رمضان

محمد سرحان

مسلمون أمريكيون يؤدون الصلاة

تجمع الصلاة في صفوفها مختلف الجنسيات

يمر رمضان في الولايات المتحدة، رمضان أو رمدان أو رمزان كما قد يحلو للمسلمين المهاجرين المتنوعين في أصولهم ومنابتهم أن يطلقوا عليه.

وفي الصلاة، يقف في الصف الواحد، الجامبي إلى جانب أخيه الأوروبي ويقف المصري والفلسطيني والسوري والمغربي والموريتاني إلى جانب أخيه البنجالي والصيني والتايواني والماليزي والتركي، بالإضافة إلى كثيرين من الأخوة والأخوات الأمريكيين الذين اعتنقوا الإسلام، في صور جميلة تعكس تلك المعاني التي جاءت بها رسالة الإسلام العظيمة وتمثلت بها عباداتها المفروضة عمليا لتخرج روح الإنسان كل إنسان من عبودية الجسد والذات  إلى حرية  الروح والانعتاق في رحاب عبادة الله تعالى.

وحول شهر رمضان في الولايات المتحدة تقول السيدة “إيمان البشتاوي” مدير مركز “الهداية الإسلامي” في مدينة نيوتاون الأمريكية: رمضان هنا حالة استثنائية، متنوعة وجميلة، قد تخلو ذاكرة الكثيرين من ذكرياته في بلاده كأصوات الباعة المرتفعة قبيل ساعات الإفطار، أو المسحراتي الذي يجوب أزقة المدن والحارات موقظا بصوته تلك الأجساد المتعبة فيبث فيها بعضا من حياة.

نعم تغيب عن المشهد هنا صور أطفال الحارة وبعض الكبار مجتمعين عند أطراف الطرق قبل لحظات الغروب، انتظارا لسماع الصوت القادم من المآذن العظيمة التي تصدح بأذان المغرب، وقد تتكرر هذه المشاهد في رمضان مرات ومرات موقظة تلك  الذاكرة في أعماقها إلى الشوارع والأزقة الممتدة من مصر إلى المغرب أو إلى تركيا أو الاْردن أو فلسطين أو من بلاد كثيرة، لتختفي هنا وهناك في زحمة المدن العظيمة التي تناطح السحاب.

رمضان هنا له طعم آخر قد يفسر اختيار كثير من  المسلمين أن يقضيه هنا رغم أنه سيخلو من  أصوات المآذن المرتفعة، واجتماع العائلة الممتدة عند ساعات الإفطار أو صراخ الصغار العالي مبتهجا عند سماع أصوات المدافع الرمضانية.

نعم في رمضان هنا وفي كثير من التجمعات المسلمة المتنوعة تنعكس صور أسمى وروحا أرقى تتناغم مع مقاصد رمضان الجميلة وروحانيته السامية.

يخلو رمضان هنا من الإعلانات التلفزيونية والحزازير والفوازير والمسلسلات المتنافسة المتتابعة من أول يوم رمضاني إلى آخره،  وتفتقد معالمه أيضا من أي آثار لخيم رمضان التي تنتشر في بعض الدول العربية و يؤمها السهارى فتنتشر فيها الأراجيل والموسيقى والطعام والسهر ليعود نهار اليوم الآخر نائما إلى ما قبل سويعات الإفطار.

الإسلام يجمعنا

إن مسلمي أمريكا يرتادون مساجدهم خلال رمضان، وترغب نفوسهم بإحياء ليله ونهاره، يدعون الله أن تُتقبل أعمالهم، وأن يكونوا من عتقاء هذا الشهر الكريم،

رمضان هنا عموما وفي مدينتنا خاصة “نيوتاون”  يتميز في كل يوم وليلة، نظرة واحدة إلى صفوف المصلين المتراصة يوميا عند لحظات المغرب أو عند صلاة التراويح كفيلة لتعكس هذه الروح المميزة  التي يحملها رمضان كل عام، تجدد في النفوس الحزينة أملا جميلا لهذه الأمة رغم ما تواجه هذه الأيام من امتحانات وابتلاءات صعبة تختبر فيها النفوس والإيمان، تتراص الأجساد الجميلة عند الغروب  بألوان وألسنة ولباس مختلف، جاءوا مسلمين من كل  بقاع الدنيا.

في الصف الواحد يقف الجامبي إلى جانب أخيه الأوروبي ويقف المصري والفلسطيني والسوري والمغربي والموريتاني إلى جانب أخيه البنجالي والصيني والتايواني والماليزي والتركي، بالإضافة إلى كثيرين من الأخوة والأخوات الأمريكيين الذين اعتنقوا الإسلام في صور جميلة تعكس تلك المعاني التي جاءت بها رسالة الإسلام العظيمة وتمثلت بها عباداتها المفروضة عمليا لتخرج روح الإنسان كل إنسان من عبودية الجسد والذات  إلى حرية  الروح والانعتاق في رحاب عبادة الله.

إفطارات جماعية

يفطر الناس هنا وعائلاتهم يوميا في المسجد، حيث تمتد الموائد المباركة بأنواع مختلفة من الأطعمة التى تعكس تلك البلاد التي جاءوا منها، ثم يأمون المسجد بملابسهم التقليدية، متنافسين للتبرع بتقديم إفطار يعكس ثقافاتهم وتقاليدهم وبلادهم وعظمة هذه الرسالة التي تؤكدها وجوههم الطيبة بأنها انتقلت عبر التاريخ إلى كل أصقاع الدنيا  واتبعها بلايين البشر وأكثر من ثمانية ملايين مسلم أمريكي يزداد عددهم كل يوم وكل رمضان.

سماحة الإسلام تأسر قلوب الأمريكيين

في رمضان الماضي توقف عند أبواب المسجد “جورج” السبعيني طالبا بعضا من إجابات مؤكدا ومعتذرا أكثر من مرة أنه لا يرغب أبدا أن يدخل هذا الدين، ولكنها الصورة المرعبة للإسلام في وسائل الإعلام، التي قادته إلينا باحثا عن إجابات، فإن كانت هذا الديانة ديانة قديمة جاءت من الصحراء القاحلة فلماذا ترعبنا في الغرب ولماذا يتبعها اليوم كثير من الناس؟.

جلس جورج كثيرا يراقب صلاتنا ويشاركنا إفطاراتنا البسيطة، وأخذ معه نسخة من القران، قرأها واستفسر عنها فلامست حروفها روحه المتسائلة الحيرى ولم تمضي أسابيع قليلة حتى دخل في الإسلام.

أما راشيل التى تربت في الكنيسة التي تبعد خطوات عنا فقد جاءت أيضا تبحث عن إجابات ولم يمض وقت طويل ليدخل نور الإيمان إلى قلبها، حين تسألها اليوم وهي تصوم أول رمضان في حياتها عن أكثر ما جذبها في هذا الدين ستجيبك كما أجابت أمها راعية الكنيسة، جملة واحدة سمعتها كثيرا ورأت أثارها حين أتت مرات ومرات تراقب المسلمين المختلفين في ألوانهم  وأجناسهم.

قالت لوالدتها: إنهم حين يتقابلون يقولون لبعضهم: “السلام عليكم أخي وأختي”..

تحيه السلام، التي لامست روحها وتمثلت معانيها فيمن حولها، كانت كفيلة بإخراجها إلى حالة روحية جديدة تزداد أنوارها كل يوم.

قصص كثيرة نعيشها نحن المهاجرين كل يوم قد تكون مستغربة في أحيان كثيرة، لم نكن لندرك معانيها وما كانت لتلامس أرواحنا لو كنا يوما في بلادنا نقضي رمضانا عائليا جميلا.

وبالرغم من هذه الصور الجميلة التي نستشعرها في رمضان، إلا أن هناك تحديات تواجه المسلمين في أمريكا؛ فهناك كادر نشيط أو لوبي محرض لخطاب الكراهية ضد المسلمين من الجماعات المناهضة للإسلام والمسلمين يطلق عليها “الإسلاموفوبيا”، يزداد قوة يوما بعد يوم ويتبعه سياسيون ورجال دين.

وفي مركزنا الإسلامي مثلا وهو أول مركز إسلامي في مدينة نيوتاون الأمريكية اخترنا أن نفتح أبوابنا بشكل يومي لكل من يرغب بأن يفطر معنا أو يريد أن يرى كيف نؤدي شعائرنا في هذا الشهر الكريم، كما دعوناهم إلى الاحتفال معنا بقدوم العيد، ونرى كيف تنعكس هذه التجربة عليهم بل إن بعضهم يعود يوما آخر صائما متأثرا بالتجربة، كما يتبع مركزنا تقليدا رمضانيا سنويا تيمنا بالفكرة التي انبثقت عن مجلس العلاقات الإسلامية “كير”، والتي حث فيها المراكز الإسلامية في أمريكا إلى دعوة أبناء المدينة التي يعيشون فيها إلى تحديد يوم في رمضان لإفطار جماعي  أطلق عليه “شاركني رمضان”.

حضر الإفطار الرمضاني في كل مرة في العامين الماضيين من أهل المدينة وحكامها وكنائسها ومعابدها أكثر من خمسمائة شخص عاشوا معنا إفطارا وبرنامجا رمضانيا تجاوزت فيه حدود المعرفة إلى مسلمي مدينتهم، وبالجماعات والمنظمات الإسلامية الناشطة في العمل الإنساني والحقوقي.

كان لهذا البرنامج الرمضاني صدى إيجابي، حتى إن جمعية رجالات الدين في مدينتنا طلبت هذا العام أن تكون هي من يستضيف هذا الإفطار.

بالرغم من أن رمضان حالة روحانية فريدة وعبادة تتسامى فيها معان إنسانية متميزة، إلا أنه للأسف يفتقد كثير من المسلمين في العالم هذه المعاني السامية لرمضان، كما يفتقد كثير من الأمريكيين المسلمين أيضا تلك المعاني، لما يعيشه المسلمون حول العالم من معاناة واضطهاد.

****

* المصدر: موقع علامات أونلاين.

مواضيع ذات صلة