أبوبكر محمد أبوبكر
الشيخ محمد الغزالي وتجربته الواسعة في مجال الدعوة وأساليبها أمر قد تستوعبه أكثر من دراسة علمية متخصصة ولا يكفي في حصر أساليب الشيخ رحمه الله هذا البحث المتواضع، وأذكر بعض خصائص الأسلوب عند الشيخ رحمه الله التي ميزت طريقته في التعبير عن قضايا الفكر الإسلامي المختلفة، وجعلت كتاباته لها مذاق خاص، وطابع فريد بين كتابات الدعاة في هذا العصر الحديث.
إن مما تنبغي الإشارة إليه أن الشيخ -رحمه الله تعالى- كان متأثرا تأثرا كبيرا بأسلوب القرآن الكريم فقد كان يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يتحرى دائما طرقه في دعوة الناس. ولقد كان ذلك سر جمال أسلوبه، ولطافت تعبيره.
ومن الخصائص الأساسية المميزة لأسلوبه مايلي:
1: الأسلوب الأدبي: هو الأسلوب المفضل في كتابات الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فهو يفضل عرض الأفكار بلغة أدبية مؤثرة، فيها عناصر الإقناع والإمتاع، ويسير علي هذه الطريقة في جل ما يكتب، ولا يستخدم الطريق السردية المباشرة إلا نادرا، وذلك لشد عقول القراء وقلوبهم إلي الأفكار التي ينوي غرسها في النفوس.
2: يتميز أسلوبه بكثرة استخدام الصور الفنية، والأمثال المحسوسة ذلك لتقريب الأفكار إلي النفوس وعرضها في قوالب حية قريبة التناول، وواضح أن الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قد استمد هذه الطريقة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة.
3: يمتاز أسلوبه أيضا بالتنويع المشوق، فهو يلون حديثه ويكثر من الأساليب التي لها قدرة علي التأثير كالاستفهام والتوكيد والتعجب، ويستخدم القصة استخداما جيدا، وكثيرا مايتمثل بحوادث من الواقع، لتكون أبلغ في التأثير، وأكثر التصاقا بالقضايا المثارة في هذا العصر.
4: من أساليبه استخدام فقه الأولويات والاهتمام به.
5: ومن أساليبه استخدام الترادفات، أي أداء المعني الواحد بأساليب متعددة بهدف تأكيد المعني وترسيخه، كما أنه يزيد من امتداد جاذبية الأسلوب.
6: ومن أساليبه: تجسيم المعنويات أي إبراز المعنوي في صورة حسية.
الداعية الموفق
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله:
ومن ثم فإن الداعية الموفق الناجح هو الذي يهدي إلى الحق بعمله وإن لم ينطق بكلمة؛ لأنه مثلٌ حيٌّ متحرك للمبادئ التي يعتنقها.
وقد شكا الناس في القديم والحديث من دعاة يحسنون القول ويسيئون الفعل!!
والواقع أن شكوى الناس من هؤلاء يجب أن تسبقها شكوى الأديان والمذاهب منهم؛ لأن تناقض فعلهم وقولهم أخطر شغب يمس قضايا الإيمان ويصيبها في الصميم.
ولا يكفي لكي يكون المرء قدوة أن يتظاهر بالصالحات أو يتجمل للأعين الباحثة، فإن التزوير لا يصلح في ذلك الميدان، ولا بد أن ينكشف المخبوء على طول المعاملة وامتداد الزمن وتمحيص الأحداث. وسرعان ما يبدو معدن النفس على الحقيقة العارية؛ ذلك أن النفس المتحركة بروح الإيمان كالآلة الدائرة بما يعمر خزانها من وقود، أما النفس المحرومة من هذا الروح فهي كالآلة التي تدفع باليد حيناً ثم لا يلبث أن يغلبها العطل والعطب فتتوقف وتسكن.
والمصيبة الطامَّة أن بعض المنافقين يحسبون أن تمثيل دور الإيمان لا يحتاج إلا إلى شيء من التكلف والمصانعة، كما أن بعض المتهاونين يحسبون أن لباس التقوى يمكن نسجه بشيء من إدمان الرسوم وإتقان المهمة.
وهذا ضلال بعيد فالأمر أخطر ممَّا يظنون.
التدين الحقيقي
إنَّ التديُّن الحقيقي صورة لجوهر النفس بعدما استكانت لله تعالى، ونزلت على أمره، واصطبغت بالفضائل التي شرعها، وترفعت عن الرذائل التي حرمها، واستقامت على ذلك استقامة تامة.
هذا التدين وحده هو الذي تلتمس منه الأسوة ويقتبس منه الهدى، ويؤسفني أن أقول: إن هذا الضرب من التدين العالي نادر الآن، وإن أشعة الكمال المنبعثة من وهجه لا تكاد ترى.
بل إن نفراً من الناس الذين لا ينميهم دين أقرب إلى المسلك الصحيح، وأجدر بالقوامة على شتى الوظائف من آخرين انتسبوا إلى الدين، وحملوا عنوانه دون اصطباغ به وتشرب لروحه. وعندما ينكب الدين بأقوام كثيرين على هذا الغرر، فالمجال واسع لشيوع الإلحاد وانتشار المعصية والعدوان.
____
* المصدر: رسالة ماجستير للكاتب بعنوان “أساليب الدعوة عند الشيخ محمد الغزالي”.