الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

قراءة في كتاب “استكشاف القيم.. صيانتها ومعالجتها”

د. رمضان فوزي (خاص بموقع مهارات الدعوة)

يعد كتاب “استكشاف القيم.. صيانتها ومعالجتها”.. من الكتب المهمة لكل من يعمل في مجال الدعوة وغرس القيم بكل أنواعها ومجالاتها، سواء في ذلك المجال الديني أم المجال الاجتماعي أم المجال الاستثماري والاقتصادي… إلخ.

مؤلف الكتاب هو د. زهير منصور المزيدي، وهو كويتي الجنسية، وحاصل على الدكتوراه في التسويق من الولايات المتحدة الأمريكية، وله خبرة ممتدة في تخطيط الحملات الإعلانية والإعلامية وتصميمها وتنفيذها والإنتاج التلفازي.

يتكون الكتاب من خمسة فصول بالإضافة إلى بعض الملاحق ذات الصلة بموضوعه..

في الفصل الأول يعرض المؤلف للخارطة القيمية وبوصلة القيم والمصفوفة القيمية، وفيه يجيب عن تساؤلين مهمين، وهما: هل يمكن تشريع القيم والأخلاق في هيئة قوانين ملزمة؟ وهل ثمة خرائط للقيم العالمية؟

أما الفصل الثاني فقد تناول فيه استغلال الشركات التجارية الكبرى للقيم في تسويق سلعها، والإسهامات المجتمعية لهذه الشركات.

وفي الفصل الثالث تناول السلوك الاستهلاكي للعميل، وأجاب فيه عن سؤال: هل للقيم معنى موحد مع كافة الثقافات العالمية؟

أما الفصل الرابع فقد تناول فيه عدة موضوعات هي:

  • الوكالات الإعلانية تعتمد نماذج للقيم مطورة مع كل ثقافة مجتمعية
  • خارطة هيكلية القيم لدى الشركات التجارية
  • دراسة القيم واستكشافها يحتم علينا دراسة الأديان واللغات

ثم عرض فيه لنموذج تجاري وهو شركة “إكيا” باعتبارها حالة دراسية.

وفي الفصل الخامس والأخير تناول الكتاب موضوع صيانة ومعالجة القيم، عرض لبعض العناصر المهمة لإنجاح برامج التواصل مع الثقافات المختلفة، كما عرض حالات دراسية عملية مثل (تجربة غراس). وختمه بالحديث عن استكشاف القيم وبرمجة رسائلنا التواصلية.

الطبيب المحترف والطبيب المبتدئ

يبدأ المؤلف بالتحفيز على التدريب على استكشاف القيم واكتساب مهاراتها اللازمة بضرب المثال التالي الذي يميز فيه بين من يمارس مهنته بشكل محترف غير المحترف؛ فيقول: “يأتي المريض إلى الطبيب شاكيا له من صداع أصبح يداهمه على مدى أسبوع؛ فالطبيب الذي لا يمارس مهنته بشكل محترف سيصف له مسكنا للصداع مُنهيا الأعراض بشكل مؤقت، أما الطبيب الحاذق، فتراه يجتهد في

التعرف على مسببات الصداع؛ فقد تكون أعراض الصداع من تسوس الأسنان، وقد تكون من ضعف في النظر، وقد تكون مما يعانيه المريض من قبض أو إمساك، وقد يكون من نقص في الحديد، ما يعني أنه سيعمد إلى مجموعة من الدراسات الاستكشافية يتضمن بعضها أخذ عينة من دم المريض لفحصها، وهكذا قد تتعدد

الأسباب، فلا يصف مسكنا؛ بل يعمد إلى آليات لاستكشاف السبب، ومن ثم يصف الدواء المناسب الذي سيقضي بإذن الله على معاودة ظهور أعراض الصداع، والأمر لا يختلف بتاتا عما نحن بصدده حيال موضوع استكشاف القيم؛ فنحن أمام دراسة القيم المجتمعية لمجتمع ما، نعمد إلى آلية مشابهة نتعرف من خلالها على الظواهر المستشرية في هذا المجتمع، سواء الإيجابي منها أو السلبي؛ فنعمد إلى فحص هذا المجتمع كالفحص الإكلينيكي الذى قام به الطبيب، فنشخص الحالة المجتمعية للقيمة محل الدراسة، فنجري بحثا ميدانيا”.

دراسة المجتمع

يؤكد الكاتب أنه لاستكشاف القيم في أي مجتمع لا بد من التعرف عليه جيدا، ومن أجل التعرف على هذا المجتمع قد نضطر أن نجمع معلومات من مصادر عدة تتضمن فيما تتضمن قراءة الصحف اليومية الأكثر انتشارا في هذا المجتمع؛ كي نتعرف على مدى انعكاس تلك الظاهرة في كتابات محرري الأعمدة، أو في مطالعة تصاميم الحملات الإعلانية خلال فترات زمنية معينة؛ حيث إن التصاميم الإعلانية هي نوع من أنواع التعبير التي أيضا تنعكس فيها ما يؤمن به أفراد هذا المجتمع من قيم أو عادات وتقاليد.

نعمد إلى هذا كله مستكشفين المدى الذى آلت إليه قيمة ما والاتجاهات التي آلت إليها، وهذا من شأنه أن يبصرنا بعد ذلك في وصف نوع البرنامج الاتصالي المناسب مع الشرائح المستهدفة المعنية في هذا المجتمع، ويعرفنا بالوسائل المثلى في تواصلنا مع كل شريحة على حدة”

الخارطة القيمية

حسل الكتاب فإنه من الممكن اعتبار الخريطة بأنها مسار يحدد لنا معالم للشكل العام الذى نحن بصدده، سواء حيال التضاريس أو المناخ أو مواطن الضعف والقوة، أو مواطن الحاجات وما يشكل فرصا متاحة، مستشهدا على ذلك بخريطة نشرتها مؤسسة Gallop الأمريكية عام 2005 تبين درجة أهمية الدين وانعكاساته على

الحياة اليومية للفرد في مجموعة من الدول في العالم.

ويخلص منها إلى أن “الدين ” وما يتضمنه من قيم عامة أو محددة يعمل بشكل رئيس في توحيد الوجهة العامة لبوصلة القيم هذه لدى معتقديه حتى مع تغير اللغة والأعراق والنطاق الجغرافي للأفراد، غير أن الدين الإسلامي على سبيل المثال يترك دائما مساحة لإعمال العقل وإعمال القلب في عمليات الاختيار من أجل اتخاذ

القرار، في غير ما جاء به من نصوص واضحة حيال ثوابت (الحلال والحرام).

تقنين القيم

من الأسئلة المهمة التي أجاب عنها المؤلف في كتابه: هل يمكن تشريع القيم والأخلاق في شكل قوانين دستورية؟

وكانت الإجابة: نعم، فالعديد من شعوب العالم قننت ذلك، وجعلته متضمنا في تشريعاتها وقوانينها، ويمكن ملاحظة ذلك بجلاء من خلال قوانين المرور مثلا، والمعاقبة التي يتعرض لها مخترقوها، أو في تجريم دور البغاء، أو السرقات،

أو إتلاف المرافق العامة، وأخيرا أصبحنا نشهد تشريعات حيال الحد من ممارسة التدخين في المرافق العامة وعلى الطائرات، ونلاحظ في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال الضغط من أجل السماح لمن يرغب من الطلبة ممارسة الصلاة في المدارس، أو في التشريعات في تجريم من يتعاطى الصور الإباحية.

ونحن في العالم العربي والإسلامي، نلاحظ تشريعات في بعض الدول تعاقب من يفتح محاله التجارية أثناء الصلوات الخمس أو في بعضها الآخر في فتحها وقت صلاة الجمع.

فالتواصل مع مجتمع ما يفرض على مرسل الرسالة (ناشد التغيير) بالإضافة إلى التعرف على القيم السائدة، الإحاطة بمعتقدات أفراد هذا المجتمع والديانات السائدة فيه، فثمة المسلمون وهناك المسيحيون وثمة اليهود، كما أن هناك معتقدي الكنفشيوسية والبوذية والهندوسية

القيم والعصر الحديث

كما ركز الكاتب بشكل كبير للغاية على طريقة معالجة هذه القيم المجتمعية داخل المجتمع المسلم العربي، وخصوصا في العصر الحديث، الذي أصبح يتميز بتمازج كبير جدا بين الحضارات، هذا التمازج أصبح يطغى بشكل كبير على الحضارة الأم للأفراد، ولكن تميز الحضارة الإسلامية العربية بمجموعة قيم وسلوكيات دينية وأخلاقية ومجتمعية نادرة التشابه أو المحاكاة، وكذلك إمكانية التعايش مع القيم والحضارات الأخرى، ولكن الأهم هو كيف نحافظ على هذه القيم الإسلامية من الطمس وتغيير المعالم أثناء هذا التمازج مع الحضارات الأخرى؟.

  • (لمطالعة نسخة من الكتاب اضغط هنا).

مواضيع ذات صلة