الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

تدريس العقيدة على طريقة الربانيين

سحر شعير **

إن توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة هو الغاية التي من أجلها خلق الله الإنس والجنّ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وهو الغاية التي أرسل الله من أجلها الرسل أجمعين، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وهو النعمة الكبرى والمنة التي امتنَّ الله عزّ وجلّ بها على هذه الأمة، فهو سبب سعادة العبد في الدنيا والآخرة.

2933100_normal

 كما أنه سبب العصمة في الدنيا، فبه يُعصَم دم المسلم وماله ويثبت له عقد الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه، وحسابه على الله”( أخرجه البخاري 1400، ومسلم 20، واللفظ لمسلم من حديث أبي هريرة) – وهو سبب النجاة في الآخرة من النار، لقوله تعالى: {إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْـجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِـمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].

وتحقيق إخلاص العبادة لله تعالى وحده هو الشرط لصحة وقبول سائر الطاعات، كما قال عزّ وجلّ: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقال تعالى أيضا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

وهو كذلك أول ما يجب أن يُخاطب به الناس من أمور دينهم، وإلى ذلك وجَّه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عندما أرسَله إلى اليمن داعياً إلى الله تعالى، فقال له: “يا معاذ! إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم… الحديث” (أخرجه البخاري 1425).

وهو كذلك آخر ما يخرج به العبد من الدنيا بسلام: “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة”، فهو أول واجب وآخر واجب.

ولما كانت سعادة المؤمنين في الدنيا والآخرة موقوفة على توحيد ربهم، كان أول ما يجب على المكلَّفين أن يعلموه، وأن تحيا به قلوبهم، ومن ثمّ يتخذونه منهاجاً لحياتهم.

وهذه مهمة العلماء والدعاة؛ من خلال الدروس والخطب والتصانيف العلمية، وغيرها من وسائل التعليم والدعوة إلى الله تعالى.

ولما كانت العقول ودرجات الفهم تتفاوت، كان من الصواب أن يقوم الدعاة بتعليم العقيدة للبسطاء على طريقة الربانيين، على وَفق المعنى الذي فسر به ابن عباس هذا الوصف في قول الله تعالى: {وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّـمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُون} [آل عمران: 79] – قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسيرها: الربّاني هو الذي يعلّم الناس بصِغار العلم قبل كِبَاره.

وصغار العلم يعني المسائل الواضحة، فالداعي يبدأ الناس بالكليات الواضحات من المسائل قبل الجزئيات وما غمض من مسائل العلم.

وليس من الحكمة أن يخاطب الدعاةُ الناس في درس العقيدة بالمصطلحات الأصولية والتعريفات والاختلافات التي وقعت بين الفرق في بعض مسائل العقيدة، مثل: الإيمان بالقدر، والأسماء والصفات، وغير ذلك؛ لأكثر من سبب:

– أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وهذا الخطاب يناسب أهل التخصص العلمي وليس المسلم البسيط الذي يأتي إلى المسجد كي يستمع إلى ما يحيي قلبه من الذكر.

– أنّ عامة المسلمين ليسوا في حاجة لدراسة المصطلحات العلمية بقدر ما يحتاجون إلى إشعال الجذوة التي خبت في قلوبهم وبث الروح فيها من جديد.

فهناك فرقٌ بين خطاب طلبة العلم وخطاب العامة، ولكل مقام مقال.

وليعلم الداعي أنّ بداية إصلاح النفوس إنما تكون بزيادة مساحة الإيمان فيها، وارتفاع مستواه إلى الدرجة التي يعلو فيها على حجم الهوى داخل تلك النفوس، وهذا ما يصبو لأن يصل إليه في دعوته.

ويسير الداعية أثناء خطابه للناس في محاور متوازية تؤدي كلها إلى الأخذ بيد المدعوين إلى الله تعالى ومعرفته والإذعان الكامل له سبحانه، واتخاذ شرعه منهجاً متكاملاً لحياتهم.

وهذه بعض النقاط الرئيسة التي تمثل مرتكزات يعتمد عليها الداعي في طريقه، مثل:

1-  تربية الناس على منهج أهل السنة والجماعة في تلقي العقيدة، ومن أهمها:

أولاً: حصر مصدر تلقي العقيدة في الكتاب والسنة، فطريقة أهل السنة والجماعة هي الاعتصام بكتاب الله عزّ وجلّ وسنة رسوله الصحيحة والتسليم بما جاء عن رسول الله من دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، وأي عقيدة مستمدة من غير الكتاب والسنة الصحيحة وما بُني عليهما من إجماع؛ إنما هي عندهم ضلالة وبدعة.

ثانياً: فهم النصوص بفهم الصحابة الذين علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وكذا التابعين وتابعي التابعين أهل القرون الثلاثة المفضلة.

فعن قتادة قال: سمعت أبا السوار يحدث عن عمران بن الحصين يحدث عن النبي أنه قال: “الحياء لا يأتي إلا بخير”. فقال بُشير بن كعب: إنه مكتوب في الحكمة أن منه وقاراً ومنه سكينة. فقال عمران: أحدثك عن رسول الله وتحدثني عن صحفك؟”.

فصفة التسليم للنص الشرعي من أهم صفات أهل الإيمان، فكل ما أمر به الشارع أو نهى عنه أو دل عليه أو أخبر به؛ حقه التصديق والتسليم مع الإجلال والتعظيم، فالامتثال بلا تردد، والاتباع بلا هوى.

كما أنّ تربية الناس على هذا الأصل فيها تحصين لهم من خطر الشبهات والأفكار المنحرفة، والتي باتت قريبة من كل أحد في عصر الفضائيات المفتوح.

2- تناول قضايا التوحيد الرئيسة، مثل:

–       توحيد الربوبية:

يبدأ الداعية بتعريفهم بالله جلّ وعلا وربط قلوبهم به، وأحسن السبل إلى ذلك تناول الآيات التي تتكلم عن بديع صنع الله في خلقه، وما في الكون من إعجاز؛ بالشرح والتفسير، وإحياء عبادة التفكر بالنظر في الكون وفي أنفسهم، والتفكر في كثرة نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى.

–       توحيد العبادة وسد الطرق الموصلة إلى الشرك:

وهذه هي القضية الكبرى التي دعا إليها جميع الأنبياء والرسل، ودارت حولها جهودهم، ومن أجلها أوذوا وتحملوا تبعات التكليف الشاقة، واستغرقت منهم أعمارهم كاملة.

ويشمل هذا المحور التعريف بمعنى العبادة، ووجوب إخلاص العبادة لله وحده، وبيان الشركيّات القولية والعملية التي من الممكن أن يتلبس بها المسلم، خاصة ما هو معاصر منها.. يقول الشيخ محمد خليل هرّاس: “ولما كان هذا النوع من التوحيد – يعني توحيد الألوهية – هو أخطر أنواع التوحيد وأشرفها، فقد احتاط له الشرع أعظم الحيطة ونفى عنه كل شائبة وحرّم كل وسيلة مفضية إلى الإخلال بقواعده؛ حتى يبقى مصون الحِمَى بعيداً عن عوامل الزيغ والانحراف، فنهى عن الألفاظ التي توهم الندية والمساواة بين الله وبين أحد من خلقه، كقول: ما شاء الله وفلان، وبيّن أن المخرج هو أن يعطف بـ “ثُمَّ” لا بالواو، ونهى عن الألفاظ التي فيها تعظيم لغير الله، مثل الحلف بغير الله تعالى، وقول: لولا فلان لكان كذا، ونهى عن اتخاذ المساجد على القبور؛ لأن ذلك ذريعة إلى تعظيمها وعبادتها، قال صلى الله عليه وسلم: “لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها؛ حتى لا يتشبه المصلون بعبّادها، وغير ذلك من الشركيات التي حذّر منها أمته.

–       توحيد الأسماء والصفات:

إن لتوحيد الأسماء والصفات شأناً عظيماً وأثراً كبيراً في القلوب، فعلى الداعي أن يوليه عناية كبيرة، لتعلّمه وتعليمه وبثّه في الناس. والقرآن الكريم تضمن الحديث المباشر عن الله تعالى؛ عن ذاته، وأسمائه، وصفاته، ومنه يستقي الداعي، فيعلّم المدعوين معاني الأسماء والصفات، وآثارها في النفس والكون والواقع الذي نعيشه، ومعنى إحصائها، وكيفية التعبد لله تعالى بها، وقطع الطمع عن إدراك كيفيتها، والإيمان بما ورد عنها في القرآن والسنة كما وردت في النصوص دون تشبيه أو تكييف أو تعطيل أو تحريف.

إن من أعظم ثمار معرفة أسماء الله والإيمان بها، الفهم الصحيح لمدلولاتها، والتجاوب مع هذا الإيمان وهذا الفهم، بحيث لا تصبح مجرد مفاهيم ذهنية لا رصيد لها في واقع الحياة على الفرد والأمة.

إن معرفة الاسم، ومن ثم معرفة الصفة؛ تجعل المسلم يتجاوب مع تلك الحقائق ويتأثر بها، وإنه لا بد من العلم الذهني، والإيمان القلبي، والتفاعل الواقعي.. ماذا تفيد معرفة أن الله هو الرزاق وهو يطلب الرزق من غيره؟ ويعلم أنه العزيز القوي الجبار ويطلب العزة من سواه؟ ويدرك أنه السميع البصير العَلِيم ولا يستحي منه في صغيرة ولا كبيرة؟ ويقول إنه الواحد وصفته الوحدانية ويشرك معه في الطاعة والعبادة؟ وغير ذلك من أنواع الشرك من الأحياء والأموات.

ولذلك يقول ابن القيم – رحمه الله -: والأسماء الحسنى والصفات العلى مقتضية لآثارها من العبودية والأمر، اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، فلكل صفة عبودية خاصة، هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها. وهذا مطرد بجميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح، فعلم العبد بتفرد الرب – تعالى – بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة؛ يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً.

وعلمه بسمعه – تعالى – وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياة باطناً، ويثمر له اجتناب المحرمات والقبائح.

ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته، توجب له سعة الرجاء، ويثمر له ذلك من أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.

وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزه تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعاً من العبودية الظاهرة هي من موجباتها، وكذلك علمه بكماله وجماله وصفاته العلى يوجب له محبة خاصة بمنـزلة أنواع العبودية، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات، وارتبطت بها ارتباط الخلق بها، فخلقه – سبحانه – وأمره هو موجب أسمائه وصفاته في العالم وآثارها ومقتضاها.

فلا ينقطع حديث الداعية عن أسماء الله تعالى وصفاته، حتى يمتلئ قلبه وقلوب مستمعيه من محبة خالقهم ومولاهم، وتعظيمه وخشيته والخضوع له، فيثمر لهم ذلك عدم التردد في طاعته، واجتناب ما يسخطه، وحب من يحب، وبغض من يبغض، فوالله إنهم حينئذ وقد قرّت أعينهم بمولاهم، لفي أطيب عيش وأكبر نعيم، وحالهم يصدقه قول ابن القيم – رحمه الله -: (في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الفرار إليه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسدّ تلك الفاقة أبداً).

3-  التأكيد على معاني الاعتزاز بالدين والاستعلاء بالإيمان والتوحيد:

والاستعداد التام لبذل الأرواح والمهج في سبيلها، والتأكيد على أن نهضة الأمة تكمن في عودتها للتمسك بدينها، وأن المسلمين لم يتأخروا إلا يوم فرّطوا بدينهم وانهزمت معاني العزّة في نفوسهم.

ومن الممكن عرض هذا الموضوع من خلال القصص القرآني والنبوي؛ (قصة أصحاب الأخدود، مؤمن آل فرعون، مراحل الدعوة المكية وعرض ما تحمّله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سبيل دينهم وعقيدتهم).

4- ربط العقيدة بالسلوك:

وهذا المحور مهم جداً؛ لأنّ مهمة الأنبياء لم تقتصر على مجرد بيان العقيدة وتبليغها، إذ إنّ المعرفة الذهنية بمجردها لا تصنع شيئاً مهما كانت قوية وباهرة، بل لا بد أن تنتقل من الذهن إلى القلب فتصبح وجداناً حياً يملؤه، ثم تفيض آثار ذلك الوجدان على الجوارح فيتحول إلى سلوك عملي ينبض بروح التوحيد في واقع الحياة، فيصير سلوك المسلم التطبيق العملي لشريعة الإسلام، منطلقاً فيه من عقيدته وتوحيده، إذ لا يمكن تحقيق الانضباط الشرعي في السلوك والأخلاق إلا باستحضار الأثر المترتب عليه في الآخرة ثواباً أو عقاباً، وهذا هو منهج القرآن الكريم في الأمر والنهي، لذلك تجد القرآن يربط بين الجذور العقدية والتطبيقات الشرعية، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: ١ – ٥]، فعند مخاطبة من يطفف الميزان ونهيه عن هذا الفعل المحرم، لا بد من التذكير وإثارة الشعور بقضية عقدية مهمة، وهي هنا قضية البعث بعد الموت ثم الحساب على كل ما سبق.

وقال صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”.

الربط واضح تماماً في الحديث الشريف، كذلك بين العمل والعقيدة، فمن كان مؤمناً حقاً مصدقاً بالله تعالى واليوم الآخر وما فيه من جزاء الأعمال؛ سيدعوه ذلك الإيمان إلى الالتزام بتلك المكارم رغبةً في ثوابها.

هذا هو نهج القرآن الكريم والسنة النبوية في الإصلاح، فعلاج الانحرافات الخلقية والاجتماعية وغيرها لا يأتي إلا تبعاً لتحقيق التوحيد والاستسلام التام لله عزّ وجلّ والخضوع لأمره وتعظيم شريعته والرضا بها كمنهج متكامل للحياة.

وكلمة أخيرة للدعاة ولكل من عُهِدَ إليه أو حمل على عاتقه تعليم العقيدة والتوحيد:

إنّ قضية العقيدة لا تنحصر في بعض القضايا العلمية فقط، لكنها طاقة حية وقوة دافعة، ولذلك مثّل الله تعالى لها بالشجرة الطيبة، عميقة الجذور، وفيرة الثمار، وارفة الفروع والظلال، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 24 – 25].

فالكلمة الطيبة، كلمة التوحيد -لا إله إلا الله-، لها أصل ثابت في قلب العبد المؤمن من العلم والاعتقاد، ولهذا الأصل فروع باسقات تثمر كلماً طيباً وعملاً صالحاً وأخلاقاً مرضية وآداباً حسنة.

فليست العقيدة دروساً نظرية يعلمها الدعاة للناس، وإنما عليهم أن يعلموهم كيف يقيمون الحياة كلها على مقتضى هذا العلم.

إنّ حاجتنا إلى العقيدة فوق كل حاجة، وضرورتنا إليها فوق كل ضرورة؛ لأنه لا سعادةَ للقلوب، ولا نعيم ولا سرور، إلا بأن تعبد ربها وخالقها.

ودعوة الناس إلى توحيد الله علماً وعملاً ومعرفة في القلب والضمير، وعبادة وتوجهاً بالعمل والسلوك؛ هي السبيل الوحيد لنصر المسلمين على عدوهم، ولعودة الأمة إلى سالف مجدها وعزّها، وإلى دورها المنوط بها في قيادة البشر وتعبيدهم لله تعالى وحده لا شريك له.

ولذلك؛ فإن على الدعاة اليوم تبعة ثقيلة، إنّ عليهم أن يعيدوا لدروس العقيدة شحنتها الحية المتدفقة بقدر ما تحمله من قوة الحق، كما كانت أول مرة، يوم أن كانت نوراً تستضيء به الأمة، وروحاً تحيا بها.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

______________________

 ** المصدر: مجلة البيان (بتصرف).

مواضيع ذات صلة