خالد روشه
أيام رمضان فرصة إيمانية تربوية ينبغي اغتنامها، والاستفادة منها قدر الإمكان؛ ففيها الأجواء المتميزة، وفيها انفتاح القلب للطاعات، وفيها انتشار المحبة والمودة، وفيها قرب العلاقات وتحسنها.. وغير ذلك مما هو معروف في رمضان.
والمربي الناجح يستطيع الاستفادة منها في بث معاني الإيمان وغرسها، وفي التوجيه نحو المروءات والفضائل، كما يستطيع أن يجعلها بمثابة دورة روحية إيمانية للإنابة والقربى إلى رب الأرض والسموات سبحانه.
ومن الخطأ ما يحدث من بعض المربين أن يترك طلابه في ذلك الشهر الكريم المليء بالمنافع والصالحات والمؤثرات بحجة الانشغال عنهم، بل يستطيع أن يجعل من اهتمامه بهم نوعا آخر من تحصيل الثواب إذا قنن جدول أعماله معهم وضبط إيقاع الساعات وناسبها مع الاستفادة والأثر، بحيث لا ينسى نصيب نفسه من المكرمات والصالحات.
التربويون يعتمدون في التغيير على نوعين من المؤثرات بالأساس:
الأول المؤثر البيئي.
والثاني هو المؤثر الذاتي.
ويستخدم المربي النوعين معا في رمضان لتوجيه الأفراد وتقويم سلوكهم، فالمؤثر البيئي يعتمد على الأسرة والصحبة وتأثير المؤسسات المجتمعية المختلفة، والمؤثر الذاتي يعتمد على القناعات الفردية والتوجيه بالنصح وبالقدوة وغيرها.
والمسجد كمؤسسة تربوية تعليمية يمكن أن يكون له الدور الأهم في تلك الأيام، ويمكن للمربي أن يستخدمه كمؤثر بيئي متميز، إذ يربط الأفراد به في الصلوات، ويعقد لهم حلقات القرآن، وحلقات استماع العلوم، ويستطيع توجيههم للمعاني الإيمانية عبر التذكرة والموعظة، كما يمكن للمربي أن يستفيد كثيرا من صلاة التراويح والتهجد في تدبر القرآن وقبول الأفراد للنصح والتوجيه، ومحبة الإيمان، واستشعار الرغبة في التوبة وتجديد العهد مع الله سبحانه.
ودور المربي استغلال ذلك بأعمال دعوية تفيد من ذلك الجو الإيماني الصالح، فيدعو متربيه إلى لزوم المساجد لأوقات قد تطول بعض الشيء وينتظرون من خلالها الصلاة بعد الصلاة، ويتلون من خلالها القرآن، ويتحينون الفرصة عند الإفطار في كل يوم للدعاء الصالح والمناجاة.
كما يمكن المشاركة في بعض الأعمال الجماعية التي تنشئ روح العطاء والشعور بالفقراء، والتضحية والبذل كالاجتماع على صناعة طعام للصائمين، ودعوة الفقراء لذلك الطعام الذي قد أعدوه بأنفسهم وتعبوا في إعداده وتعاونوا على الإنفاق عليه من أموالهم الخاصة.
كما يمكنه أن يجتمع بهم فيتلو عليهم آيات وأحاديث تأمر بالصدقة والبذل والعطاء وسير الصالحين في التصدق في سبيل الله، ثم يأمرهم بالخروج للتصدق (كل على حدة) ويذكرهم باستحضار النية الصالحة وإخفاء الصدقة.
كما يمكنه أن يذكرهم بحديث أبي بكر الصحيح يوم أن قام بأربعة أعمال صالحات، هي: الصيام، واتباع الجنائز، وعيادة المريض، والتصدق بصدقة، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال عنه لما عرف ذلك منه: “ما اجتمعن في رجل في يوم إلا غفر الله له”، فيتشبهون بفعل أبي بكر في جمع تلك الأعمال الصالحات الأربعة في يوم.. وغير ذلك.
وتناسب هذه الأيام أن يجدد المربي دعوته لمتربيه أن يقوموا بعملية تغيرية لأنفسهم وأخلاقهم السيئة أو السلبية وعاداتهم المرفوضة إلى نفوس نقية للخلق جميعًا، وأخلاق تتشبه بأخلاق نبيهم صلى الله عليه وسلم، وعادات إيمانية طيبة، خالعين أخلاق وعادات الجاهلية والنفعية وما يتعلق بحب النفس والرغبة في العلو على الآخرين.
ويمكن أن يوجه المربي تعليمه نحو ذم خلق الكبر والعجب مذكرا إياهم كيف أمر الشرع أن يصوم الناس فيشعرون بفقيرهم ومحتاجهم، ويهتمون به ويراعونه.
كما يمكن للمربي أن يؤكد على معنى ضبط النفس لله سبحانه، والسيطرة على هواها وكبح جماح شهواتها، وهو معنى مراد من معاني الصوم، وكذلك يؤكد على مفاهيم بناء التقوى من الصوم، وكيف أنها تتدرج قوة في قلب الصائم حتى تأتي الأيام الأواخر فتكون قد قويت في قلبه.
ويمكنه أن يدعو متربيه للوحدة المستقاة من صوم جميع أمة الإسلام في هذا الشهر الكريم بنفس الطريقة وشعورهم بنفس العبادة وسعيهم جميعا لتحصيل التقوى، ثم يدعوهم لنبذ الخلاف والتفرق والسعي للوحدة وعدم استحقار العمل الصالح من أحد أيًّا كان، ورؤية العاملين لله جميعهم على ثغور مستهدفة، فيدعو لهم، ويرجو لهم النصرة، ولا يخذلهم ولا يسلمهم، بل يدعو لهم وينصرهم بما استطاع، ويناصحهم فيما رآه خطأ منهم ويوجههم بالحسنى فيما خفي عنهم.
ولا شك أنها أيام مناسبة لتذكيرهم جميعا بحثّ إخواننا المستضعفين في الأماكن البعيدة والفقيرة والمضطهدة مثل سوريا وبورما وفلسطين وغيرها.
المصدر: موقع هدي الإسلام.