حاوره: علاء عبدالفتاح
الجمعية الإسلامية الأمريكية (ماس) جمعية أهلية أُسست عام 1993م في الولايات المتحدة، وتعد من أنشط الجمعيات ذات الفعاليات التي تخدم الجالية
الإسلامية هناك حتى الآن.
«الوعي الإسلامي» التقت الدكتور أسامة الجمال رئيس منظمة العلاقات العامة والاتصال المدني بها، على هامش زيارته مؤخرا لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، لتتعرف من خلاله على أحوال الجالية المسلمة هناك وعلى دور الجمعية التي يمثلها، ومدى مساهماتها في حل مشاكل أبناء الجالية، وإبراز الصورة المشرقة للمسلم التي تناقض الصورة التي تصدرها غالبية أجهزة الإعلام الغربية عن الإنسان المسلم بشكل عام والمهاجر بشكل خاص.
في البداية، أوضح د. الجمال أن الجمعية الإسلامية الأمريكية وإن كانت قد ظهرت رسميا سنة 1993، لكنها على أرض الواقع بدأت نشاطها منذ الخمسينيات مع الرعيل الأول من المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
سألناه عن أبرز أهداف الجمعية، فقال «من أبرز أهداف المنظمة المحافظة على هوية الفرد المسلم وعقيدته وثقافته وتقاليده، ثم إعداده كي يكون مواطنا مساهما إيجابيا مع المجتمع الذي نعيش فيه». وأضاف الجمال: «نأمل أن يتخرج على أيدينا رسل السلام ورسل دعوة الحق، وأن يكونوا جسور التعاون وجسور المعرفة الحقيقية عن الإسلام والمسلمين، كما فعل أجدادنا في السابق في إندونيسيا وماليزيا على سبيل المثال».
** هل تعتنون بالفرد المسلم المهاجر من عمر معين أم تعتنون بكل مسلم ومن كل الجنسيات؟
– يهمنا الفرد المسلم من كل الأعمار داخل المجتمع الإسلامي الأمريكي، فقد أصبحت لنا ثقافة مميزة إذا صح التعبير، لأننا نأتي من دول عربية مختلفة في لهجاتها ومختلفة في عاداتها، فندخل في بوتقة جديدة داخل المجتمع الأمريكي المسلم، حيث تجد الهنود والباكستانيين والأتراك والإندونيسيين والأفارقة والفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين والليبيين.. وغيرهم، في تجمع فريد وتنوع حميد.. يجمعنا الإسلام في مكان واحد. لذلك، أصبح اهتمامنا بقضية الواجهة الحقيقية للإسلام كبيرا، فقد يسمع الأمريكي عن المسلمين أو عن العرب من خلال التليفزيون أو من خلال أفلام أو أخبار، لكنه سيأخذ الفكرة الحقيقية منا. ولذلك، نعتني بهوية هذا المسلم المنخرط في الحياة الأمريكية، وفي الوقت نفسه نشعر بأننا أمريكيون، ولا نستطيع أن ننفي أو نتجاهل هذه الحقيقة، فأولادنا ولدوا ونشأوا وترعرعوا واستنشقوا هواء تلك البلاد، فأصبح لنا ارتباط شديد بها، وأصبحنا جزءا منها، مع الحفاظ على هويتنا وما يعبر عن حقيقة قيمنا وعقيدتنا وأفكارنا.
** كيف وفقتم ما بين وجودكم كغرباء أو مقيمين في أرض غريبة وبين السلطات هناك؟
– مثلما نشعر بأن الإعلام الغربي وبعض المنظمات أو الشخصيات أو الهيئات تنقل صورة خاطئة لمجتمعاتنا وحقيقة معتقدنا، هنالك أيضا من العرب من يأخذ الصور مشوشة عن حقيقة أمريكا والشعب الأمريكي وما يدور هناك، وأمريكا ليست كما يظن البعض سوءا بها، كما أن العرب ليسوا كما يظن بعض الأمريكيين والغربيين..
نحن تعايشنا مع هذا الشعب ومع حكومته بكل جنسياتنا، وعرفناهم حق المعرفة.. نعم، هناك بعض المتعصبين والمتطرفين والحاقدين ومن لهم أجندات معينة، ولكن هناك أيضا، وهم كثيرون، من يرحب ويرغب في التعرف علينا وعلى الإسلام ويحترم العادات والتقاليد، بل أحب أن أقول إني وجدت من الأمريكيين جيراني وأصدقائي في العمل من يحترم عاداتي وتقاليدي والتزامي الإسلامي أكثر مما وجدته من بعض الناس في بلادنا العربية مهد الإسلام والمسلمين! وعلى سبيل المثال: إذا قلنا لهم إننا في مجالسنا نفصل رجالنا عن نسائنا، فإنهم يحترمون ذلك، بينما كنا نواجه معارضة وسخرية في بلادنا بأننا نعيش في عالم الجاهلية إذا فصلنا بين الرجال والنساء في المجالس. وهم يحترمون عادتنا فيخلعون الأحذية إذا زارونا في بيوتنا، وإذا أرادوا دخول مساجدنا تسأل نساؤهم: هل يجب أن نلبس عباءات أو نتحجب؟
وعلاقتنا كجمعية إسلامية مع الحكومة علاقة فيها الكثير من الاحترام، حتى إذا كنا في اجتماع حكومي مشترك ودخل وقت الصلاة وطلبنا مكانا للصلاة احترموا هذا الأمر وهيأوا لنا مكانا، ثم نعود ونكمل الاجتماع. وأذكر أننا كنا في قاعة الكونجرس وحان وقت الصلاة فوفروا لنا المكان وصلينا.
** هل يطمئن الفرد المسلم الذي يهاجر إلى أمريكا أو يسافر إلى أمريكا إلى أنه سيجد منظمة تحتضنه؟
– الجمعية الإسلامية الأمريكية منظمة مفتوحة لكل من أحب أن يعمل بها وينتظم فيها، وليس لها أي معايير صعبة التحقيق أو المنال، وفيها من الناس من يحبون أن يعملوا ويتعلموا ويوظفوا وقتهم.
وبالمناسبة الشعب الأمريكي من أكثر شعوب العالم في صرف الوقت في التطوع، والعمل التطوعي هو جزء من حياة الشعب الأمريكي، ولا نجد مثله في العالم العربي، وهذا ما يعطي قوة للتفاعل المدني مع الحكومة ومع المشرعين ومع القيادات السياسية.
** كونك رئيسا لمنظمة العلاقات العامة والاتصال المدني بالجمعية.. ما هي نشاطاتكم؟
– عندما يتخرج أو ينضج الأخ في الجمعية الإسلامية تبدأ مرحلة العمل المباشر مع المجتمع والتفاعل معه، فنحن في هذه المنظمة نتعاون مع منظمات المجتمع المدني الأمريكية والكنائس -وعلى فكرة حتى الكنائس مثل المساجد عندنا هناك أيضا من المتطوعين فيها الذين ينطلقون لخدمة المصلحة العامة من منطلق عقائدي- فيما هو مهم للمجتمع الأمريكي بصفة عامة، ومنها مثلا: مكافحة العنف المسلح في المدارس وفي الأسواق وفي الجامعات وفي الشوارع وعند مراكز البريد، فنقوم بالضغط على المشرعين وعلى ممثلي الشعب كي يتخذوا قوانين أشد صرامة عند إعطاء رخص السلاح للمواطن العادي، لأن أكثر الحالات من ناس وجدوا وسائل سهلة للحصول على السلاح، وقد أخذنا مواقف أكثر من ذلك، فطلبنا من الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية التي تشتري السلاح من وكلاء أو مصانع السلاح أن يستخدموا القوة الشرائية لهم كي يلزموا زبائنهم بالقوانين.
** كم عدد المنتمين إلى الجمعية الإسلامية؟
– بفضل الله سبحانه وتعالى لنا أكثر من خمسين فرعا في أمريكا، وكل ولاياتها تقريبا لنا فيها مساجد ومراكز للشباب ودور تحفيظ القرآن ومؤسسات خدماتية، ونكون أحيانا من ضمن لجان أو مجالس إدارة المساجد إذا لم نكن نحن المالكين لها. وبفضل الله بسبب التفاني ووسطية التعامل والفهم لدى الزملاء شعر الناس بقيمة وفعالية المنظمة في خدمتهم، والعدد كبير والحمد لله.
** هل اختفى الأثر الذي أحدثه 11 سبتمبر أم ما زال الناس ينظرون إلى المسلمين في أمريكا نظرة توجس؟
– بقدر ما كانت حادثة 11 سبتمبر شديدة الوطأة على المسلمين في أمريكا، بل على المسلمين في العالم كله، فإن الله سبحانه جعل الجالية الإسلامية في أمريكا تخرج من القوقعة التي حبست نفسها فيها قبل 11 سبتمبر. لقد كان من ينادي بالتواصل مع المجتمع منبوذا، وهذا قصور في فهم الواقع، فكثير من المسلمين الذين كانوا يأتون إلى أمريكا كانوا ينأون بأنفسهم عن التفاعل مع المجتمع (من العمل إلى البيت ومن البيت إلى العمل)، وليس لديهم أي علاقة بالمجتمع الذي يعيشون فيه!
والمطالبة بالتفاعل مع الأديان الأخرى والمجتمع كان ينظر إليها على أنها دعوات ليبرالية متحررة إلى أن جاءت أحداث 11 سبتمبر. ونحن بالطبع ننكر الاعتداء على الآمنين، وننكر التطرف والعنف، فهي أمور ليست من ديننا وليست من معتقداتنا ولا من ثقافتنا، بل لا نصدق بأن مسلمين قاموا بهذا العمل. وهنا أصبح للمهاجرين المسلمين وعي بأنه لا بد من التفاعل مع المجتمع، وكأن الله سبحانه وتعالى يدفعنا دفعا لنتفاعل مع المجتمعات الأخرى، فهو سبحانه وتعالى جعلنا شهداء على الناس، ولا يمكن أن تكون الشهادة على الناس وأنت في بيتك منعزل عنهم لا تخبرهم بدينك. إن حلاوة هذا الدين تظهر أيضا عندما يعلم الناس به حقيقة وعن قرب، فيقبلون عليه. ومن خلال معاملة المسلم لجاره أو زميله في العمل أو المستشفى الذي يعمل فيه أو المصنع الذي يشتغل فيه أو الجامعة التي يدرس فيها، عرف كثير من الأمريكيين حقيقة الإسلام السمحة.
لقد أصبح لنا بعد 11 سبتمبر الكثير من المعلمين المسلمين يدرسون في المدارس الأمريكية الرسمية التابعة للحكومة، وهذه نقلة جديدة في تفاعل المسلمين مع المجتمع الأمريكي. وما زلنا ندرس في الجامعات، وأصبح لنا الآن عناصر شرطة في أمريكا، بل هناك جمعية للشرطة العرب وجمعية للشرطة المسلمين، وهناك من يعمل في وزارة الخارجية، وهناك من يعمل في وزارة الأمن القومي، وهناك من يعمل في وزارة الدفاع، وهناك أفراد مسلمون في الجيش.
** لكن كيف تقبل المجتمع الأمريكي هذا؟
– هناك نقلة للمسلمين في أمريكا لعدة عوامل؛ العامل الأول هو تكاثر المسلمين، فنحن كنا من الرعيل الأول عندما جئنا صغارا، وكثيرون ولدوا في أمريكا، والآن أصبحوا شبابا وشابات يسعون في الحياة فيدخلون في كل مجالاتها من أعمال ووظائف، بل تطلب الحكومة الأمريكية في مؤسساتها منا أن نكون جزءا من هذا المجتمع لشيء بسيط جدا هو أن هذا حقنا فهذه بلدنا، وكما أي مواطن يحب أن يلتحق بوزارة خارجية بلده أو وزارة داخلية بلده أو وزارة كذا.. أيضا أولادنا أمريكان ومن حقهم أن يلتحقوا بمؤسسات بلدهم، وإذا لم يفعلوا فهم مقصرون في مشاركتهم في بناء وطنهم. ولذلك، نهتم في منظمة الجمعية الإسلامية الأمريكية ببناء الفرد، لأنه إذا أحسن الفهم الوسطي غير المتزمت وغير المتطرف فسوف يقدم قدوة حسنة.
** أحد الشعراء العرب الكبار، وهو محمود درويش، وصف أمريكا بأنها «الطاعون، وكثير من المسلمين، ربما الذين لا يعرفون أمريكا جيدا، يناصبونها العداء ويطلقون عليها الشيطان الأكبر.. فماذا تقول أنت عن أمريكا وقد عشت فيها؟
– أولا لا يمكن لأي دولة في العالم أن تفرض على دولة أو شعوب أخرى سياسة ما إن لم تكن هذه الدولة وهذه الشعوب قابلة بهذه السياسة، سواء لضعف أو قابلية للسيطرة عليها. ولذلك، لا يكون السبب في الطرف الأول دوما. وسبق أن أكد مالك بن نبي (المفكر الجزائري وأحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين) أنه إذا لم تكن عقولنا قابلة للاستعمار فلا يمكن أن يستعمرنا المستعمر، هذه قضية.
أما القضية الثانية فلا شك في أن أمريكا تنظر إلى مصالحها باعتبارها دولة عظمى، وكل دولة عظمى تسعى للسيطرة، وكذلك كانت الدولة الإسلامية عندما كانت في أوج قوتها.. كانت تخرج إلى دول أخرى -مع فارق الدافع المشروع بالطبع. وأمريكا تنظر إلى مصالحها، فإذا رأت الآخر قابلا وراضيا ومستعدا فلن تتأخر عن الاستفادة منه. وفي أمريكا مؤسسات تم التأثير عليها بنجاح من دون شك، والكل يعلم ما يفعله اللوبي الصهيوني، لأنه تفاعل مع المجتمع وانخرط في المجتمع واعتبر نفسه أمريكيا ودخل في كل مجالات الحياة الأمريكية، وهنا شعر بأن له الحق في إبداء رأيه والتأثير في سياسة بلده، ومن يجتهد طلبا للعلا فعليه أن يسهر الليالي.
** ماذا عن الصعوبات التي تواجهها هذه المنظمة؟ هل هناك تضييق؟ هل هناك نقص في الدعم المادي؟
– عملنا يتطلب مصادر مادية كبيرة، فأمريكا كما تعلم قارة وولايات متعددة، والأنشطة التي نقوم بها تتطلب تمويلا كبيرا، وما من شك في أن الجالية المسلمة تنفق في سبيل الله وهذا من عوامل نجاحها، ومساجدنا ومراكز تحفيظ القرآن ومراكز الشباب من تبرعات المسلمين، ولم يأتنا دعم من الخارج، ومعظم عملنا يقوم على متطوعين، ولكن لكبر العمل وأهميته لا نستطيع أن نستمر في بعض أعمال هذه المنظمة، فأمريكا بلد يهتم بالإتقان ولا بد أن تماشي العصر والمجتمع الذي أنت فيه.
وبينما لدينا كثرة مشاريع نقوم بها، هناك محدودية في مصادر التمويل، وهناك الكثير من الكوارث في العالم العربي والإسلامي، ومسلمو أمريكا لا يقصرون أبدا في دعم هذه الدول وهذه الشعوب، مثل الصومال والبوسنة والهرسك وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا وماليزيا، فالعبء كبير، ولكن الله سبحانه وتعالى يبارك حتى في هذا الجزء القليل من التمويل.
نسأل الله أن يشرح قلوب المسلمين في كل أنحاء العالم لدعم هذه الأنشطة في أمريكا، لأننا نعتقد أنها ستبقى ممثلة للدولة العظمى في العالم إلى مستقبل منظور. ولذلك، مهم أن يكون العمل الإسلامي فيها قويا وعلى مستوى الدولة العظمى، وهذا سيؤدي -إن شاء الله- لتحسين سياستها الخارجية التي نسعى إليها وإلى تحسين العلاقة بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي..
——
المصدر: الوعي الإسلامي.