الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

القرآن في حياة الداعية

د. رمضان فوزي بديني

القرآن الكريم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم q1حميد، فيه خبر ما قبلنا ونبأ ما بعدنا وفصل ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي من عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

ولذلك فإن القرآن الكريم للداعية كالهواء والماء للكائن الحي، لا يمكنه أن يعيش ويسير في طريقه إلا باصطحابه في حله وترحاله؛ من أنواره يستضيء في ظلمات الطريق، ومن قصصه يستمد العزم واليقين، ومن إشعاعاته تنفتح مدارك عقله وتسمو آفاق نفسه، ومن دروسه تتربى شخصيته الفريدة المتميزة تربية شاملة متكاملة.

ولقد أدرك سلفنا الصالح فضائل هذا الكتاب العظيم الذي يستمد عظمته من منزله سبحانه وتعالى، ومن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ومن الواسطة بينهما عليه السلام، ومما يحويه بين دفتيه من كنوز نفيسة ودروس عظيمة.

والحديث عن فضائل القرآن تقصر دون الإلمام به المطولات، فضلا عن المقالات؛ ولذلك فسأقتصر في هذه السطور على أهمية القرآن في حياة الداعية، وواجب الداعية تجاه القرآن.

أهمية القرآن للداعية

القرآن له دوره العظيم في حياة عموم المسلمين؛ ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقبال عليه والنهل منه؛ فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن تبعه، لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما أني لا أقول: الم، حرف، ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر”.

فإذا كان الأمر كذلك لعموم المسلمين فإن الأمر أهم وأولى بالنسبة للدعاة إلى الله تعالى، ويمكن إجمال أهمية ذلك فيما يلي:

–        القرآن فيه تأهيل تربوي وإعداد إيماني لنفسية الداعية للتغلب على الصعوبات والعوائق التي تواجهه في طريق دعوته؛ ولذلك كان من توجيه الله تعالى لرسوله الكريم في بداية بعثته هو ترتيل القرآن حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، والسبب في ذلك هو {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً}.

–        القرآن فيه من قصص السابقين ودروس الغابرين ما يهون على الداعية ما يلاقيه من أذى وصدود من الناس؛ ولذلك قال الله تعالى لنبيه {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.

–        القرآن يجعل الداعية على بصيرة من أمره، ويكون عنده وضوح للرؤية وتحديد للهدف، يهون دون تحققه كل صعب، كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

–        القرآن ضروري للداعية من أجل اكتساب مهارات وأساليب دعوية من خلال ما يسرده القرآن من قصص للأنبياء والمرسلين مع قومهم.

–        القرآن مطلوب للداعية من أجل توصيل رسالته والتعبير عن فكرته؛ فلا بد للداعية من أن يزين كلامه ويؤيد آراءه بآيات من الذكر الحكيم، خاصة ما يتعلق منها بأمور الحلال والحرام.

–        للقرآن دور في تكوين ثقافة الداعية تكوينا رصينا مكينا شاملا لما يحتاجه في توصيل رسالته، يجعله يقف على أرض صلبة أمام الثقافات الوافدة والأفكار المستوردة.

–        فضلا عما سبق وغيره الكثير فالداعية في حاجة إلى الأجر المتحصل من تلاوة القرآن ومطالعته والنظر في كتاب الله تعالى؛ حيث إن له بكل حرف عشر حسنات كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.

واجب الداعية تجاه القرآن

بناء على ما سبق من فضائل للقرآن في حياة الداعية فإن هذا يوجب عليه أمورا كثيرة تجاه القرآن لعل منها:

1- التعرف على فضائل القرآن -ومنها ما ذكرناه سابقا-؛ إذ التعرف على فضائل العمل دافع للاجتهاد فيه والجد في تحصيله.

2- تخصيص ورد يومي للتلاوة، وليكن للداعية جزء يومي يحرص على تلاوته أيا كانت ظروفه؛ فإذا عجز عن ذلك فلا يحرم نفسه أن يمر يوم دون أن يطالع كتاب الله.

3-            الحرص على حفظ كتاب الله تعالى أو ما تيسر له؛ لأنه مأمور بذلك أولا، وحتى يتمكن من الاستشهاد به في دعوته ثانيا.

4- أن يحرص على إتقان تلاوته مراعيا أحكام التلاوة ومخارج الحروف؛ فلا يكون داعية وهو لا يجيد تلاوة كتاب ربه. وهذا ربما يقتضي منه الاشتراك في أحد دور القرآن، أو التزام أحد الحافظين المجيدين للقراءة عليه.

5- على الداعية أن يكون له ورد للتدبر في آيات القرآن؛ فلا يكتفي بالتلاوة والترديد؛ بل عليه أن يرتقي بذلك إلى التدبر والتفكر والمعايشة.

6- على الداعية أن يجيد توظيف الآيات وحسن الاستشهاد بها في مكانها الصحيح، دون تكلف أو تحميلها ما لا تتحمله.

7- أن يحرص على مطالعة كتب التفسير للوقوف على معاني الآيات، وليحرص على أن يصطحب معه كتابا في معاني الكلمات؛ مثل معاني الكلمات لحسنين مخلوف.

8-           أن يجعل لتحفيظ القرآن نصيبا من دعوته؛ حتى يتحقق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”.

9-  عليه أن يحرص على العمل بالقرآن والاحتكام إليه، ويتخلق بأخلاقه ويتأدب بآدابه؛ ليكون في ذلك قدوة عملية في دعوته.

10-                    أن ينوع علاقته بالقرآن ما بين التلاوة والإنصات؛ فيستفيد من الأوقات البينية وأوقات المواصلات في الاستماع للقرآن.

وبعد..

فهذه بعض الفضائل والنصائح لتحفيز الداعية على الارتباط بكتاب ربه، بما يسمح به المقام والسياق، والباب مفتوح لمن أراد الزيادة والاستزادة، حتى تعم الفائدة والأجر.

مواضيع ذات صلة