أجرى الحوار عبر الإنترنت من توغو: محمد عبدالعزيز يونس
تجربة نورانية لشاب مصري فضَّل السير على خطى الداعية الكويتي الراحل عبدالرحمن السميط، الذي أسلم على يديه أكثر من 11 مليون شخص في إفريقيا على مدار أكثر من 29 عاماً قضاها في نشر الإسلام بالقارة السمراء. وعلى الدرب ذاته سار الشاب الثلاثيني – رفض نشر اسمه وصورته حتى يكون عمله خالصًا لوجه الله -، والذي ترك بلدته “الغنايم” بصعيد مصر مفارقًا الزوجة والأبناء والأهل والأحباب إلى مجاهل إفريقيا، متمثلًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم». وفي غضون 5 أشهر من رحلة تمتد لعام، منَّ الله عليه بإسلام أكثر من 3 آلاف إفريقي.. وفي حديثه لـ”الوعي الشبابي” يكشف تفاصيل التجربة وصعوباتها.
أخي الكريم، أرجو أن تضعنا على نقطة البداية لهذه التجربة النورانية في الدعوة إلى الإسلام والتي يغفل عنها كثيرون هذه الأيام، سيما في ظل ما يتعرض له المسلمون من اضطهاد في عديد من البلدان؟
البداية كانت من خلال التعرف على مؤسسة آفاق المستقبل الخيرية المعنية بشؤون الدعوة بإفريقيا، التي يشرف عليها فضيلة الشيخ وحيد عبدالسلام بالي، ومن خلال إعلان عن حاجة المؤسسة إلى دعاة ينشرون الإسلام في القارة السمراء تقدمت بطلب انضمام، وبالفعل تمت الموافقة عليَّ وسارت الأمور على خير كما قدرها الله عز وجل.
وإلى أين كانت وجهتك؟
ذهبت بداية إلى غانا، ثم توغو، ثم بوركينا فاسو. وللأسف هذه البلاد تحتاج إلى جهود دعوية كبيرة لتعريف الناس هناك بحقيقة الدين الإسلامي. فرغم وجود كثيرين على فطرتهم، هناك أيضًا ليس فقط من يدينون بغير الإسلام، بل هناك ملايين الوثنيين الذين ما زالوا يعبدون الأصنام في دول غرب إفريقيا.
وما مدى الاستجابة لدعوتكم وزملائك الدعاة في كل البلدان التي زرتموها؟
الاستجابة بفضل الله كبيرة ومبشرة، فقد منَّ الله علينا بإسلام أكثر من 3 آلاف نسمة خلال 5 أشهر فقط. وعلى المستوى الشخصي، ومن خلال تواجدي بدولة توغو، فقد أسلم كلُّ من دعوتهم إلى الإسلام دون استثناء.
نفهم من ذلك أنهم يرحبون بالدخول في الإسلام؟
يرحبون بذلك جدًا، حتى غير المسلمين يحبون دعوة المسلمين، ومن ذلك أن رجلًا رفض الدخول في الإسلام لاعتبارات خاصة لديه، لكنه فرح جدًا بإسلام زوجته وأبنائه، وهناك من يرسل أولاده إلينا ليسلموا ويتعلموا.
وما مدى التزامهم بعد الدخول في الإسلام؟
للأسف، الالتزام ضعيف، بسبب الجهل والكسل الشديدين، لكن الدعاة بفضل الله يواجهون ذلك بلا يأس. فبالنسبة لمشكلة الكسل فهي صعبة جدًا، لأنها عميقة ومتجذرة فيهم، ونبذل قصارى الجهد في هذا الشأن لتخليصهم منها. أما مشكلة الجهل فنتغلب عليها عن طريق القوافل الدعوية المستمرة وعن طريق دورات مكثفة للمتميزين، وكذلك دورات عامة تنمي مهاراتهم الدينية والدنيوية.
ماذا يطلبون من العالم الإسلامي؟
يطلبون بناء المدارس والمساجد وحفر الآبار وبناء المستوصفات الطبية، وكذلك يطلبون مجيء العرب لتوعيتهم وتعليمهم وإشعارهم بالإخوة الإيمانية.
ما أبرز الصعوبات التي تواجهكم في الدعوة بإفريقيا؟
الصعوبات عديدة، أبرزها التعامل مع المترجمين والدعاة الأفارقة، وهناك عديد من السلبيات الصعبة مثل عدم الفهم، العناد، اللامبالاة، عدم الاهتمام بالوقت، وكنت أظن أن هناك مضايقات أمنية لكنها بفضل الله تكاد لا تذكر، إضافة إلى عقبات أخرى كتفشي الأمراض المعدية مثل الملاريا، وكذا صعوبة الطرق، وترويج الشائعات المغرضة من قبل النصارى، وتبقى أبرز الصعوبات كما ذكرْتُ في التعامل مع المترجمين والدعاة الناطقين باللغات المحلية.
وما أهم المواقف التي لا تنساها؟
بالطبع توجد مواقف كثيرة لن أستطيع أن أذكرها كلها، منها أن رجلًا كبيرًا في السن قال بعدما أسلم: “هذا أفضل يوم في حياتي منذ أن ولدت”، وكذلك قال رجل طاعن في السن بعدما أسلم أثناء تعليمه الوضوء: “سوف أرجع أُلقي الأوثان كلها”، قالها وهو شديد الفرح.
أيضًا، أحد ملوك القرى طلب مني مالًا لشراء طعام لأسرته، وبعدما أعطيته فرح جدًا وقال: “أنت أفضل من أولادي”.
ورجل عندما بدأنا نتحدث عن الإسلام والآخرة قاطعني قائلًا: “لا أريد أن أموت الآن”، ثم بعد إسلامه قال: “يمكنني أن أموت الآن؛ لأن قلبي أصبح أبيض مثل هذه الدجاجة” وأشار إلى دجاجة بيضاء!
وما أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة؟
الدروس المستفادة كثيرة، منها ازدياد يقيني بأنه لا يصلح أن يقود العالم الإسلامي إلا العرب، وكذلك تعلمتُ هدوء الأعصاب، فبالرغم من أنني بطبعي هادئ الأعصاب؛ إلا أن التعامل هنا يحتاج إلى أعصاب أكثر هدوءًا، وكذلك حاجة الإنسان إلى من يكون معه في الطريق.
كذلك، استفدت كثيرًا من الناحية الإيمانية، وتبقى الاستفادة الكبرى وهي أن تكون سببًا في هداية شخص إلى هذا الدين، مصداقًا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمر النَّعم».
هل يمكن القول إنكم تعيدون إحياء تجربة الداعية الكويتي عبدالرحمن السميط في نشر الإسلام في إفريقيا؟
كان من الأفضل أن يكون السؤال بغير هذه الصيغة؛ لأن تجربة الشيخ عبدالرحمن السميط بفضل الله لم تمت حتى تتم إعادة إحيائها مرة أخرى، لكن من الممكن القول إنني أحاول أن أسير على خُطاه رحمه الله.
من وحي هذه التجربة، ما الذي ينبغي أن يفعله الشباب العربي؟
في الحقيقة، الشباب العربي المسلم عليه مسؤولية عظيمة؛ فهم قادة البشرية، ولن تصلح البشرية إلا بقيادتهم؛ فعليهم أولًا الرجوع إلى أخلاق الرعيل الأول ثم التشمير عن ساعد الجد والعمل لإعادة أمجاد أمتنا، هذا من الناحية العامة. أما من ناحية العمل الدعوي في إفريقيا فهي تحتاج إلى دعاة أصحاب حكمة في المقام الأول ثم علم في المقام الثاني.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل هناك أمر مهم ألا وهو التبرعات، التي يمكن من خلالها أن يكون أي مسلم في بلده سببًا في هداية آخرين للإسلام، فالمال هو عصب العمل الدعوي في إفريقيا، وذلك عن طريق المؤسسات الدعوية والخيرية المنتشرة في أنحاء الوطن العربي.
____
* المصدر: الوعي الشبابي (بتصرف يسير).