هاني صلاح (خاص بموقع مهارات الدعوة)
بعد عقود من الاضطهاد والتهميش، تحيا أقلية مسلمة في أجواء من الحرية والتمتع بالحقوق المدنية والدينية بإحدى الدول الصاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا، والدولة الوحيدة بالمنطقة التي لم تستعمر من الغرب؛ إنها مملكة تايلاند إحدى دول منظمة آسيان الاقتصادية.
وتسعى تايلاند منذ سنوات إلى توثيق علاقاتها السياسية والاقتصادية بدول العالم الإسلامي خاصةً الخليجية منها، وقد نجحت في الحصول على مقعد مراقب بمنظمة التعاون الإسلامي، وهو ما دفعها للانفتاح على مسلمي البلاد وإعطائها مزيدا من حقوقهم العرقية وحرياتهم الدينية، على الرغم من استمرار بعض المشكلات التي ما زالت عالقة في مناطق المسلمين بجنوب البلاد.
مملكة تايلاند
مملكة تايلاند تحدها من الشرق كل من كمبوديا ولاوس، ومن الغرب بورما، والجنوب ماليزيا. وتبلغ مساحتها نحو 511 ألف كم2، وعدد سكانها حوالي 66.7 مليون نسمة، وعاصمتها بانكوك، وهى مدينة ومقاطعة وميناء في ذات الوقت.
كانت تعرف قبل عام 1932م باسم مملكة (سيام)، وقد أطلق اسم (تايلاند) عليها اعتباراً من عام 1932م، إثر انقلاب مسلح قام به مجموعة من المدنيين والعسكريين.
ويشكل الشعب التايلاندي من عرقيات وأصول مختلفة، ويمكن تمييزها تبعاً للمناطق؛ ففي منطقة الشمال الشرقي أغلبية سكانها من أصول (سيام)، ويشكلون نسبة 75%، وفي المنطقة الشمالية أغلبية سكانها ترجع أصولهم إلى لاوس وخمير.
أما المنطقة الجنوبية فيكثر عدد سكانها من أصول عرق الملايو، وغالبيتهم من المسلمين، ويشكلون نسبة 10%.
وهناك أصول صينية يشكلون نسبة 15%، كما أن هناك جاليات من العرب والهند والفرس وقبيلة شامبا، ويسكنون في مناطق شتى من تايلاند.
مسلمو تايلاند
يشكل الإسلام حضورًا قويا وانتشاراً ملحوظًا في تايلاند، إلا أن معظم مسلمي تايلاند متواجدون في المنطقة الجنوبية في محافظاتها الخمس (فطاني، وجالا، وناراتيوات، وستول، وجزء من سونكلا) ـوتتراوح التقديرات بشأن نسبة مسلمي تايلاند ما بين 5% و10% من تعداد السكان، ويعد الإسلام الثاني في الترتيب بعد البوذية.
وترجع أصول المسلمين إلى العرق الملايوي (80%)، ثم العرق العربي، فالعرق الهندي، كما أن هناك مسلمين من العرق السيامي والصيني.
عملية السلام
من أخطر ما يواجه عملية السلام في المجتمع التايلاندي: مشكلة الصراع السياسي بين الأحزاب بجميع طوائفها وانتماءاتها، ولا يخفى أن إشكالية التعامل مع الصراعات لا تعالج بالعنف، وإنما بتحقيق السلام والعدالة الاجتماعية بين كل الأطراف.
والمتأمل حاليا في أوضاع مسلمي تايلاند، وبخاصة مسلمي جنوب تايلاند، يجد أن الحالة الأمنية في المنطقة غير مستقرة، ولذا رأى بعض وجهاء المسلمين معالجة الأمر بحكمة وروية، واتخذوا بعض الإجراءات السلمية مع الحكومة التايلاندية، في إطار الحوار ومع احترام سيادة وسلامة الأراضي التايلاندية.
الوضع الاقتصادي
والوضع الاقتصادي لمسلمي تايلاند ولا سيما في المنطقة الجنوبية ضعيف مقارنةً ببقية مناطق البلاد، ويعود السبب في ذلك إلى الأوضاع السياسية المتقلبة في المنطقة، وكذا المشكلات الاقتصادية لدولة تايلاند؛ كل ذلك سبّب في تقلب أسعار المحصولات الزراعية التي تؤدي إلى عدم استقرار الوضع الاقتصادي في هذه المنطقة.
وتعتبر الزراعة من أهم المقومات الاقتصادية للمسلمين؛ ويعود السبب في ذلك إلى خصوبة أراضيها، ومناخها الملائم، إضافة إلى توفر مصادر المياه المتمثلة في الأنهار والآبار وغزارة الأمطار؛ ولذا فإن نسبة 80% من المسلمين يزاولون الزراعة ويعملون في حقول صغيرة من المطاط الطبيعي وفي مزارع الأرز.
الحقوق والحريات
يتمتع المسلمون في تايلاند بحرية دينية؛ بناء على المادة (5) من الدستور الصادر عام 2007م الذي ينص على المساواة في الحقوق بين أفراد الشعب التايلاندي بغض النظر عن الانتماء الديني؛ ولذا فإن الدستور لا يمنع المسلمين من تشكيل الأحزاب السياسية، إلا أنهم -وللأسف الشديد- فشلوا في تأسيس حزب سياسي خاص بهم، وانخرطوا في الأحزاب السياسية الوطنية؛ وأجادوا بالوصول إلى المناصب السياسية العليا.
وهناك قوانين خاصة ترعى الإسلام في مملكة تايلاند، والمسؤول الأول للقانون هو ملك مملكة تايلاند، وينوب عنه شيخ الإسلام الذي يدير المجلس الإسلامي في بانكوك.
كما أن الحكومة التايلاندية منحت لهم الحق فعلياً في استعمال قانون الأحوال الشخصية طبقاً للشريعة الإسلامية ولعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية في ولايات جنوب تايلاند.
وكذلك فإن الحكومة التايلاندية الحالية أتاحت للمسلمين المشاركة في الحكم المحلي والوطني، وأعطت لهم الفرصة في ممارسة وظائف عامة كأعضاء مجلس القرى والبلدية، وحثتهم على ترشيح أنفسهم في الانتخابات العامة، والحصول على المناصب الحكومية، وشجعت على ممارسة الحكم المحلي، مثل: وكالة الدائرة، والمحافظة.
وهذا ما أعطى فرصة طيبة للعلماء والدعاة أن يقوموا بواجب الدعوة والتعليم؛ فأنشؤوا المدارس، والمراكز العلمية، والجمعيات الخيرية، ودور الأيتام، وقامت الحركات العلمية والدعوية في غالب مناطق ولايات جنوب تايلاند.
كما استغل العلماء الحاصلون على الدرجات العلمية من جامعات المملكة العربية السعودية وغيرها من الجامعات الإسلامية الأخرى هذه الفرصة، فهيؤوا مجال التعليم العالي لأبناء المسلمين، فقاموا بإنشاء جامعة فطاني، وكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأمير سونكلا بولاية فطاني، وأكاديمية الدراسات العربية بجامعة الأميرة ناراديواتس وغيرها من الكليات.
المؤسسات الإسلامية
يمكن تقسيم التنظيمات والمؤسسات الإسلامية في تايلاند إلى قسمين:
القسم الأول: المؤسسة ذات الطابع الرسمي الحكومي، بمعنى أنها تَلْقى الدعم من قِبل الحكومة التايلاندية، وأن لها موظفين وإداريّين يتقاضون رواتب شهرية أو مكافآت مقطوعة من الحكومة التايلاندية، وهي متمثلة في المجالس الإسلامية في جميع المحافظات التايلاندية.
القسم الثاني: المؤسسات الإسلامية الأهلية غير تابعة للحكومة التايلاندية، وهذا القسم على نوعين:
النوع الأول: المؤسسات الإسلامية التابعة لهيئات خارج تايلاند مثل: جمعية إحياء التراث (مكتب تايلاند) التابعة لدولة الكويت، وجمعية فطاني الخيرية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، والندوة العالمية للشباب، ومؤسسة نداء الخير التي تدعمها مؤسسة الشيخ عيد من دولة قطر، والتنمية البشرية من المملكة العربية السعودية وغيرها من المؤسسات.
النوع الثاني: المؤسسات الأهلية المحلية، مثل: جمعية العلماء المسلمين، وجمعية الشبان، وجمعية الهلال الخيرية.
“الطعام الحلال”
وهناك اهتمام على صعيد تايلاند بالأطعمة الحلال، فهناك مركز خاص في المجلس الإسلامي في بانكوك لمعرفة معايير وجودة أطعمة الحلال، وفيه يصدرون شعار الحلال على الأطعمة.
مساجد المسلمين
تشير الإحصائيات لعدد المساجد المسجلة رسمياً في تايلاند إلى وجود 3381 مسجدا في تايلاند، ومع ذلك فإن هناك بعض القرى بحاجة إلى المساجد حتى تؤدي رسالتها الدعوية.
وهناك جمعيات خيرية في جنوب تايلاند تقوم ببناء المساجد والإشراف، ومن تلك الجمعيات: جمعية فطاني الخيرية، ومؤسسة نداء الخير، وجمعية إحياء التراث، إدارة المساجد والمشاريع الخيرية التابع للمجلس العلمي (براؤول)، وتستقبل تبرعات المسلمين من أنحاء العالم الذين يريدون بناء المساجد في تايلاند.
المدارس الإسلامية
المدارس الإسلامية في جنوب تايلاند متوفرة بشكل يدعو إلى الاعتزاز، وهي مصرحة بل ومدعومة من قبل الحكومة التايلاندية، وخريجوها لهم دور كبير في المجتمع التايلاندي، ويتبؤون المناصب العليا سواء كانت المناصب دينية أو سياسية أو اجتماعية… إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع:
1 ـ موسوعة مقاتل في الصحراء.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Tailand/index.htm
2 ـ موسوعة “إنفو بليز” باللغة الإنجليزية.
http://www.infoplease.com/country/thailand.html
3 ـ د.ساموه لـ”المرصد”: كبرى مشكلات مسلمي تايلاند “الضعف الاقتصادي”! ـ حوار ـ موقع “مرصد الأقليات المسلمة”. http://aqlyat.com/news/396
4 ـ فطاني المسلمة .. المأساة قائمة عبر قرن من الزمان ـ شبكة الألوكة.
http://www.alukah.net/world_muslims/0/544/