من الكتب النافعة والتي موضوعها القرآن الكريم كتاب بعنوان (أثر القرآن في سلوك المجتمع المسلم) لمؤلفه الدكتور عبد القدُّوس بن أسامة السَّامرائي، وهو كتاب صادر عن إدارة البحوث التابعة لدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
موضوع الكتاب
موضوع الكتاب -كما هو واضح من عنوانه- القرآن الكريم وأثره في سلوك المجتمع المسلم، فلا شك أن للقرآن الكريم أثراً كبيراً في توجه المجتمع المسلم وتميزه عن غيره من مجتمعات الإنسانية، ومن هنا سعى الكاتب إلى توضيح هذا الأثر من خلال تتبع أقوال العلماء وأفعالهم في هذا الصدد؛ إذ جاءت صفحات الكتاب مشرقة بشُعُعٍ، تُظهر فهم السابقين في الأمة للقرآن الكريم، وتعاملهم معه ومع أهله، وكيف حولوا الفهم والتعامل إلى منظومة متكاملة في العلم والأخلاق والعمل، وشملت صفحات الكتاب إشراقات مهمة في بابها، ونافعة لمن وعاها، وتدبر آثارها، وأحسن الإفادة منها، ولاسيما في التعامل مع القرآن الكريم، وما يلحق به من المعارف، وحث السلف على تعلم القرآن، وإكرامهم لأهله، وإفاضتهم بجملة من الفوائد، والتجارب التي وقفوا عليها أثناء العناية والرعاية والعيش في ظلال كتاب الله تعالى.
وقد ذكر المؤلف في مقدمة كتابه أن “العلم بكتاب الله عز وجل، والعمل في خدمته من أرفع الأعمال، وأن الله عزَّ وجلَّ لا يمنح هذا الفضل -أي فضل فهم كتابه وتفهيمه- إلا من أراده لذلك، كما قال مجاهد: “أحَبُّ الخلق إلى الله أعلمُهم بما أنزل”؛ لما عليه مآل عالمِهِ من الإيمان، واليقين بموعود الله تعالى، وما يتذوقه من مواطنة الجنَّات، وهو يتفيأ ظلال آيات كتاب الله الوارفات، ولما فيه من الالتحاق بزمرة سيد السادات ومنهجه وسلوكه”.
هدف الكتاب
الغرض الرئيس من وضع هذا الكتاب -بحسب مؤلفه- هو تنبيه القارئ إلى أهمية العلم بكتاب الله فهماً وتدبراً، والعمل به في شؤون الحياة كافة، وتذكير الأمة -فرداً وجماعة- بعظيم المسؤولية تجاه القرآن الكريم، ومحاولة بعث الهمة في أجيال الأمة المتلاحقة المتجددة، التي هي بأمس الحاجة إلى النظر في صفحات آبائها وصنائعهم الخالدة، وإلى كل عبارة وإشارة ترشدهم إلى خيري الدنيا والآخرة، وتبعثهم على حث الخطا بيقين وقناعة وثبات، وتنطلق بهم بلا ريب في طريق الدعوة إلى الله تعالى ودينه الحق، وتصبرهم على مشاق نشره، والدفاع عنه وعن رموزه ومقدساته، ولتمضي الأمة اليوم في تقديم كل غالٍ ونفيس في سبيل ذلك، ولتقف على مناهج السابقين في التعامل مع القرآن العظيم، وتطلع على نِتاج فهمهم لآياته الكريمة، وتتعرف على الكيفية التي استطاعوا بها ومن خلالها الوصول إلى ما وصلوا إليه؛ من الصدق في عهد الله ورسوله، والمصالحة والصَّلاح والإصلاح في ضوء هدى القرآن الكريم قراءة، وفهماً، وتفهيماً، وعملاً بالأحكام، وأثراً في الأرواح والقلوب والأجساد، والفرد والمجتمع، والبناء والحضارة.
وقد ألمع المؤلف في مقدمة كتابه إلى أن كل شعاع من أشعة أولئك الصّادقين ليستحق أن يُستضاء به، ويستفيد منه جيل اليوم، وأن تُتتبّع أقوالهم، وحِكَمهم، ومناهجهم في التعامل مع القرآن، وتُجمع وتُدرس؛ لتظهر آلية فهمهم لكتاب الله وما جاء به، وتنتفع الأمة بتوجيهاتهم التربوية القائمة على أساس الفهم العميق لكتاب الله تعالى، وصحيح سنة رسوله؛ والاتباع الحقيقي بتفعيل أحكامهما على النفس والمجتمع، وليتعرف الجيل على حقائق معانيهما، وإرشاداتهما الشاملة لسائر الخليقة، وتُقعّد على الواقع، ويكون لها دورها الفاعل في إصلاح المنظومة الإنسانية والاجتماعية والفكرية وسائر الشؤون الحياتية، وبهذا كله تتضح معالم الأثر القرآني في سلوك الأمة.
مضمون الكتاب وأقسامه
قسم المؤلف مادة كتابه إلى ثلاثة محاور رئيسة، وضمن كل محور جملة من العناوين، تناول من خلالها موضوعات كتابه. وقد جاءت محاور الكتاب وفق التالي:
المحور الأول: إشراقات في تعامل الأمة مع القرآن الكريم
تناول المؤلف ضمن هذا المحور العناوين الفرعية التالية:
– التمسك بكتاب الله تعالى والتزامه قراءة وتعهداً.
– انبثاق المدارس لتعليم القرآن الكريم، وحُسن تفهيمه.
– تنوع المناهج في فهم القرآن والتعامل معه.
– تهيئة الأجيال وتأهيلها للتعامل مع القرآن الكريم.
المحور الثاني: أثر الفهم الصحيح لتعاليم القرآن الكريم في السلوك العام
تناول المؤلف ضمن هذا المحور العناوين الفرعية التالية:
– الالتزام بما جاء عن النبي، واعتبار الكتاب والسُّنّة المرجع الرئيس في الحياة.
– تقديم النصيحة لأهل القرآن الكريم وعموم المسلمين.
– الاستقامة، وموافقة الظاهر للباطن، وحفظ الأدب مع الخَلْق.
– ملازمة الأُسس الصحيحة التي عليها قِوام العبادات والمعاملات.
– الاستعانة بالصبر على طريق المعرفة وفهم القرآن الكريم.
المحور الثالث: أثر تعاليم القرآن في سلوك الفرد والأسرة والمجتمع
شكل هذا المحور أكثر مادة هذا الكتاب، وقد تناول المؤلف ضمنه العناوين الفرعية التالية:
– اتهام النفس وعدم الركون إليها، وإعمال الحذر منها.
– معرفة علامات السعادة والشقاء، وما يُعد من أعظم الذنوب.
– المحافظة على تذكير قراء القرآن بواجبهم، ومكانة السابقين من أئمة المسلمين.
– تحقق السلوك السوي بناءً على تعاليم كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله.
– الحرص على الدعاء وحُسن الظن بإجابته، والاستغفار للنفس والولد.
– تحقيق العز، ولا سيما لحملة القرآن، والشهادة بفيض نُبلِهم.
– المحافظة على العقل وأفضلية الإيمان ببركة القرآن الكريم.
– ثبوت أجر المتمسك بالحق إذا اتُبعت الأهواء وآثر الناس الدنيا.
– تحريك النفس والهمة في أن نلقى الله تعالى بأحب الصحف المرفوعة إليه.
– تحصيل بشارة من قرأ القرآن الكريم وحافظ على قراءته.
– استحقاق من يؤخذ عنه القرآن المدح والتشجيع، وكذلك المتصدر به.
– تعلم التعامل مع أشد الأعمال.
– ظهور البركة على من عاش في ظلال القرآن وتعاليمه في حياته.
– شفاعة القرآن وعودة بركته على المشتغل به بعد مماته.
– إصلاح منظومة الأسرة حضاريًّا.
– رغبة المجتمع المسلم وسعيه إلى الكسب الحلال، والزهد بما سواه.
– تنمية ثقافة فهم القرآن بلغة القرآن؛ للتأثر بمناهجه التربوية والحضارية والسلوكية.
– ظهور تفاعل أبناء المجتمع من الأعيان مع القرآن وأهله، وتعزز مكانتهما عندهم.
– مكانة أهل القرآن عند الملوك والأمراء والوزراء والدولة.
– الأمل المتجدد بهذه الأمة وأجيالها ومقدراتها.
وعلى العموم، فقد أوضح المؤلف من خلال كتابه هذا أثر القرآن في سلوك الفرد والأسرة والمجتمع من حيث معرفة النفس وتقصيرها، وعدم الركون إليها، وإعمال الحذر منها، ومعرفة علامات السعادة والشقاء، واجتناب ما يعد من أعظم الذنوب، والمحافظة على تذكير قراء القرآن بواجبهم، ومكانة السابقين من أئمة المسلمين، الذين هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم عُلِم الكتاب، وبه علموا، وتحقيق السلوك السوي الذي نُقل عنهم بناءً على تعاليم الكتاب والسنة.
وقد أوصى المؤلف في خاتمة كتابه جيل المجتمع المسلم -الحاضر والمقبل- بما قاله ويقوله أهل البصيرة والحكمة، قال: همتك فاحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، ومن صلحت له همته، وصدق فيها، صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال، ولا شك أن قيمة الإنسان بقدر همته؛ فإن كانت همته الدنيا مفرطاً بالآخرة، فلا قيمة له، ومن كانت همته رضاء الله تعالى، فلا يمكن استدراك غاية قيمته، ولا الوقوف عليها. والزم طريق التزكية فهو طريق التآلف والتعاطف، وضبط الحواس، ومراعاة الأنْفَاس. واستحضر أن صحبة أهل الصلاح، تورث في القلب الصلاح، وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد، وأن أسعد الأصحاب أعظمهم لحرمات الله تعالى رعاية، وألهَجهم بذكر الله عز وجل، وأقومهم بحقِّ الله تبارك اسمه، وأسرعُهم مبادرة في مرضاة الله جل شأنه، وأعرفهم بنقصان نفسه، وأكثرهم تعظيماً لما عظَّم الله من حُرْمة عباده. وأن أفقههم من كان على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
——
المصدر: موقع إسلام ويب (بتصرف يسير).