الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الندوة الإسكندنافية الرابعة تناقش الجودة بالمساجد والمراكز الإسلامية

إبراهيم بالكيلاني (خاص بموقع مهارات الدعوة)

عندما تنتقل المراكز الإسلامية إلى الحديث حول الجودة، فاعلم أن “صدمة” إيجابية في الوعي الإسلامي قادمة؛ فتسيير المراكز الإسلامية وإدارة شؤون الدعوة -على رغم الدعوات والادعاءات- لم يرتق في جانبه الإداري إلى مستويات الأداء الشبيهة له في

جانب من الندوة

هل تكون الندوة بداية وعي جاد؟

مؤسسات المجتمع المدني من نواحي الإتقان والضبط والشفافية والتخصص؛ فالجودة تخترق المجال الدعوي لتنقله إلى مستوى الأداء الفاعل والمنتج وفق رؤية علمية محددة تستخدم الأدوات العلمية في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم.. ولتأخذ لغة الأرقام موقعها كلغة أساسية في الإدارة والتسيير.

فجزيل الشكر لوقف الرسالة الإسكندنافي على هذه المبادرة النوعية من خلال ندوته الإسكندنافية الرابعة التي أقيمت تحت رعاية كريمة من جمعية الرحمة العالمية في الكويت..

الجودة من النقد إلى البناء

جمعت الندوة ثلة من أهل الاختصاص في الشأن الدعوي، وبقدر ما كانت نقدية للحالة الدعوية العامة، كان منهجها متجها من النقد إلى البناء؛ فالنقد الموضوعي المتأسس على الرصد والتقييم هو البوابة الرئيسية التي سينبلج منها أفق التجاوز والتطوير. فلا معنى ولا دور لمؤسسة إذا لم يبادر أصحابها، ويركبون مركب التطوير وفق ما يتطلبه الزمان والمكان. وكما قال د. ناجي العرفج فإن المؤسسة أو الفرد الذي يسعى إلى النجاح والتميّز عليه بالجمع ضرورة بين الإخلاص والاختصاص، وبين الإرادة والإدارة، وبين التطوير والمواكبة، وبين التكامل والتعاون..

ضعف الجانب العاطفي في الخطاب الدعوي

ومما تلبّس به الخطاب الدعوي في المرحلة الأخيرة -كما ذكر الشيخ يوسف الدوس- ضعف الجانب العاطفي في خطاب الأئمة والدعاة؛ فالدين قائم على العاطفة، والجمع بين العقل والعاطفة مطلب ثابت ومقرر، أما الفهم السقيم الذي غابت عنه النظرة الشمولية إلى القرآن والسنة؛ فقد انحرف بقاعدة “الولاء والبراء” إلى أن أصبحت أداة لحجب الخير ومنع فيوضه ليعم ويتجاوز الانتماءات المذهبية والمدرسية والإثنية.. فكم من داعية ومتبرع صُرف عن هذا المركز أو ذاك بحجة التباين في الانتماءات التي كانت منذ بروزها ثروة في الأمة؛ فكيف تتحول الثروة إلى مانع لها؟!.

تحفيظ القرآن بالرسم الإحصائي التصويري

أما الدكتور علي اليعقوب (الكويت) فعرض لطريقة الرسم الإحصائي التصويري في حفظ القرآن الكريم؛ حيث تعتمد على الفهم من خلال الشرح والتفسير أولا، ثم تنشيط الخيال الإلهامي من خلال التركيز على المفردات المتكررة في السورة القرآنية، وتحويلها إلى صورة ذهنية يسهل حفظها وتثبيتها. وهي طريقة جديدة تحتاج إلى مزيد من التوضيح والاستيعاب، وهي مناسبة في تقديرنا لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم في البيئات الغربية، خاصة لدى فئة الشباب.

ضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء

كانت هذه مقدمات لولوج باب الحديث عن ضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء، مع الدكتور عثمان عبدالرحيم -الأمين العام للهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة وتقييم الأدا- الذي أكّد أن الجودة صورة من صور الحكمة والموعظة الحسنة. وتكمن أهمية الجودة في مجال الدعوة في أنها تحمي الدعوة من الدخلاء، وتدفع بقيم الوضوح والشفافية إلى مداها المطلوب في الغرب؛ فلا يمكن حماية الخطاب إلا من خلال مقاييس معتبرة.

وهناك نواقص عديدة جعلت الأنشطة الدعوية محط ريبة وشك وتشكيك، ومنحت فرصة لوسائل الإعلام للتشويه؛ فهناك غياب rللتخصصات الدعوية الدقيقة في المجال الدعوي، فالإمام متعدد القبعات: فهو إمام، وخطيب، ومصلح اجتماعي، ومرشد نفسي، ومعلّم، وقاض، ومسؤول علاقات، وكاتب. فهذه الصورة نقيض الجودة. وإذا تجاوزنا أدوار الإمام إلى صورته المعلومة بمعنى ما هو الإمام المعتمد، وبأية طريقة يتم انتدابه، وما هي شروط تبوئه الإمامة في الغرب. يكاد يجمع أهل الدعوة على غياب سلّم وظيفي واضح، يفصّل في التخصصات الدعوية. وهذا نتيجة إلى أننا اعتمدنا على رؤية تقول بعلم فقه الدعوة، والذي لم يتشكّل كما يذكر د.عثمان. فنحن أمام إدارة الدعوة وهو الذي يجب أن ينصب حوله النظر والجهد. فهناك فراغ إداري كبير في الشأن الدعوي، ويتمثّل في:

  • غياب صورة الإمام المعتمد التي تحدد مهامه ودوره وشروط تولّيه المهمة.
  • غياب دليل ارشادي للمسجد المعتمد.
  • ضبابية وغياب في المحتوى الدعوي.
  • غياب لمؤشرات معتمدة في قياس أداء المساجد.
  • غياب المؤشر الدعوي.
  • غياب رؤية في قياس رضا الناس..

 الشأن الدعوي بالأرقام

وبعد التأطير النظري لفكرة الجودة وأهميتها، يصدمنا الدكتور سعد عوض، بأرقام تصوّر الشأن الدعوي في أحد البلدان العربية.

 ففي استبيان حول أسباب أداء الصلاة في المسجد، نجمل لكم النتائج التالية:

  • 52% من العينة المختارة لا يصلون في المسجد.
  • 59% ممن يصلون في المسجد من الفئة العمرية من 45 سنة وما فوق.
  • 56% منهم مستواهم التعليمي ما فوق الثانوي.
  • 49% يرتادون المساجد لجودة الإمام.
  • 47% ممن يتحدثون عن جودة الإمام هم من الفئة العمرية 35 سنة وما فوق.
  • 43% لا يرتبطون بمسجد محدد.
  • 51% يرتادون المسجد للتنوع وسماع أفكار جديدة.
  • 64% يرون أن خطبة الجمعة مناسبة.
  • 48% يقولون بأن الإمام له تأثير على مستمعيه.
  • 54% ممن تتأثر بالإمام هم من الفئة العمرية ما فوق 45 سنة.
  • 61% يقولون بتكرار الإمام لخطبته.
  • 29% يحسّون بالرتابة والملل.

أما المحتوى العلمي للخطب:

  • 62% يقولون بأن الخطبة طويلة ومملة.
  • 50% يقولون بأن وقت الخطبة لا يناسبهم.
  • 65% يقولون بأنه ليس للخطبة أي تأثير عاطفي عليهم.
  • 49% يقولون بأن مضمون الخطبة متكرر.
  • 52% يقولون بعدم الاستفادة من خطبة الجمعة.
  • 48% يقولون بأن الخطبة تقليدية.
  • 47% يقولون بأن موضوعات الخطبة مستهلكة.
  • 76% يقولون بأن موضوعاتها غير جديدة ولا حديثة.
  • 87% يقولون بأن الخطب لا تتناول قضايا المسلمين والوطن.
  • 90% يقولون بأن الخطب لا تساعد على تثبيت العقيدة.
  • 62% يقولون بأن الخطبة لا تجيب على الأسئلة بأذهان المتلقين.

فهل تكون هذه بداية وعي جاد، يسدّ الثغرات ويبني للأجيال الجديدة ما تحتاجه من وضوح، ولن يتحقّق ذلك حتى يمدّ الجميع أياديهم لبعضهم البعض. فالهدم سهل، وممكن أن يقوم به واحد. ولكن البناء يستحيل على مفرد..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  مدير وقف الأمانة في النرويج.

مواضيع ذات صلة