الشيخ عبد الباري محمد خلة
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد..
فالعزيز في اللغة هو: الغالي، ونفيس القدر، وكريمٌ مصون.
ومن أسماء الله الحسنى: العزيز، قال القرطبي: “العزيز معناه المنيع، الذي لا ينال، ولا يغالب”، وقال ابن كثير: العزيز: الذي عز كل شيء فقهره، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته، وعظمته، وجبروته، وكبريائه.
فالله عزيز لا يُغلب، ولا يُقهر، وهو الذي يعطي الشجاعة والثقة به سبحانه.
ومن أراد أن يكون عزيزًا فليعلم أن العزة هي لله وحده، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فلله العِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، وقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].
ولا بد لمن آمن بالله العزيز أن يعمل بمقتضى هذه الصفة فيعمل بطاعة الله ويبتعد عن معصيته، فكل من اتصل بالله فهو عزيز قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام مهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلَّنَا الله”.
فالعزة تكون بطاعة الله سبحانه، والذلة تكون بمعصيته، قال الإمام الشافعي: “مَنْ لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عِزَّ له”.
ولَمَّا فُتِحَتْ مدائنُ قُبْرُسَ، تَنَحَّى أَبُو الدَّرداءِ وجعل يَبكِي، فَأتَاهُ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبا الدَّرْدَاءِ؟ أَتَبْكِي فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ، وَأَذَلَّ فِيهِ الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ؟ فقال أبو الدرداء: “مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللهِ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى النَّاسِ، لهم المُلكُ حَتَّى تركوا أمرَ اللهِ، فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى”.
ومن صفات المؤمن الداعية إلى ربه أنه عزيز وعزته من عزة ربه قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، واللهُ وَلِيُّ المؤمنين، قال تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
وشرف المؤمن الداعية أن يكون عبدا لله وليا من أوليائه، ولننظر إلى قصة نبي الله موسى -عليه السلام– مع فرعون، حيث كان الأخير جبارا عنيدا ادعى الألوهية وحاول أن يمنع خروج موسي للوجود فأمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل، ظانا أنه العزيز الذي يستطيع أن يعطي ويمنع، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، فولد موسى -عليه السلام-، وتربى في قصر فرعون، وفي بيته، وتحت عينيه، وأخيرا نجى الله موسى وأهلك فرعون لأنه نازع الله في صفة العزة.
واعلم أن العزيز هو من أعزه الله، وأن الذليل هو من أذله الله، قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]
وكلما عظمت الطاعة ازدادت العزة قال الرازي: “وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين، فإنه كلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان وجدان مثله أقل، وكان أشد عزة، وأكمل رفعة”.
ومن دعاء السلف: “اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك”.
واعلم أن من أسباب العزة العفو والتواضع، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله” رواه مسلم.
وهكذا فإن العزة لله جميعا وأن الداعية المؤمن لا بد أن يحصل على هذه الصفة ممن يملكها، ولا يملكها إلا الله الذي يملك كل شيء الغني عن خلقه والمفتقر إليه جميع خلقه؛ فعزة المؤمن من عزة خالقه ومربيه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.