السؤال:
أريد الحقيقة فقط، أريد أن أعلم أين الحق وإلا سأنتحر، أريد حقيقة لماذا أدخل الإسلام؟ وما الشيء الذي عندكم وليس عند المسيح؟
لماذا الدين المسيحي ليس بالصحيح ؟ وكيف أعرف أين الصحيح وأين الخطأ؟ لماذا لا يكون جميع البشر على دين واحد؟ ولماذا الاختلاف؟ لماذا خلق الله البشر الملائكة الشياطين الجنة النار؟ لماذا خلقني الله ؟ كيف أصدق أن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح؟ ما شأن القسيسين والرهبان إلى أين سيذهبون للجنة أو النار؟ هل من يولد مسيحيا محكوم عليه بالنار.. والمسلم للجنة؟ من الله وما هي صفاته؟ ما دام الله موجودا فلم الظلم؟ ولماذا الناس تؤذي بعضها؟
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد..
فنشكر للأخت السائلة بحثها عن الحق، واجتهادها في معرفة الحقيقة. وإن كنا ننبه على خطئها الشديدة في تفكيرها بالانتحار، فإنه لن يعينها على ما تريده من الحقيقة، ولن ينفعها عند لقاء ربها في الآخرة، وبديل ذلك أن تتذكر رحمة الله الواسعة، وأنه سبحانه وتعالى سيهديها للحق الناصع، إن هي جاهدت وثابرت وصدقت وأخلصت في طلب الحق.
ثم اعلمي -وفقك الله- أن دين الله واحد، ومبناه على معرفة الله وتوحيده وإفراده بالعبادة، ونبذ كل ما يعبد من دونه، والاستسلام والانقياد لأمره، فليس لأحد معه حكم، ولا يملك حق التحريم والتحليل إلا هو. ولا يوجد دين على وجه الأرض فيه هذه المعاني غير الإسلام، فاليهود والنصارى ينسبون لله الولد، وكفى بذلك طغيانا وظلما، يقول الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: 30، 31).
فانظري -يرحمك الله- كيف استوى اليهود والنصارى مع الكفار في شركهم وكفرهم، بنسبة الولد لله تعالى، وهذا من أعظم الظلم والكفر، بخلاف المسلمين الذين يعتقدون تفرد الله تعالى بالألوهية والربوبية والكمال المطلق، وأن كل ما السموات والأرض إنما هو عبد لله خلقه من العدم.
قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا*إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا} (مريم: 88-93).
ولم يكتف اليهود والنصارى بذلك حتى جمعوا معه اتخاذ علمائهم وعبادهم أربابا من دون الله، يحلون لهم ما حرم الله، ويحرمون عليهم ما أحل الله، ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها. فجاء الله بالإسلام ليهديهم صراطا مستقيما، ويبين لهم طريقا قويما، ويقيم عليهم بذلك الحجة، ويوضح لهم المحجة. كما قال عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (المائدة: 15، 16)، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة: 19).
فما جاء الإسلام لأهل الكتاب إلا بالكلمة السواء التي تتفق عليها العقول المستقيمة والفطر السليمة. كما قال سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران : 64).
وهذه الكلمة هي التي اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، ولم يخالفها إلا المعاندون والضالون، ليست مختصة بأحدنا دون الآخر، بل مشتركة بيننا وبينكم، وهذا من العدل في المقال والإنصاف في الجدال، ثم فسرها بقوله (ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا). فمن رحمة الله بأهل الكتاب أن أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، كما قال تبارك وتعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (البينة: 1-3}.
فلم يكن أهل الكتاب منفكين عن كفرهم وضلالهم الذي هم عليه، أي لا يزالون في غيهم وضلالهم، لا يزيدهم مرور السنين إلا كفرا (حتى تأتيهم البينة) الواضحة والبرهان الساطع، ثم فسر تلك البينة فقال: (رسول من الله) أي: أرسله الله، يدعو الناس إلى الحق، وأنزل عليه كتابا يتلوه، ليعلم الناس الحكمة ويزكيهم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ولهذا قال: (يتلو صحفا مطهرة) أي: محفوظة.
ثم إنه من أصول الإسلام أن أتباعه يؤمنون ويعظمون جميع الأنبياء والرسل، ويحكمون بكفر من جحد ولو نبوة نبي واحد، فهم يؤمنون بأن عيسى عبد الله ورسوله كغيره من الأنبياء: نوح وإبراهيم وموسى وخاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 150-152)، وقال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة : 285).
أما اليهود فيجحدون نبوة عيسى ومحمد، وأما النصارى فيجحدون نبوة محمد. فاستحق الفريقان بذلك الحكم السابق، فنحن إذاً عندنا الإيمان بالله وحده وبجميع أنبيائه ورسله.
فأعظم الفروق بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية، في قضية الإيمان بالرسل، وقبل ذلك في قضية التوحيد، فإنه لا يوجد ملة على وجه الأرض تعرف الله تعالى وتوحده وتمجده وتثني عليه بما هو أهله، وتثبت له جميع صفات الكمال وتنزهه عن كافة صفات النقص إلا الإسلام، وهذا مدخل للجواب على قول السائلة: من الله وما صفاته؟ فنحن –المسلمين- نقول في جواب ذلك أوجز العبارات وأسهلها، فنتلو سورة قصيرة من كتاب ربنا تبارك وتعالى فنقول: {قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص).
فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. {الله الصمد} أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي كمل في رحمته الذي وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه {لم يلد ولم يولد} لكمال غناه {ولم يكن له كفوا أحد} لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.
الطريق إلى الدين الصحيح
أما سؤالك عن كيفية معرفة الصواب، وهل الإسلام هو الدين الصحيح أم النصرانية؟ فيكفي أن ترجعي إلى القرآن، وإلى الكتاب المقدس عند النصارى، وتقارني بينهما، فإن هذا سيؤدي قطعا مع البحث الجاد والقراءة المتأنية إلى معرفة الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، فإن من نظر في الأناجيل الأربعة المشهورة وجد كثيرا من الاختلافات الجوهرية والأغلاط التي يستحيل معها أن يكون هذا الموجود بين أيديهم موحى به من عند الله.
وقد بين العلامة رحمة الله الهندي في كتابه “إظهار الحق” وجود 125 اختلافا وتناقضا في كتابهم المقدس، ووجود 110 من الأغلاط التي لا تصح بحال، ووجود 45 شاهدا على التحريف اللفظي بالزيادة، وعشرين شاهدا على التحريف اللفظي بالنقصان، هذا مع ما في الكتاب المقدس عند النصارى من نسبة العظائم والقبائح التي ينزهون عنها قساوستهم إلى أنبياء الله ورسله الكرام كالزنا وشرب الخمر. ناهيك عن كون الأناجيل لم تكتب في حياة المسيح ولا قريبا منه، وليس لها سند يمكن الاعتماد عليه.
وأما القرآن فقد تحدى من قديم أن يقدر الإنس والجن ولو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله.
كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88).
وتحداهم على الإتيان ولو بسورة واحدة من سور القرآن بعد أن صرح بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون له مصدر غير الله الخلاق العليم، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (يونس: 37، 38).
ورغم ذلك لم يستطع العرب وهم أرباب البيان والفصاحة، وكذلك كل الأمم من بعدهم إلى يومنا هذا. وهذا بلا شك من أعظم الحجج على أن القرآن كلام الله.
ومن الدلائل الواضحة أيضا على صدق القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيب الذي لا يعلمه الخلق، ولا يمكنهم افتراؤه، وما فيه من الإعجاز العلمي الذي لم يكتشف إلا مؤخرا، كأطوار الجنين في بطن أمه، ووجود الحاجز المائي بين العذب والمالح في البحر، وهذا موضوع يستحق الاهتمام ويأخذ بالقلب للإيمان، بإقامة الحجة والبرهان، وهناك من الكتب والمواقع ما يفصل هذه المسائل تفصيلا شافيا.
ومن معالم الحق الواضحة والقاضية بصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأحقية الإسلام، وجود البشارات الواضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل رغم تحريفهما والمحاولة الحثيثة لإخفاء ذلك.
وإننا نهيب بالسائلة ألا تملَّ من البحث، وأن تزيد من الجهد، حتى يهديها الله تعالى إلى صراطه المستقيم، فإن هذا الأمر أمر عظيم، يترتب عليه إما نجاة وإما هلاك، إما خلود في الجنة وإما خلود في النار. فإن الإنسان لو لقي الله بكل ذنب غير الشرك والكفر فيمكن أن يغفره الله ولن يخلد في النار، أما الشرك والكفر فهذا موجب للخلود في النار، وبهذا تعلمين مصير الرهبان والقسيسين الذين ماتوا على الكفر. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (التوبة: 34، 35).
وكذلك من وُلد على ملة شركية كالنصرانية، ثم بلغ الحلم وسمع بالإسلام ونبي الإسلام، ثم قصَّر ولم يبحث عن الحق حتى مات مشركا بالله العظيم، فمصيره إلى النار والعياذ بالله. فإنه اعتقد ما لا تقبله فطرة ولا يتصوره عقل، ويكفي مثالا لذلك: عقيدة التثليث والصلب والفداء، فإنها تدعو على نفسها بالبطلان وعلى صاحبها بالخسران.
الغاية من الخلق
أما السؤال عن الغاية من الخلق، وعن سبب وجود الظلم والإيذاء برغم وجود الله تعالى؟ فهذه قضية في غاية الأهمية، وفهمها يفتح الطريق للمعاملة الصحيحة مع الكون من حولنا، فالله تعالى خلقنا لنعبده، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).
وهذه العبودية إنما تستخرج بما يعرف بالامتحان والاختبار، وهو ما يسمى في شريعة الإسلام بالابتلاء، كما قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ليبلوكم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك: 2)، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 2، 3)، وقال عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (آل عمران: 179)، وهذا يكون بطريقين؛ إما بالأحكام الشرعية التي هي الأوامر والنواهي، وإما بالأحكام القدرية، سواء ما نكره منها كالمصائب والشدائد، أو ما نحب كالأموال والأولاد، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء: 35}
فالنوع الأول يظهر به الطائع من العاصي، والنوع الثاني يظهر به الشاكر الصابر من الجحود الجزوع. ومبنى ذلك على إيثار مراد الله ومرضاته على هوى النفوس وشهواتها، فإن الأحكام الشرعية والقدرية تأتي في كثير من الأحوال على خلاف هذا الهوى، فمن آثر طاعة الله انتفع في الدنيا والآخرة، وإلا خسر فيهما جميعا. ومن شكر الله على نعمه زاده الله خيرا، ومن صبر ورضي بقضائه وقدره أحسن عاقبته في الدارين، ومن سخط باء بالخسران فيهما، وبهذه الطريقة تستخرج عبودية الله من الناس، بحيث يدور العبد بين فعل المأمور وترك المحظور، وبين شكر لله على السراء وصبر لله على الضراء. فمن فعل ذلك أفلح كل الفلاح، وتكون عاقبته دائما إلى خير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم.
وبناء على هذا الابتلاء والامتحان انقسم الناس إلى قسمين، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} {النازعات: 37-41).
وهذا يوضح للسائلة استفسارها عن سبب الاختلاف بين الناس، بحسب إقبالهم على طاعة خالقهم ورازقهم، وإيثارهم لمرضاته على هوى النفوس وشهواتها.
والظلم الذي يقع على البشر هو من جملة الابتلاء، وإن لم يحصل فيه فصل القضاء في الدنيا فسيقضى فيه في الآخرة، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم: 42).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”. ثم قرأ {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} رواه البخاري ومسلم..
وننصح الأخت السائلة ـ وفقها الله ـ بقراءة كتاب (إظهار الحق) لرحمة الله الهندي. وكتاب (الإسلام يتحدى) لوحيد الدين خان.
ونسأل الله العظيم أن يشرح صدرك للحق الذي يرضيه، وأن يهديك إلى صراطه المستقيم. اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والله أعلم.
—-
موقع إسلام ويب (بتصرف)