الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

أين ثقافة العمل التطوعي يرحمكم الله؟

كمال عبد المنعم  خليل

أقامت مجموعة من الطلبة والطالبات في اليابان أسبوعا للعمل التطوعي دون أجر.. نظفوا الحي الذي يحيط بالجامعة وجمع القمامة.. دون مقابل مادي، مشهد شباب كليات الطب 118984_2010_08_09_13_56_17والهندسة وهم يعملون يمسكون بالمكانس الخشبية ويعملون بجد واجتهاد كان دالا على استيعابهم دورهم في خدمة مجتمعهم.

ترى ماذا عن ثقافة العمل التطوعي في بلادنا التي تحتاج إلى مثل هذه الأعمال في كثير من المجالات؟ الحقيقة أن مثل هذه الأعمال التطوعية تنفذ على نطاق ضيق في بعض الجامعات والمدارس وترصد لها الميزانيات الضخمة والهدايا المكلفة التي تجعل الاستغناء عنها أفضل من تنفيذها.

إن الطلبة في اليابان قاموا بتنفيذ هذه الأعمال من منطلق الحب العميق لبلدهم والحرص على أن تبدو في أجمل وأبهى صورة لأهلها ولكل زائر لها، أو لكل من تقع عيناه على أحد شوارعها، بينما ديننا الإسلامي الحنيف يحث دائما على التعاون على البر والتقوى في كل مجال، قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة: 2)، وكلمة التطوع لها أصل في ديننا الإسلامي؛ فما من عبادة مفروضة إلا ولها ما يعادلها من تطوع من تلك العبادة نفسها؛ كما أن التطوع بوجه عام من أعمال الخير التي يعود نفعها على المتطوع نفسه قبل أن يعود النفع على الغير؛ قال الله تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له} (البقرة: 184)؛ وقد روى الطبراني والبيهقي وابن حبان من حديث جابر بن عبد الله -رضى الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “خير الناس أنفعهم للناس”، ولا يمكن تصنيف أعمال التطوع في الخير إلا أنها من أعمال النفع العام.

نحن لا ننكر ما تقوم به جهات عديدة من أعمال خيرية تطوعية على مستوى البلد الواحد، أو على مستوى العالم كله؛ لتطعم الجوعى؛ وتداوى المرضى، وتعلم من يحتاج التعليم، وذلك في كثير من أماكن العالم التي تحتاج إلى مثل هذه المساعدات؛ إلا أننا نريد المزيد في الداخل والخارج؛ ومن لا يستطيع العمل بنفسه فليمد يد العون بالرأي والمال من أجل الاستمرار في تلك الأعمال التي تحتاج إلى الكثير من الجهود المتواصلة والمتكاملة.

إن انتشار فكر العمل التطوعي يزرع في الإنسان الإيجابية الذاتية التي تجعله لا يتردد في إصلاح ما يمكن أن يكون في يده إصلاحه بعيدا عن السلبية التي لا تنشر إلا كل سوء؛ ولا تؤدي بالمجتمعات إلا إلى التأخر والتخلف بعيدا عن ركب التقدم والازدهار.

إننا نفخر على الدوام بالكثير من المؤسسات التي تقوم على أساس العمل التطوعي؛ والتي ساهمت في تخفيف الآلام عمن مرت بهم الأزمات؛ وتعرضوا للنكبات؛ في سائر جنبات عالمنا الإسلامي؛ وما أريده من تلك المؤسسات نشر الوعي الثقافي بشأن العمل التطوعي؛ وحبذا لو استجابت المؤسسات التعليمية وسمحت بنشر هذه الثقافة في كل المراحل التعليمية في بلدان عالمنا الإسلامي.

إننا إذ نذكر هذا المشهد الياباني؛ لا ننكر ولا نقلل بحال من الأحوال ما يفعله شبابنا من حرص على الخير بحب وبدافع عقائدي؛ من منطلق تعاليم ديننا الإسلامي والرغبة في تحصيل الجزاء الأوفى من الله تبارك وتعالى؛ ولكن.. نذكر ذلك لإيقاظ الهمم؛ وتنشيط العزائم؛ من باب المسارعة إلى الخيرات؛ وحب الطاعات؛ وتقديم القربات؛ التي هي من أخص صفات عباد الله المؤمنين؛ بل هي من صفات الأنبياء والمرسلين؛ قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 90).

ــــــــ

المصدر: الوعي الشبابي.

مواضيع ذات صلة