الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

نحو إستراتيجية لتنمية القيم

د. ماجد بن سالم حميد الغامدي

رغم أنَّ مناهجنا تَعجُّ بالقيم والمبادئ المتنوعة والمتعددة التي أثبتت الدراساتُ توافرها في هذه المناهج، فإن هذه القيم مع الأسف كأنَّما تمَّ دمجُها وإعدادها لكي تُقرأ نظريًّا كما تُقرأ القطعة من النَّثر أو القصيدة!

القيم

نحتاج إستراتيجية متكاملة لبناء القيم

ومع ذلك يسمع الطالب بعضَ ما يدعوه للقيمة وامتثالِها، ويتطرَّق بعض المعلِّمين لتطبيق شيء من الأنشطة المصاحِبة للدرس وفيها بعض الإشارات إلى القيم، ولا يمكن إنكار الجهود أيًّا كانت ومن أيِّ شخص أو جِهة في سبيل تنمية القيَم.

ولكن ما زالت الحاجة ماسَّة جدًّا لإيجاد إستراتيجية متكاملة مترابطةٍ لتنمية القيمة أو مجموعة من القيَم المحدَّدة لدى المتعلمين؛ وهذه هي الحلقة المفقودة على مستوى الدِّراسات التجريبية والتطوير الخاص بالمناهج، والواقع الذي تعيشه المدرسة.

وبعيدًا عن التنظير الطويل والكتابة المملَّة التي يكرِّرها أهلُ التربية عن الإستراتيجية؛ تعريفها ومنطلقاتها، ومكوناتها ومتطلباتها… إلخ، سوف أدخل مباشرة في اقتراح إستراتيجية ممكنةِ التطبيق لتنمية قيَم محدَّدة، لفئة عمريَّة محدَّدة، من خلال المواصفات والإجراءات التالية، ويمكن أن يثبتها البحثُ العلمي التجريبي ويطوِّرها.

ملاحظة: (هذه الإستراتيجية ذات وقت طويل، لا يمكن أن تتمَّ في أقل من نصف العام الدراسي).

أولًا: مواصفات إستراتيجية القيم للتطبيق والبحث:

1- امتثال منهج القرآن والسنَّة في تنمية القيم.

2- التكرار للقيمة وجوانبها.

3- التوسُّع والعمق المعرفي للقيمة “ربطها بالحياة”.

4- القناعة بالقيمة.

5- المرونة.

6- تطبيقات مستمرَّة للقيمة على حساب الجوانب المعرفية.

7- مجاراة الإعلام والدعاية أثناء التطبيق للقيم.

8- العروض المرئية المكثَّفة.

9- الخبرة المباشرة “الزيارات الخارجية”.

ثانيًا: خطوات وإجراءات الإستراتيجية المقترحة:

1- تحديد مَنظومة القيم المقترحة وفق معيار القيمة المحورية السابق ومناسبتها للفئة العمرية.

2- التكرار حتى القناعة بالقيمة بكلِّ الإمكانات المتاحة، وفي كل الأوقات، وبكل وسائل التقنية والتواصل.

3- عرض السلبيات والإيجابيات المتعلقة بترك أو تطبيق القيمة.

4- تنفيذ الزيارات الميدانية الممكنة.

وبعد هذا الاختصار في المواصفات والإجراءات المتعلِّقة بالقيمة سوف أعرض الآن مثالًا تطبيقيًّا للمعلِّمين، وبعدها أقترح عددًا من العناوين البحثيَّة التي يمكن أن تسهِم في دراسة إستراتيجية تطبيقية لتنمية القيم:

1- يبدأ المعلِّم بتحديد عدد من القيَم لطلاب الصف “المحدد”.

ولتكن مثلًا: (الصدق- تحمُّل المسؤولية- الأمانة).

2- يعالج المعلِّم هذه القيم في ضوء القرآن والسنَّة؛ وبهذا سوف يجتاز إشكاليَّة الاقتناع بالقيمة؛ لأنَّ نصوص الوحيينِ أثبتتِ الدَّليل القاطع على ثبوت ووجوب القيمة المحدَّدة، وعليه أن يعرض بعض الأدلَّةِ على كل قيمة، ويكرِّرها كل حصَّة أو محاضرة حتى تصبح راسخة المعنى والحفظ كالاسم؛ وهذا أسلوب الإعلام في ممارسة الدعاية لمنتج من المنتجات!

3- العرض المرئي والمسموع لإيجابيات امتثال القيمة وسلبيَّات تركها وما يتعلَّق بها من جوانب؛ مثل: (عرض قصَّة، أو حلقة تمثيل لشخصٍ صادق، وكيف انتفع بالصِّدق، ومثلها لعاقبة الكاذب)، وفي جانب العبادة وفي جانب العمل والاقتصاد… إلخ، ويحتاج أن يكون لدى المعلِّم في تخطيطه بنك ثريٌّ بما يتعلَّق بالقيم المحددة؛ ليضمن التنوُّعَ والمرونة؛ لضمان توجيه كل مَعرفة ومهارة في ضوء هذه القيمة. ولا ينس التكرار عرضًا وسماعًا من المتعلمين كلَّما أمكنه ذلك.

4- تطبيق الخبرة والزيارات الميدانيَّة لترسيخ القيمة؛ فلو كان الهدف ترسيخ قيمة الصِّدق مثلًا بعد العروض المقدَّمة، فيمكنه مثلًا زيارة أحد العلماء والدعاة أو استضافته ليرسخ مفهوم هذه القيمة، وكيف تؤثِّر في الشخصيَّة، ثمَّ يقوم مع المتعلِّمين بزيارة مسؤول في الشرطة أو في دور السِّجن؛ ليركِّز على القيَم المستهدفة وأهميَّتها وخطورة إهمالها… إلخ.

ولا ينس عنصر التكرار كلَّما أُتيحت الفرص.

5- تقويم القيمة؛ بحيث يكون تقويمًا تكوينيًّا مصاحبًا للتعلم، فلا يقتصر على التقويم النِّهائي البَعْديِّ؛ لأنَّه لا يفيد القيم، ويجب أن يكون تقييم القيمة بقياس السُّلوك اليومي من قِبَل المختص ليَعرف مدى انعكاس القيمة على السلوك، حتى لو بالتعاون مع الأسرة أو المرشد…

وليكتمل عقد هذه الإستراتيجية سوف أقترِح وأُهدي هذه العناوين البحثية للباحثين، التي يمكن أن تسهِم في إكمال النَّقص الظاهر في تطبيق إستراتيجية خاصَّة بتنمية قيم محددة، ومنها:

1- بناء إستراتيجية مقترحة لتنمية القيم لدى المتعلمين، قائمة على أساليب الكتاب والسنَّة في ترسيخ القيم السامية.

2- بناء إستراتيجية مقترحة لتنمية القيَم لدى المتعلمين، قائمة على الأساليب الإعلامية في الدعاية.

3- أثر التكرار لجوانب القيَم في انعكاسها على سلوك المتعلمين.

ومن المشروعات التي أقترحها على المؤسَّسات المهتمَّة بالإنتاج والتصميم الخاص بوسائل التعليم ما يلي:

1- بناء برنامج إلكتروني مَوسوعي خاص بغَرس القيم يمكن تسميته “قيمي”، يُصمَّم وفق خصائص احترافية، متنوِّع العروض والمسرحيات والبرامج المتلفزة، يتناسب مع الفئات العمريَّة المختلفة.

2- توجه المؤسَّسات السياحية والترفيهية للشراكة مع مؤسسات التعليم والمدارس لتنفيذ زيارات مجدولة طيلة العام الدراسي لترسيخ القيم المحدَّدة.

3- إجبار مؤسَّسات الإعلام والدعاية بتبنِّي قيَم الدِّين والمجتمع والأخلاق؛ ليكون لها نصيب مِن المعروض اليومي في الشاشات أمام النَّاس كتوجُّه وطني عام.

_____

* المصدر: الألوكة.

مواضيع ذات صلة