د. ياسر عبد التواب
حسن الإنصات -أخي الكريم- يلبِّي حاجةً مهمة لمن يحيطون بالداعية، ألا وهي تطلُّعهم إلى من يستمع إليهم وينصت لمشكلاتهم ويخفف همومهم ويفرح لفرحهم ويرشد سلوكهم.
فحسن الإنصات يحمل في طيَّاته رسالةً قلبيَّة تعبِّر عن الاحترام والتقدير والمحبَّة للمتحدِّث، وهذا بدوره يمدُّ جسور المودَّة والألفة بين القلوب ويعمّق المحبَّة بينها.
عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان أشد قريش حلما. قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد، يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه، فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضها، ويكف عنا؟
قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فيما قال له عتبة، وفيما عرض عليه من المال، والملك، وغير ذلك.
حتى إذا فرغ عتبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فأستمع مني. قال أفعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت” 1-3)
فلما سمعها عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة، فسجد فيها ثم قال: سمعت يا أبا الوليد؟ قال: سمعت قال: أنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس
إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: والله إني قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، والله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ”.
فهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم ينصت لذلك الكافر بالرغم من رفضه لقوله وانتظر –بأبي هو وأمي – حتى فرغ من كلامه ليتسنى له أن يسمعه بعد ذلك ما يشاء وليغير رأيه في ذلك الدين، وعلى الدرب سار في حياته هو والمخلصون من الدعاة يسمعون وينصتون وينصحون ويصفون العلاج للصغير والكبير وللذكر والأنثى وللعظيم وللوضيع وللمؤمن والكافر وهذا الأمر منتشر وظاهر لكل متأمل. وقد نزلت الإشارة لذلك في القرآن الكريم قال تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} (التوبة: 61)، وقال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ} (المجادلة: 1).
ويضرب لنا أحد الصالحين المثل والقدوة في حسن الإنصات للآخرين والعناية بخطابهم، بغضِّ النظر عن محتواه فيقول: “إنَّ الرجل ليحدّثني بالحديث فأنصت له كأنِّي لم أكن سمعته، وقد سمعته قبل أن يولد، فأريه كأنِّي إنَّما سمعته الآن منه”.
الإنصات تواضع وحسن خلق ومهارة ومشاركة.
حري بالداعية الناجح أن يتصف بها.
———–
* المصدر: موقع الأمة.