محمد صديق
مع مطالعة الأخبار يوميا وقعت عيناي على خبر يفيد بأن منتج الفلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام قد زار مكة حاجا معلنا إسلامه،
متعهدا بإنتاج فيلم يبرز من خلاله أخلاق الرسول والقيم التي يدعو الإسلام إليها.
الحقيقة أني تفاجأت بإسلامه وخصوصا مع العلم بانتمائه إلى حزب يمين متطرف، وهذا يدعو إلى القول بأن إسلامه كان نتيجة مخاض طويل وصراع طويل مع الأفكار التي آمن بها والمبادئ التي أخلص لأجلها، وهذا ما دعاني إلى طرح كثير من التساؤلات عن ظروف إنتاجه للفيلم وظروف إسلامه وحجه ووقوفه أمام النبي عليه الصلاة والسلام باكيا ونادما.
ولا بد من استحضار الضجة الإعلامية التي شكلها طرح الفيلم في الإعلام، وخروج الآلاف بمظاهرات مطالبة بمعاقبته والدعوة التي خرجت من أروقة الأمم المتحدة المطالبة بسن قوانين تحد من الإساءة للأديان.. لكن قبل كل هذا الاستحضار يبرز سؤال ملح: ما هو السبب الذي يقبع وراء إنتاج الفيلم؟
ربما يعزي بعضهم هذا التصرف إلى الجهل البسيط والمركب في الذهنية الغربية بشكل عام والذهنية اليمنية المتطرفة بشكل خاص عن الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، فالجهل هو عدو الإنسان كما يقال.. وربما كان المخرج جاهلا بقيمة الإسلام وبنظامه الأخلاقي ودعوته إلى إقامة المجتمع الإنساني دون أي تفريق، لكن في المقابل تبرز الإساءة من قبل بعض المنتسبين إلى الفكرة وسوء سلوكهم إلى الفكرة ذاتها كما تُحَوِّل هذه الإساءة الجهل والصورة المغلوطة لدى الآخرين بالفكرة إلى “يقين”؛ وهو ما يحول بينه وبين إدراك الأمر على حقيقته..
وسائل الاتصال السريعة مكّنت الغرب من سماع خطاب المسلمين اليوم المتكون من أفعالهم وصورتهم السياسية والحضارية، إضافة إلى خطابهم المسموع المكون من ألفاظ وجمل. والجهلُ بحقيقة الإسلام والفرق بينه وبين أفعال بعض المسلمين جعلت الصورة الذهنية لدى الغربي عن الإسلام صورة متناقضة مشوشة، وجعلت سلوكه المنبني على هذه الصورة مزيجا من الخوف والكراهية، وكان رد فعله على هذا الخطاب مليئا بالكراهية والتحريض عليه –طبعا لا ننكر أن بعض خطابات المسلمين الإصلاحيين بدأت بتغيير الصور الذهنية لدى الغرب، كما لا ننكر أن بعض وسائل الإعلام الغربي تخترع من عند أنفسها خطابا مشوه الأصل غير موجود واقعيا– ومع تكرر العمليات الخطابية وردودها ينتج في المحصلة خطاب فعلي ولفظي يدعي منتجوه أنه ينتسب إلى الإسلام، ولكن أثناء تحليله وتشريح مفرداته ومقاصده يظهر البعد بينه وبين مقاصد الإسلام العامة التي جاء من أجل تحقيقها.
وعلى هذا، فالفلم الهولندي ومخرجه هو –حسب رأيي- نتيجة فشل في عدم إيجاد مرسل يتقن فن كتابة الرسائل وإرسالها إلى الآخر المختلف، وعلى فرض وجود رسالة جيدة ومرسل جيد فإن العمليات النفسية قد تمنع من استقبالها أو الارتياح إليها نتيجة وجود رسالة مسبقة الإرسال مشوهة المعالم، ولا بد لتغيير القناعات المسبقة والمفاهيم المعلبة سابقا من جهد نفسي كبير ومخاضات عسيرة طويلة إلى أن تنتهي بإعلان الحقيقة، وهذا جهد قد لا يستطيعه الكثيرون.
ويحق للمتابع للشأن الإسلامي في الغرب أن يتساءل عن مدى وجود مختصين بفنون الخطاب والإرسال والتواصل وفنون انتقاء الكلمات والألفاظ المضمنة في الرسالة.. ذلك أنه يجب أن نحدث كل قوم بما يعقلون ويفهمون حتى لا يُكذّب الله ورسوله.
وقبل أن تسأل المسيئين للإسلام عن إساءتهم.. اسأل المسلمين عن تقصيرهم..
—-
المصدر: موقع إسلام أون لاين.