د. رمضان فوزي بديني (خاص موقع مهارات الدعوة)
الإخلاص.. هو أحد جناحي القبول والرقي إلى الله، وبدون الإخلاص والاتباع يحبط العمل ويرد في وجه صاحبه؛ بل وربما يكون من علامات هذا الرد عدم البركة فيه في الدنيا، وضعف أثره.
فإذا كان الأمر هكذا في كل الأعمال فهو أحق أن يراعى في أشرف هذه الأعمال وأفضلها وهو الدعوة إلى الله تعالى والأخذ بيد الناس إلى طريق القبول والهداية بجناحيه (الإخلاص والاتباع)؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، والداعية المفرط في الإخلاص لن تتيسر أمامه طرق دعوة الناس إليه.
وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الإخلاص وتحذر من الرياء والشرك؛ كقوله تعالى في آيتين متقاربتين في سورة الزمر: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
وجعل الله تعالى الإخلاص من صفات سادة الدعاة وهم رسله وأنبياؤه، كما قال تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا}، وجعل الإخلاص أحد أسباب نجاة نبيه يوف عليه السلام من الفتن؛ حيث قال تعالى: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، وأمر خاتم أنبيائه ورسله عليه السلام أن يعلن إخلاصه للناس فقال له: { قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي}.
وربما يكون الداعية أحوج من غيره إلى مراقبة نيته وضبط بوصلتها لما يتعرض له من فتن الانتشار وسط الناس، وتأثرهم به، وتتبعهم سيرته وأحاديثه، وتنوع وسائل الشيطان في إيقاعه في حبائله التي لا تنتهي وعلى رأسها الرياء وابتغاء غير وجه الله في أعماله.
وإذا كان الداعية أحوج ما يكون إلى الإخلاص فإن هذه الحاجة تزداد في هذا الزمان الذي أصبحت فيه وسائل الشهرة والتصدر كثيرة، بتقدم وسائل التواصل والإعلام؛ التي هي وسائل دعوية مهمة، وفي الوقت نفسه سبب لانحراف نية الداعية إن لم يحرص على مراقبتها ومجاهدة نفسه أكثر، والحذر من شياطين الإنس والجن.
آثار الإخلاص
وفيما يلي بعض آثار الإخلاص على عمل الداعية:
الإخلاص سبب لقبول العمل وتحصيل أجره من الله تعالى؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه”.
الإخلاص سبب في بركة العمل في الدنيا وظهور ثمرته سريعا.
الإخلاص سبب لتقبل الناس للداعية؛ حيث يفتح الله أمامه القلوب قبل العقول.
الداعية المخلص يحرص على أن يصدع بكلمة الحق دون مواربة أو تفريط أو تشويه من أجل إرضاء الناس.
الداعية المخلص أكثر تركيزا في تطوير وسائل دعوته ومناهجها من غيره المنشغل بتتبع ما يرضي الناس ويجعله موضع ثناء منهم.
الداعية المخلص أكثر راحة بال وهدوء ضمير واطمئنان نفس من غيره المتطلع لثناء الناس كلهم مع تنوع مشاربهم وأذواقهم، وهو ما يستحيل إرضاؤهم جميعا، قال تعالى: { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً}.
الإخلاص تظهر آثاره ومظاهره على صاحبه؛ فيكون تأثيره في الناس أسرع؛ فيجمع بذلك في دعوته إلى الإخلاص بين لسان الحال ولسان المقال.
الداعية المخلص يكون عصيا على الشيطان أن يغويه والشهوات أن توقفه أو تعوقه عن طريقه؛ ذلك أنه يرجو الثواب والأجر من الله تعالى؛ فيتحمل في سبيل ذلك المصاعب والمشاق.
الإخلاص سبب لتقوية المؤسسات الدعوية الجماعية؛ فاتحاد النية لله تعالى طريق لاتحاد المناهج والأهداف والوسائل، وقبل كل ذلك اتحاد القلوب.
الداعية الذي استطاع مجاهدة نفسه لتحقق الإخلاص يكون قد ملك زمامها وأحسن قيادها؛ فتسلس له بعد ذلك فيما دون ذلك من العوائق والمصدات الدعوية؛ مثل الفتور والركون إلى الدعة والراحة… إلخ.
إن الداعية الفطن هو الذي يحرص على ألا تذهب حياته سدى، وتضيع أعماله هباء، فيكون ممن قال الله تعالى فيهم {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.