القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الإرهاب.. تفجير الدين بالفكر الناسف!

حازم علي ماهر

حزام ناسف

أحد الأدوات التي يستخدمها الإرهابيون

مع تزايد إرهاب الجماعات المسلحة ضد الأبرياء من جنسيات وديانات شتى تحت مظلة –وشعارات- الإسلام زورا وبهتانا.. تحول الاتجاه في الآونة الأخيرة إلى ارتكاب عمليات إجرامية تستهدف المسلمين الأبرياء العزل الذين لم يرتكبوا جريمة يحاسبون عليها، بل إنه قد وصل الحال إلى تفجير المساجد –في عدة دول عربية- بمن فيها من المصلين الذين جاءوا ليحتموا بربهم من الدنيا وسطوتها وزخرفها.

ثم زاد الأمر خسة ووضاعة بأن يحدث مثل ذلك في شهر الأمن والسلام.. شهر رمضان الكريم، الذي يصوم المسلم فيه عن بعض الحلال ناهيك عن كل الحرام.. فإذا بأهل الغدر يقتحمون على المصلين الصائمين المساجد التي نهى سبحانه عن مجرد رفع الصوت فيها، فما بالنا بمن يفجر فيها عبوات ناسفة، صوتها يصم الآذان ومحتواها يفجر الإنسان ويخرب المكان، فيتوقف الزمان باكيًا شاكيًا إلى ربه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.

وما أشد العجب من أن من يرتكبون تلك الجرائم الفظيعة وأمثالها يعلنون أنهم ينصرون الإسلام!! وأنهم فعلوا ذلك تقربًا إلى الله في ظنهم المريض، فأي تقرب إلى الله في قتل طفل بين أحضان أبيه؟! أي تقرب في قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض؟! أي تقرب إلى الله وأنتم تقتلون عباد الله الصائمين وهم أقرب ما يكونون إليه .. وهم ساجدون!

صورة مشوهة

أي صورة تقدمونها للإسلام في نظر الناس أو حتى في نظر المسلمين الذين لم يدرسوا دينهم دراسة عميقة ويتعرفوا على ما فيه من عظمة جعلت نبيه رحمة للعالمين، لا نقمة عليهم كما تقدمونه أنتم أيها المجرمون.

هل تظنون أنكم تنصرون الإسلام وأنتم تصورونه على أنه ذلك الدين الذي يستبيح دماء المخالفين، ويهلك الحرث والنسل، ويتباهى بقتل المستضعفين؟!

إن ديننا جعل من قتل نفسًا بريئة بغير حق كمن قتل الناس جميعًا، فقد قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32).

وإن ديننا قد احترم المخالفين بصفة عامة والمخالفين في الدين بصفة خاصة؛ فأمر بالبر والقسط مع غير المعتدين، وجعل الفصل في الخلاف الديني أو المذهبي له وحده سبحانه يوم القيامة، فكيف جعلتم من مجرد الاختلاف مسوغًا للإرجاف والبغي ومحاربة الله ورسوله؟!

ألم تتأملوا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد” (الحج:17)، وقوله عز وجل: “وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج: 68،69)؟!

ألم تطلعوا –وأنتم تَدُكُّون المساجد فوق رؤوس مصليها- على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ” (رواه البخاري).

إن الإسلام حين أباح القتال فإنه قد أباحه لمقاتلة المعتدين وحدهم بالقدر الذي ينهي اعتداءهم حتى إذا جنحوا للسلم جنح المسلمون لهم، لا أن يسرفوا في القتل ويعذبوا الأسرى ويذبحونهم أمام العالم مفتخرين بجريمتهم!

ألم تفقهوا قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190)، وقوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال: 61)، وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (الإسراء: 33).

وحتى في القتال والحرب ضرب الإسلام مثلاً في الرقي والإنسانية والتحضر، فوضع ضوابط تنهى عن أي فعل وحشي في حق الأبرياء من الأطفال وكبار السن والرهبان والنساء والأسرى والمستضعفين وغير المقاتلين بصفة عامة، بل وحتى الشجر والنبات!

انظروا مثلاً إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم: “…‏اغْزُوا وَلاَ ‏تَغُلُّوا، ‏وَلاَ ‏تَغْدِرُوا، ‏‏وَلاَ ‏تُـمَثِّلوا، ‏وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا، أَوِ امْرَأَةً، وَلا كَبِيرًا فَانِيًا، وَلا مُنْعَزِلاً بِصَوْمَعَةٍ” (رواه مسلم).

أيها المجرمون، إنكم لا تفجرون فقط الإنسان والجمال والأمن والأمان، إنكم تفجرون الإسلام، بل وتحاربونه بفكركم الناسف، جهلا وعمالة لمن يريدون أن يطفئوا نوره، والله متم نوره ولو كره الكافرون!.

____

المصدر: موقع الباحث عن الحقيقة (www.truth-seeker.info/ar).

مواضيع ذات صلة