القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الإسلام ودعاته

مصطفى السباعي

ما يزال الإسلام العظيم يصارع الديانات الباطلة والمذاهب الضالة، ويقاوم المؤامرات التي تحاك ضده من هنا وهناك، ويقف في وجه الفساد والمفسدين، ويعلن للدنيا الغارقة اليوم

مصطفى السباعي

مصطفى السباعي

في لجج من الخصومات، مبادئه النبيلة الكريمة في الأمن والسلام، ويدعو الناس جميعاً إلى التعاون على البر والتقوى، وينهاهم على التعاون على الإثم والعدوان، يدعوهم إلى التعاون على البناء لا الهدم، وعلى الإصلاح لا الفساد، وعلى الهداية لا الضلال، وما يزال الناس غافلين عن دوره الكبير في إصلاح أمورهم، لو أصغوا إلى ندائه، واستجابوا لدعوته، ونزلوا عند أحكامه في أوامره ونواهيه.

والإسلام كدين خالد يمثل الحق في أروع صوره وأعظمها نقاء، يجد في كل جيل جنوداً يبذلون في سبيله المهج والأرواح، ويستلذون في سبيل دعوته المر والصعب، لا يعرف اليأس إلى قلوبهم سبيلاً، ولا الملل إلى عزائمهم طريقاً، وهذا تاريخ الإسلام منذ بزوغ فجره حتى اليوم ما يزال تتلاحق فيه أفواج الدعاة جيلاً بعد جيل، كلما هلك منهم علم قام من بعده أعلام، وكلما هوى منهم في الطريق مصلح تتالى من بعده مصلحون وكلما هزتهم نكبة ارتفعت رؤوسهم من بعدها شرفاء صادقين لا تزيدهم النكبات إلا صدق عزيمة وشدة مراس.

ودعاة الإسلام اليوم مدعوون لمتابعة طريقهم الذي اختاروه لأنفسهم وهم عارفون بما يلحقهم من أذى وحرمان وهجوم وعدوان، متخذين من الأحداث التي عاصروها فرأوا فيها ما أهوى بالضربات على رؤوسهم أحياناً، وما أحاط بسمعتهم وكرامتهم من افتراء وتشويه أحياناً أخرى، عبراً تجنبهم عثرات المستقبل، وتبصرهم الطريق الصحيح إلى نشر الإسلام السمح النير كما أنزله الله ـ تعالى ـ بين أبناء أمتهم والآخرين الذين لا يزالون يزورّون به ويكيدون له وتمتلئ نفوسهم حقداً عليه.

ولعل من أكبر العبر التي أفادوها من تجارب الماضي وأحداثه، أن يجعلوا الدعوة إلى الله خالصة  ـ ما استطاعوا ـ من كل مل يجلب لها العداوات، ويؤلب عليها الخصوم، ويوصد قلوب الناس دون الاستماع إلى صوتها العذب، وهدفها النبيل، وغاياتها المثلى.

ولعل من أكبر تلك العظات أن يعرفوا كيف يحزمون أمرهم متعاونين غير مختلفين، قد حددوا أهدافهم ووسائلهم بدقة وإحكام، وقدموا للناس ما جاء به الإسلام من حل لمشكلات المجتمع بتفصيل ووضوح، وميزوا بين أصدقائه وبين أعدائه بعلامات لا مجال فيها للهوى ولا للحب ولا للبغض ولا للمصلحة الذاتية، وإنما تستوحى من المقاييس الواضحة في كتاب الله وسنة رسوله، ومبادئ الإسلام الثابتة وأهدافه العليا، فلا يلتبس عندهم الأمر بين الصديق والعدو، ولا بين المسالم والمحارب، ولا بين المحب والمبغض.

وقد يكون من تلك العظات أن لا يدلوا على الناس إن أحسنوا العمل، وبذلوا النصح، وصدقوا في الدعوة، فإن الإعجاب بالعمل محبط للأجر مجلبة للذم، وأن لا يتهربوا من علاج الأخطاء حين تتضح لهم، فإن الخطأ منار يهدي السالكين إلى الطريق الصحيح، وكثيراً ما أدى تتابع النجاح إلى غرور يقود صاحبه إلى أوعر المسالك وأبعدها عن الهدى والرشاد.

ومن أكبر تلك العظات أن يدركوا أن تبليغ رسالة الإسلام إلى الناس وإقناعهم بها ليس بالأمر السهل ولا بالمنال القريب كما كانوا يتصورن، فالأعداء كثر، والأهواء شتى، والغفلة عميقة، وحبائل الشيطان تمتد ذات اليمين وذات الشمال، ولم تكن الضلالة في عصر من العصور كما هي في عصرنا الحاضر، أشد سلطاناً وأكثر خداعاً وأقوى إغراء وأبلغ فتنة.

إن الإسلام يخوض في عصرنا الحاضر معارك متلاحقة لا أغالي إذ قلت إنها أكثر معارك الإسلام عنفاً وكيداً وبعد مدى، ولسنا نشك في أن الله تبارك وتعالى ناصر دينه، ومعز كلمته، ومخزي أعدائه، فليشمر عن ساعده من أعد لهذه المعارك جلباباً من الصبر والتقوى والأمل، وليثق بوعد الله من آمن بالله واليوم الآخر: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.

———-

 المصدر: مجلة حضارة الإسلام /العدد الخامس/ تشرين ثاني (نوفمبر) 1961 

مواضيع ذات صلة