د. علي الصلابي
لا أخال أن أحدًا ممن يرجون الإصلاح في أوطانهم إلا ويتفق معي على أهمية الجانب التربوي والأخلاقي الذي يرسي القيم الفاضلة في تحقيق أي إصلاح.
ومن خلال بحثي ودراستي للتاريخ وجدت أن أي برنامج إصلاحي ينطلق من رؤية واضحة لدى صاحب المشروع يود من خلالها الانتقال بالمجتمع مما هو عليه الآن إلى ما هو أفضل؛ تحقيقًا لرغبات وطموح وآمال المجتمع كانت دائمًا تصاحب هذه الرؤية مجموعة القيم (أي الدستور الأخلاقي)، التي ترشد خُطا تنفيذ الرؤية. ولذا فإن نجاح المشاريع الإصلاحية وبقاء الأمم وازدهار حضارتها، واستدامة منعتها يتحقق ويستمر إذا ضمنت حياة الأخلاق فيها، فإذا سقطت الأخلاق سقطت الدولة معها.
وفي هذا المقال وددت أن أنوه إلى أحد المشاريع الإصلاحية المهمة الذي أنقذ أمة من الهلاك وانتقل بها إلى الرخاء والعيش الكريم، وهو مشروع ذكره القرآن الكريم.. إنه المشروع الإصلاحي ليوسف عليه السلام؛ وذلك لكي نستخرج منه الدروس ونستلهم منه العبر، ونضع أيدينا على سنن وقوانين الله في حركة المجتمعات والنهوض بالشعوب {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
لمحة عامة على المشروع الإصلاحي ليوسف
لقد كان من ثمار تدبير يوسف وتخطيطه أن حفظ شعبًا من الهلاك والجوع، خرج من الشدائد وعاد إلى الرخاء. وفي قصة يوسف إشارات إلى واقع تخطيطي؛ كي ندرك أن الإسلام لا يقوم على التخمين أو التواكل، ولكنه يهتم بأدق الأساليب وأعمقها، سواء في جانب الاقتصاد أو السياسة أو غيرها، قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43].
وتولى يوسف تفسير الرؤيا فقال: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: 47]. إن يوسف فسر الرؤيا وزاد عليها بتقديم خطة عملية تستغرق القطر كله والشعب المصري كله، أي اعتمدت خطته على التشغيل الكامل للأمة والبرمجة الكاملة للوقت، ثم التشغيل الكامل لطاقة كل فرد في الأمة، وهذا الذي أراده يوسف ثم عبر عنه بقوله: {تَزْرَعُونَ}.
إن الذي يخطط له يوسف هو مضاعفة الإنتاج وتقليل الاستهلاك؛ لأن الأزمات والظروف الاستثنائية تحتاج إلى سلوك استثنائي، ولأن سلوك الناس في الأزمات غير سلوكهم في الظروف العادية.
الدروس المستفادة من جانب التخطيط
لا إصلاح دون أخلاق: إن يوسف بتفسيره لرؤيا الملك قام بتحديد الخطوط العريضة لخطته، وبذلك قام باستشراف المستقبل، ووضع الأهداف اللازمة لإنجاح الخطة، ولقد قسم مراحل الخطة إلى ثلاث مراحل هي:
1- المرحلة الأولى: تزرعون سبع سنين دأبًا:
الطابع الغالب على المرحلة الأولى هو الإنتاج والادخار، مع استهلاك محدود {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ}.
2- ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد:
فإذا انتهت سنوات الإنتاج السبع بما فيها من جهد متصل دائب، واستهلاك محدود كان على الخطة أن تواجه تحديًا ضخمًا، هو توفير الأقوات سبع سنين عجاف. وبعبارة أخرى: بعد الإنتاج والجهد الدائب في المرحلة الأولى سيأتي تحمُّل أيضًا المرحلة الثانية، وهو تحمل يحتاج إلى تنظيم دقيق يصل فيه الطعام إلى كل فم.
3- ثم يأتي بعد ذلك عام يغاث فيه الناس:
ومع هذا التحمل والتنظيم الدقيق، ينبغي ألا تأتي هذه السنوات العجاف على كل المدخرات، وإنما كان يوسف واضحًا في قوله: {إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: 48]. فكان هذا الجزء المدخر هو “الخميرة” التي تستطيع بها الأمة أن تقبل متطلبات البذر الجديد بعد سنوات عجاف، أي إعادة استثمار المدخرات.
وبهذا وازن يوسف في خطته بين ثلاثة جوانب؛ الجانب الأول الإنتاج، والجانب الثاني الاستهلاك، والجانب الثالث الادخار وإعادة استثمار الادخارات.
وتظهر معالم التخطيط الراقي في كلمات يوسف عند تفسيره لرؤيا الملك، ولأن التخطيط يعتبر وظيفة أساسية من وظائف الإدارة الخمسة، وهي “تخطيط وتنظيم وتوظيف وتوجيه وإشراف”، والتي لا يمكن لها أن تكون الإدارة فعالة بدونها.
كما أن التخطيط في حقيقته يعتمد على دعامات وعناصر، أما الدعامات فهي: التنبؤ، أي استشراف المستقبل والأهداف، وأما العناصر فهي: السياسة، والوسائل والأدوات، والموارد المادية، والموارد البشرية، والإجراءات والبرامج الزمنية، والموازنات التقديرية، فعندها قال يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]. فكان برنامجه الإصلاحي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والإعلامي والزراعي، كل ذلك معدا إعدادًا كاملاً ودقيقًا من خلال استشرافه للمستقبل، وتحديده للأهداف لمضاعفة الإنتاج، وتقنين الاستهلاك أو ترشيده، ثم تخزين الطعام. وهذا يقتضي خطة تفصيلية؛ لأن الهدف العام الكبير ليس شيئًا إن لم يقترن بخططه التفصيلية. وهنا يأتي دور السياسات والوسائل والأدوات والموارد البشرية والإجراءات والبرامج الزمنية والموازنات التقديرية، هذا ما فعله يوسف في ضوء علم الإدارة الحديثة.
إن من معالم الخطة السياسية والاقتصادية الناجحة أن تكون مبنية على معلومات يقينية صادقة حقيقية لا على الخيال الشعري المجنح الذي لا يرتبط بالواقع، ومن هنا صارح يوسف الشعب بالشدائد التي تنتظره، لكنها ليست المصارحة التي تثبط أو تقعد عن العمل، ولكنها التي تدفع للعمل وتزيد الهمة وتدفع للجهد والطاقة.
إن السبع التي تلي الرخاء ستكون مجدبة لا تعطي بل تأخذ وتأكل، فهي تقتضي حرصًا واحتياطًا. ونلاحظ في الآيات القرآنية الكريمة التي تكلمت عن خطة يوسف عنصر الأمل والتفاؤل، وهذا الأمر مهم في الخطة الناجحة. قال تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49]. ولا بد من الأمل والتفاؤل في أي خطة، وإلا فإن كان لا أمل فما الداعي إلى العمل! ولقد حرك يوسف دوافع العمل عندهم بتحذيرهم من شدة سنوات القحط، ثم حركها ثانية بفتح نافذة الأمل.
الدروس المستفادة من الجانب التنظيمي والتوظيف
لقد اهتم يوسف بالعنصر البشري في خطته لعلمه أنه لا تنجح خطة ليس وراءها الإنسان الذي ينفذها، وأما منهجه في التعامل مع الإنسان فقد ظهر في ثلاثة أسس، أولاً في وضعه السياسة العامة وتحديد المرجعية التي تضبط سير عمل المشروع الإصلاحي، وذلك في دعوته للسجينين للتوحيد عندما قال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 39، 40].
أما الأساس الثاني الذي رسمه يوسف في عملية التوظيف فهو الأساس الأخلاقي: {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، فعندما قال للملك: إني حفيظ “أي أمين”، وهذه الأمانة لا تتأتى إلا بمنظومة أخلاقية مترابطة متماسكة بين أفراد المجتمع، ولا تبنى هذه المنظومة إلا بواسطة برنامج تربوي يشرف عليها علماء ربانيون مؤمنون بهذا المشروع الإصلاحي.
أما الأساس الثالث كان متمثلاً في قول يوسف للملك: {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، وهنا كلمة {عَلِيمٌ} تعني إني أتقن فنون وعلوم الإدارة التي تقود إلى نجاح هذه الخطة.
وبذلك يكون منهج يوسف في الارتقاء بالإنسان الذي هو عدة الحضارة ومحرك النهضة ومنفذ البرامج ومنجز المشاريع هو دعوته للتوحيد، وتعليمه حقيقة الإيمان بالله، وهذا الكون وهذه الحياة. وتسليحه بالأخلاق الفاضلة، وتعليمه أسس الإدارة الحديثة لتحقق الرؤية التي تصبو القيادة الوصول إليها.
إن فائدة التغيير تزول إذا لم يكن هناك إنسان أمين على منجزات التغيير، ويحمل القيم الداخلية التي تضمن استمرارية التغيير الخارجي، إخلاصه وصدقه وأمانته. إن التغيير يجب أن يمارسه الإنسان في المحتوى النفسي فيطور وينمي ذاته باتجاه الأفضل، ثم يجسد محتواه النفسي تغييرًا خارجيًّا ويحوله إلى ممارسة وتطبيق وتحقيق؛ لأن أحوال الناس وأوضاعهم الاجتماعية من الفساد والخير لا تتغير إلا إذا تغير محتوى الإنسان، وما هو عليه من الحق أو الباطل، هذا هو منطق القرآن والحياة؛ لكي يرسي نظامًا لا بد أن يُهيَّأ له إنسان أولاً.
كما أننا إذا طورنا النظام ومفاهيمه دون الإنسان ومفاهيمه فسرعان ما يتسرب الفساد من الإنسان إلى النظام، فيقوضه أكثر مما يتسرب الإصلاح من النظام إلى الإنسان فيصلحه؛ لأن الأنانية وحب الذات والجشع أقوى من نصوص القوانين والأنظمة ما لم تهذبها التربية الداخلية العميقة، والأخلاق الكريمة المبنية على معرفة الله وحبه والخوف منه.
إن في الآيات القرآنية لسورة يوسف إشارات إلى جوانب أخرى ارتبط بها نجاح الخطة ارتباطًا مباشرًا، وأهمها جانبان يجمعهما عنصر واحد، وهو العنصر البشري وعلاقته بنجاح الخطة:
أ- استعداد يوسف أن يُشرف على هذه الخطة، وكان هذا الاستعداد بعد أن بدد ظلام الشك وأوهام التهم عن نفسه، وبذلك حدث التكامل القوي بين الخطة والمخططين، بين حساب الأرقام والأخلاق، بين الأسس المادية والقيم الروحية في المجتمع، بين الدين والحياة.
الإصلاح والأخلاق: إن البرنامج الإصلاحي الشامل في وطننا يحتاج إلى كوكبة من علماء ليبيا وطلاب العلم والمختصين في مجال معرفة كتاب الله وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وممن لهم قناعة بمشروع الإصلاح؛ لكي يساهموا بدورهم الأخلاقي والمعنوي والروحي والتربوي، ودورهم لا يقل عن دور المهندسين والإداريين والاقتصاديين والإعلاميين والسياسيين… إلخ.
ب- الجانب الثاني: يتجلى في اختيار المعاونين الذين ساعدوه في عمله، فكان من رجال يوسف العون الصادق على تنفيذ أوامره بدقة وهدوء.
وأما الرصيد الأخلاقي والقيمي الذي ساهم في نجاح المشروع الإصلاحي ليوسف ، فقد كان متجسدًا في شخصيته من صفات حميدة وأخلاق كريمة منها:
(1) ثقته بنفسه بالاعتماد على ربه {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].
(2) وضع اللين في موضعه، والشدة في موضعها: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ} [يوسف: 59، 60]. فبداية الآية لين، ونهايتها شدة.
(3) الحلم عند الغضب ليضبط نفسه {قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: 77].
(4) العفة عن الشهوات؛ ليضبط نفسه، وتتوافر قوته النفسية {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].
(5) قوة الذاكرة؛ ليمكنه تذكر ما غاب ومضى له سنون، وليضبط السياسات ويعرف للناس أعمالهم {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [يوسف: 58].
(6) استعداده للعلم وحبه له وتمكنه {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
(7) شفقته على الضعفاء وتواضعه مع جلال قدره، وعلو منصبه، فقد خاطب الفتيين السجينين فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39]. وحادثهما في أمور دينهما ودنياهما بقوله: {قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 37]. وقال تعالى: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37].
(8) العفو عند المقدرة {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
(9) إكرام العشرة {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93].
(10) قوة الفصاحة والبيان بتفسير رؤيا الملك، واقتداره على الأخذ بأفئدة الراعي والرعية والسوقة، ما كان هذا إلا بالفصاحة المبنية على الحكمة والعلم: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].
الدروس المستفادة من الجانب التنفيذي والمتابعة
إن حسن التنفيذ والمتابعة الحثيثة للمشروع الإصلاحي الذي تولاه يوسف كان له الأثر الكبير على المستوى القطري وعلى مستوى المنطقة ككل. إن خيرية المشروع الإصلاحي ليوسف تعدت مصر، فلقد ساعد الدول المجاورة في فترة القحط، فعندما أصاب منطقة (فلسطين) القحط ذهب الناس إلى مصر طلبًا للمساعدة، وكان من بينهم إخوة يوسف، قال تعالى: {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ * قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ * وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: 58- 62].
كما أن الحوار الذي دار بين يوسف وإخوته في هذه الآيات، يدل على المتابعة الدقيقة للتنفيذ من قبل القيادة على سير العمل.
إن في القرآن الكريم مشاريعَ إصلاحية كثيرة تحتاج لدراسة واستخراج العبر والدروس والسنن منها.
ومما تم ذكره تظهر الأهمية الكبرى للأخلاق الرفيعة والصفات الحميدة للأخوة القائمين على المشاريع الإصلاحية، ومن هنا فإن الجانب الأخلاقي التربوي على قدر كبير من الأهمية، فهو الدين والدنيا. فبقدر تمسك الأمة بالأخلاق وازدياد فضائلها، يكون الازدهار والرقي والتقدم. وصدق الشاعر حين قال:
إنما الأمم الأخـلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهـم ذهبوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: موقع منارات (بتصرف يسير).