د.راغب السرجاني
إن نظرة الإسلام للإنسان تختلف تمام الاختلاف عن نظرة غيره من الأديان التي جعلت اختلافات اللون والجنس والدين عاملا من عوامل التفرقة بين البشر؛ فالنظرة الإسلامية للإسلام نظرة عادلة، لا تفرق بين البشر على أي أساس ينفي حقوق بعض البشر لأي عامل مهما كان؛ فالنفس الإنسانية بصفة عامة مكرمة ومعظمة، وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، قال تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
فقد كرم الله عز وجل البشر مسلمهم وغير مسلمهم، ورزق الجميع من أصناف الطيبات، وفضل الجنس البشري مطلقا على غيره من الأجناس.
وكانت هذه الرؤية هي المنطق الذي تعامل به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس جميعا؛ ولا غرو فقد حفلت نصوص الشريعة بالاحترام والتقدير والرحمة والرأفة للبشر جميعا حتى المحاربين للإسلام.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع نفوس بشرية مكرمة، فلا يجوز إهانتها أو ظلمها، أو التعدي على حقوقها، أو التقليل من شأنها، وهذا واضح بين في آيات القرآن الكريم، وكذلك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالشريعة تأبى الظلم في كل صوره، والنهي عن ذلك واضح في آيات وأحاديث لا تحصى، وهو مرفوض إلى يوم القيامة، بل يقول الله عز وجل في صفة الحساب يوم القيامة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47]، والأمر هنا على إطلاقه أيضا؛ فلن تظلم “نفس” يوم القيامة، أيا كانت هذه النفس، مؤمنة بالله أو كافرة به، مسلمة كانت أو نصرانية أو يهودية، أو غير ذلك من الملل والنحل الأخرى.
إن الظلم شيء مقيت، وإن الله عز وجل قد حرمه على نفسه جل وعلا، وحرمه كذلك على كل عباده، فيروي أبو ذر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”.
ومن هنا جاءت نصوص الشريعة تحذر من أشكال الاعتداء على غير المسلمين؛ فيقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}؛ فالأمر هنا عام، يشمل نفوس المسلمين وغير المسلمين؛ فالعدل في الشريعة مطلق لا يتجزأ، وما أجمل ما ذكره القرطبي تعليقا على هذه الآية عندما قال: “وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة، مؤمنة كانت أو معاهدة، إلا بالحق الذي يوجب قتلها”، ثم ذكر عدة أحاديث نبوية تشير إلى هذا المعنى، منها على سبيل المثال ما رواه أبو بكرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة”.
وما أبلغ وأروع الموقف الذي علمنا إياه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما مرت به جنازة يهودي، فقد روى الإمام مسلم عن ابن أبي ليلى أن قيس بن سعد وسهل بن حنيف كانا بالقادسية، فمرت بهما جنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل: إنه يهودي، فقال: “أليست نفسا؟!”.
ألا ما أروع هذا الموقف حقا!!
هذه هي النظرة الإسلامية للنفس البشرية..
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف زرع في نفوس المسلمين التقدير والاحترام والرحمة لكل نفس إنسانية، وذلك على الإطلاق؛ لأنه فعل ذلك وأمر به، حتى بعد علمه أنه يهودي.
وذلك رغم ما رواه التاريخ من كفر اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم رغم قيام الحجج أمامهم على صدقه، بل واعترافهم -فيما بينهم- بنبوته، ورغم ما كان منهم من تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأليب للمشركين عليه وعلى المسلمين، ومحاولتهم اغتياله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة.
ومع كل هذا التعنت اليهودي إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف لجنازة رجل منهم، وهو رجل غير معروف، لكيلا يقال إنه -أي اليهودي- أسدى معروفا مرة للمسلمين، أو كان ذا خلق حسن، ودليل ذلك أن الصحابة عينوه بصفته لا باسمه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برر وقوفه بقوله: “أليست نفسا؟” ولم يذكر فضيلة معينة له.
هذه هي النظرة الإسلامية الحقيقية لكل البشر، إنها نظرة التقدير والتكريم.
إنه الاحترام الحقيقي للنفس البشرية..
وهذا الاحترام لم يكن للحظة عابرة، بل طال وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اختفت الجنازة.. ففي رواية مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت. وتخيل معي هذا الموقف الجليل وجنازة اليهودي تمر، والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما زالوا واقفين!
إن هذا الموقف قد رسخ في أذهان الصحابة -والمسلمين من بعدهم- أن الإسلام يحترم كل نفس بشرية ويقدرها ويكرمها، وهذا الذي دفع قيس بن سعد وسهل بن حنيف أن يقفا لجنازة رجل مجوسي يعبد النار! فالمجوسي هذا ليس كتابيا أصلا، وهو على عقيدة مخالفة تماما لدين الإسلام، بل إنه من قوم محاربين، ومع ذلك فالصحابة –رضي الله عنهم- يدركون قيمة النفس البشرية فيكرمونها ويقفون لها..
هذه هي نظرتنا لغير المسلمين، وهذه هي الخلفية التي يضعها المسلمون في أذهانهم عند التعامل مع غير المسلمين..
وهذه الخلفية يحكمها اعتقاد المسلمين في أن الاختلاف بين الناس ليس أمرا محتملا فقط، بل هو حتمي! ولن يوجد زمان أبدا يتفق فيه العالمون على رأي واحد في قضية ما، بما فيها قضية الألوهية والتوحيد، يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118].
ولذلك يتعايش المسلم مع المخالفين في العقيدة بشكل طبيعي، وخاصة أن الشريعة الإسلامية توضح بجلاء أطر التعامل وآليات التفاهم مع الطوائف المختلفة من غير المسلمين.
كما أن المسلم يعتقد اعتقادا جازما أن الحساب يوم القيامة بيد الله عز وجل وحده، ومن ثم ليس للإنسان أن يكره غيره على اعتناق الإسلام قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99].
إن مهمة المسلم ببساطة أن يصل بدعوته نقية إلى غير المسلمين، أما ردود أفعالهم تجاه هذه الدعوة فلا يسأل عنها المسلم ولا يحاسب، قال تعالى: {وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الحج: 68، 69].
من هذا المنطلق، ومن واقع تقدير الشرع الإسلامي “لكل نفس”، وتكريم الله عز وجل لكل بني آدم، جاءت أوامر الشريعة الإسلامية الخاصة بالعدل والرحمة والألفة والتعارف، وغيرها من فضائل الأخلاق، جاءت كل هذه الأوامر عامة تشمل المسلمين وغير المسلمين، ولم تكن يوما كما فعل اليهود بتحريفهم في التوراة؛ فخصوا بالمعاملات الحسنة اليهود وحدهم، وأباحوا الموبقات كلها في حق غيرهم!!
إن الشريعة الإسلامية لا تقصر الرحمة –مثلا- على المسلمين، بل يقول الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، ومن هنا فإن المسلم صحيح الفهم للإسلام يكره صور الألم لأي إنسان، أيا كانت ملته، ولا يحب له المعاناة حتى لو كان جنديا في جيش مقاتل!، ومن هنا لا يشجع الإسلام أبدا على بدء الحروب، لأنها بداية معاناة دائما.
وفي مسألة التعارف يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، فلم يقتصر التعارف أيضا على طائفة معينة، إنما اتسع ليشمل لكل الشعوب والقبائل.
وقد سخر الله عز وجل الكون ومخلوقاته للإنسان عامة دون تخصيص لأهل الإسلام، يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحج: 65].
وفي مسألة العفو قال الله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134]، فالعفو من صفات المؤمن، ولكن هذا العفو الذي نراه في هذه الآية ليس خاصا بالمسلمين فقط، إنما هو عفو واسع يشمل “الناس” كما ذكر ربنا، وهو بذلك يشمل -حتما- غير المسلمين، ولهذا الأمر تطبيقات كثيرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ما سنتعرض له في صفحات البحث القادمة إن شاء الله.
ومن أكثر ما يدل على احترام الإسلام للنفس البشرية أن الإسلام لم يقصر دعوة أتباعه للعدل على العدل مع المسلمين فقط، وإنما حض وأمر أن يكون العدل حتى مع من نكره من الناس! فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
هذه النظرة المتناهية في الرحمة والألفة والعدل تفسر لنا الأخلاق النبيلة التي كان عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم..
لقد كان متبعا للشرع في كل خطوة من خطوات حياته..
لقد كان قرآنا يمشي على الأرض!
ولقد ظهرت عظمة الإسلام في ريادته في هذا المضمار الأخلاقي؛ حيث كانت أخلاق البشرية في ذاك الزمن قد انحطت، ونالها ما نال الكتب السماوية السابقة من تحريف وانحراف، ويكفيك أن تراجع بعض الأوامر والقوانين في التوراة المحرفة التي كانت موجودة في عصر رسولنا صلى الله عليه وسلم، وما زالت إلى زماننا هذا، لتدرك البون الشاسع بين التشريع الإسلامي المحكم، والافتراءات البشرية التي دست بين صحائف التوراة، ففي سفر يشوع -مثلا- تجد في طريقة تعامل اليهود مع غيرهم ما يلي: “ثم تحرك يشوع وجيش إسرائيل من لخيش نحو عجلون فحاصروها وحاربوها واستولوا عليها في ذلك اليوم ودمروها، وقضوا على (كل نفس) فيها بحد السيف، على غرار ما صنعوا بلخيش، ثم اتجه يشوع بقواته من عجلون إلى حبرون وهاجموها، واستولوا عليها ودمروها مع بقية ضواحيها التابعة لها، وقتلوا ملكها و(كل نفس) فيها بحد السيف، فلم يفلت منها ناج، على غرار ما صنعوا بعجلون، وهكذا قضوا على (كل نفس) فيها، ثم عاد يشوع إلى دبير وهاجموها واستولى عليها ودمرها مع ضواحيها، وقتل ملكها و(كل نفس) فيها بحد السيف، فلم يفلت منها ناج، فصنع بدبير وملكها نظير ما صنع بلبنة وملكها”.
لقد عكس هذا التزوير نفسية اليهود، فهذه هي صورة الأنبياء عندهم، يقتلون “كل نفس” غير يهودية!
ويؤكد هذه النظرة المنحرفة للنفس البشرية ما جاء في سفر العدد، حين يصف رد فعل موسى عليه السلام -وحاشاه من هذا التزوير!- لما رأى بعض جيوشه قد أبقت النساء والأطفال على قيد الحياة، واتخذوهم أسيرات وأسرى فقال لهم: “لماذا استحييتم النساء؟! إنهن -باتباعهن نصيحة بلعام- أغوين بني إسرائيل بعبادة فغور، وكن سبب خيانة الرب فتفشى الوباء في جماعة الرب، فالآن اقتلوا (كل ذكر) من الأطفال، واقتلوا أيضا كل امرأة ضاجعت رجلا، ولكن استحيوا (أبقوا) لكم كل عذراء لم تضاجع رجلا”!.
وأمثلة هذه العدوانية كثيرة جدا، سواء في العهد القديم أو الجديد، وليس المجال الآن للحصر، ولكن لتوضيح أن عظمة التشريع الإسلامي ورحمته وعدله وتسامحه تتجلى بصورة أكبر وأكبر، عندما نعرف أن هذا التشريع المحكم نزل في زمان وجدت فيه مثل هذه التوجهات العدوانية والافتراءات المخزية.
ولا ينفي تسامح الإسلام مع الأديان الأخرى حرصه على دعوة أتباعها إلى الحق؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص على الدعاء لرجلين من ألد أعدائه (أبي جهل وعمر بن الخطاب قبل أن يسلم)، فيقول: “اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب قال: وكان أحبهما إليه عمر”.
إن التاريخ الطويل من الصد عن سبيل الله، وفتنة المسلمين عن دينهم، لم يورث في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم شعورا بالانتقام، أو رغبة في الكيد أو التنكيل، إنما على العكس تماما، شعر أنهم مرضى يحتاجون إلى طبيب، أو حيارى يحتاجون إلى دليل، فجاءت هذه الدعوة لهم بالهداية وبالرحمة وبالنجاة.
كانت تلك هي نفسيته صلى الله عليه وسلم ، وكانت تلك هي سنته وطريقته، وكانت هذه هي خلفياته ومرجعيته في التعامل مع الناس.
فقد حمل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دعوته لكل من هو على غير دين الإسلام -مشركا كان أو يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا-، وكان يبذل قصارى جهده في الإقناع بالتي هي أحسن، وكان يحزن حزنا شديدا إذا رفض إنسان أو قاوم الإسلام، حتى وصل الأمر إلى أن الله عز وجل نهاه عن هذا الحزن والأسى، فقال تعالى يخاطبه صلى الله عليه وسلم: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، وقال أيضا: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8].
ورغم ذلك لم يقدم الرسول صلى الله عليه وسلم على الضغط على أحد من أجل قبول الإسلام، وإنما التزم بقول الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، فتحقق في حياته التوازن الرائع المعجز؛ إذ أنه يدعو إلى الحق الذي معه بكل قوة، ولكنه لا يدفع أحدا إليه مكرها أبدا..
ألا ما أروع ما قاله صلى الله عليه وسلم يلخص به نظرته إلى عموم الناس..
يروي أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وهم يقتحمون فيها”.
إنها نظرة الرحمة والرعاية لا القهر أو التسلط..
وسبحان الذي رزقه صلى الله عليه وسلم هذا الكمال في الأخلاق!
—
المصدر: من كتاب (أخلاقيات الحروب في السنة النبوية) للدكتور السرجاني.