م. محمود صقر
دُعِيتُ لحضور البرلمان العالمي للعلوم والدين والفلسفة، ضمن من دعتهم الهند من علماء ومفكرين وفلاسفة من مختلف أنحاء العالم لحضور المؤتمر، وحضور افتتاح القاعة التي سيُقام فيها، وهي قبة السلام العالمية world dome peace في مدينة pune بغرب الهند.
وكان الافتتاح بحضور نائب رئيس جمهورية الهند.
والمبنى مقام وسط مجمع كبير يحوي العديد من المنشآت التعليمية، والأرض المقام عليها المجمع كلها تبرع من عائلة الممثل الهندي الراحل “راج كابور”، ويوجد داخل المجمع متحف لراج كابور ومعهد لتعليم الموسيقي.
القاعة تحفة معمارية، عبارة عن قبة كبيرة محمولة على الحوائط الخارجية؛ فالمبنى كله دائري، وسقف القبة مرسوم على هيئة سماء، يتوسطها دائرة تحوي رموز الأديان المختلفة مثل هلال المسلمين وصليب المسيحيين ونجمة اليهود وخلافه.
وعلي الجوانب الدائرية للصالة من الداخل ومن الخارج يوجد تماثيل لعدد من المفكرين والعلماء والفلاسفة على مر العصور، ومن مختلف الأماكن والأديان.
أما المدعوون فكان معظمهم من أمريكا والغرب والهند وجوارها الجغرافي، الغربيون بلباسهم الرسمي رجالا ونساء، ومنهم من يلبس لباس القساوسة والرهبان، والمدعوون من الهند وجوارها تتعدد أرديتهم؛ فمنهم من يلبس الزي الهندي التقليدي، ومنهم من يقلد لبس المهاتما غاندي بما فيها عصاه التقليدية، ومنهم من يلبس لباس الرهبان البوذيين، وآخرون بزي النساك الهندوس، منهم المنتعل ومنهم حافي القدمين، كرنڤال من مختلف الألوان والأشكال اجتمعوا من مختلف أنحاء العالم تحت تلك القبة.
رسالة سلام
الرسالة التي يحملها المؤتمر وهذا المعلم هي رسالة سلام ينقلها لعالم يعيش على الاقتتال والسلب والنهب وتدمير البيئة، أعجبني في كلمة نائب رئيس الجمهورية الهندية حرصه وبراعته في تقديم حضارة وتاريخ الهند أثناء كلمته، وتمسكه بالزي الهندي التقليدي، والتأكيد على ذلك من خلال كلمته.
رغم أن الرسالة التي يحملها المؤتمر هي رسالة سلام، ورغم حرص المتكلمين الهنود علي أن رسالتهم إنسانية عالمية لا تنطلق من دين معين، إلا أن تصدير رموز الثقافة الهندية بشكل غير مباشر كان حاضراً بقوة ومقصوداً؛ فاختيار اليوم والتاريخ مرتبط بتاريخ وثقافة الهند، فقد تم الافتتاح يوم الثلاثاء 02/10/2018.
والثلاثاء تحديدا؛ لأنه اليوم المفضل عند الهندوس، والمتدينون منهم يصومونه كل أسبوع مع اختلاف درجات الصيام؛ فالصيام عندهم من شروق الشمس حتى غروبها، ومنهم من يمتنع عن الطعام والشراب طوال تلك الفترة، وبعضهم ينقطع عن الطعام دون الشراب، وبعضهم يمتنع عن أكل المنتجات الحيوانية، وبعضهم لا يبيع ولا يشتري في هذا اليوم (رغم أن العطلة الأسبوعية الرسمية في الهند هي يوم الأحد).
ويوم الثاني من شهر أكتوبر؛ لأنه يوم ميلاد المهاتما غاندي.
وكان ذكر “جانيش” معبود الهندوس الأكثر شعبية حاضرا بصفته الراعي الأكبر لتلك الاحتفالية؛ لأن رمزيته عندهم تجمع بين الدين والعلم معاً.
أعجبني أن تحرص الدول على التسويق لثقافتها وحضارتها من خلال رسالة عالمية تحملها للبشر، فضلاً عن تسويقها لمدينة Pune على أنها أكسفورد الشرق التي تجذب الراغبين في التعلم في مؤسساتها التعليمية المتقدمة من مختلف أنحاء العالم.
وأعجبني أكثر أن الرسالة العالمية التي تقدمها لا تعني بحال من الأحوال أن تتخلى عن دين البلاد وثقافتها وتاريخها؛ بل العكس هو الصحيح؛ فالدول التي تحترم نفسها تنطلق من احترام عقائدها وتاريخها وثقافتها.
تمنيت لو أن أتباع الإسلام بصفته رسالة الله الخاتمة لكل البشر أنفقوا دولا وشعوباً في سبيل نشر رسالته الإنسانية العالمية.