د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
الدعوة إلى الله تعالى فن، ومن كمال التمكن من هذا الفن معرفة ماذا تقول؟ ومتى تقوله؟ وكيف تقوله؟ ولمن تقوله؟ وهذا هو المقصود من قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125).
فمما يؤخذ على بعض الدعاة أنهم لا يحسنون اختيار وقت الموعظة؛ فكلما وجدوا عندهم قدرة على الكلام تكلموا، وكلما أتيح لهم الوقت وعظوا، دون مراعاة لأحوال المخاطبين وما يناسبهم، وهم في هذا غافلون عن الهدي النبوي في هذا المجال، وهؤلاء معرضون لأن يدخلوا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ؛ فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ”؛ فكما أن عدم مراعاة الناس في العبادة يعد تنفيرا فكذلك الأمر في الدعوة.
قال ابن عبد البر في بهجة المجالس: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان؛ فابتغوا لها طرائف الحكمة”.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “أريحوا القلوب؛ فإن القلب إذا كره عمي”. وقال أيضا: “إن للقلوب شهوة وإقبالا، وفترة وإدبارا؛ فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها”.
وقد كان من الهدي النبوي في الدعوة أن يتحرى بالموعظة وقت حاجة الناس إليها، أو وقت نشاطهم لسماعها.
وقد أورد البخاري –رحمه الله تعالى- في كتاب العلم من صحيحه بابين في هذا الشأن:
أحدهما عنوانه “باب ما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا”.
وتحت هذا الباب ساق بسنده حديثين؛ أحدهما عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: “كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة في الأيام؛ كراهة السآمة علينا”، والثاني عن أنس –رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”.
والباب الثاني: “باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة”، ثم قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال: كان عبد الله –يعني ابن مسعود- يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت لو ذكرتنا كل يوم.
قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أخولكم بالموعظة، كما كان النبي –صلى الله عليه وسم- يتخولنا بها مخافة السآمة علينا”.
فوائد التخول بالموعظة
مما سبق من الهدي النبوي يتضح أن لمراعاة أحوال الناس وتخولهم بالموعظة فوائد ودروسا دعوية عديدة، منها:
- دفع السآمة والملل على الناس؛ فكثرة ترديد الكلام قد يصيب بالملل والضجر، وهذا خطير إذا تعلق بدين الله تعالى.
- التخول معناه التعهد مرة بعد مرة؛ ففيه إعطاء النفس فرصة للتفكر والتدبر فيما سمعت حتى تقبل عليه بعد ذلك بوعي وإدراك.
- كثرة الكلام ينسي بعضه بعضا؛ فيفضل ترك فرصة للناس لتذكر ما سمعوه وحفظه.
- تحديد أوقات معينة للموعظة يعطي الداعية فرصة للاستعداد الجيد والتحضير المناسب للدرس حتى يؤديه بصورة مناسبة.
- تحديد أوقات متفق عليها مسبقا ومعروفة بصورة دورية يجعل الناس يقبلون عليها وقد استعدوا لها وتهيئوا، فيتلقونها بذهن خال من الشواغل وقلب مستعد للتفاعل.
- التخول بالموعظة يعطي الداعية فرصة لأن يختار الموضوع المناسب في الوقت المناسب؛ فليس كل ما يعلم يقال.
- تحديد أوقات معينة للوعظ والدعوة العامة يخلي أوقاتا للعبادات الفردية وتلاوة القرآن وأداء الأذكار.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يفقهون دينه، ويحسنون تبليغه لعباده.