م. محمود صقر
هي ليست مجرد زيارة للأماكن المقدسة، وليست تجمعا للبكاء أمام حائط المبكى، وليست اغتسالا هندوسيا جماعيا في نهر الجانج.. إنه تجسيد لأعظم ملحمة إنسانية في تاريخ البشر.
ملحمة الإنسان
طوافه بحث عن الله.. سعيه بحث عن الرزق.. تضحيته من أجل الحب.
صراعه مع الشيطان.. بحثه عن العرفان والمعرفة في نهار عرفات.
بحثه عن الشعور في سكون الليل في المشعر الحرام..
بحثه عن الفرح والسعادة في العيد.. بحثه عن التلاحم البشري والأخوة الصادقة.
بحثه عن ذاته المتجردة من ملبس يميزها وعادة تأسرها.
أمواج بها ملايين القطرات من البشر، وكل فرد منهم يقوم بدور البطولة المطلقة، يؤديها على مسرح الأحداث يقتفي فيها آثار آدم وإبراهيم وأسرته المباركة.
أما أبطال هذه الملحمة الإنسانية الكبرى. فهو أنتَ وأنتِ… لا فرق بين رجل وامرأة، المرأة تمثل دور إبراهيم، والرجل يمثل دور هاجر.
كلاكما على خطى من كسر الأصنام واقتحم النيران، وجابه العالم كله وحيدا بلا أنصار من أجل إعلاء كلمة التوحيد.
إنكم هنا تلبية لندائه وأذانه.. إنكم فسائل غرس كلمته الخالدة “لاإله إلا الله”.
كلاكما على خطى هاجر، سيدة كانت أم جارية لا فرق، إنها إنسانة ارتقت بالحب والتضحية والسعي والشعور بالمسئولية أرقى مراتب الإنسانية، إنها تعلم كل البشر أنه: بالسعي لا بالتواكل وبالتوكل لا بالسعي تتفجر ينابيع الحياة من حيث لا يحتسب الإنسان.
أنت هنا بطل الطريقين معا: طريق الآخرة (الطواف)، وطريق الدنيا (السعي).
أنت هنا البطل في ملحمة الصراع بين التوحيد والشرك.. بين الحب والتضحية.. بين الواجب والمصلحة.. بين القيم والمنفعة.. بين الخير والشر.. بين المسئولية والنكوص.. بين الإنسان والشيطان.
وبماذا تضحي؟ تضحي بأعز ما تملك، بإسماعيل.. ومن هو إسماعيل؟.. أنت أدرى بإسماعيلك.. وفي سبيل ماذا؟.. في سبيل الحب.. حب من؟.. حب الله.. وماذا يريد الله بتضحيتي؟.. يريد معرفة حبك له.. وهل يريد عذابي؟.. كلا كلا.. سيعود لك إسماعيل.. ويبقى الحب.. وتفوز بالحسنيين.
أيها البطل أنت الآن مولود جديد، عُد إلى وطنك واستمر في أداء دور البطولة، أَقِم في أرضك دار السلام، ابنِ في وطنك بيتاً مثابةً للناس وأمنا، انشر الحب والإخاء، نادِ بالحرية والعدل والمساواة.. انصُر الإنسان.
لولا الإسلام ورسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- من كان سيحيي معالم اندثرت، ويرفع راية توحيد انتكست، وذكرى هامات في عالم الناس قد نُسيَت، ومعالم إنسانية انطمست؟
إنه سيدنا الذي اصطفاه ربه ليكون صاحب هذا المقام، وأمته الذين اصطفاهم ليكونوا خير أمة أُخرجت للناس.
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}.