الدعوة إلى الله تعالى من أعظم أعمال البر لما يترتب عليها من فوائد جليلة، ومصالح عظيمة تعود على الداعي والمدعو وعلى المجتمع والأمة
والبشرية جمعاء، وقد أثنى الله سبحانه على الدعاة من عباده فقال: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (فصلت: 33).
والحج مناسبة كبرى، وفرصة مهمة للدعوة إلى الله وتبصير المسلمين بأمور دينهم؛ حيث تحتشد الملايين من بقاع المعمورة في هذا الموسم، بدافع التعبد لله تعالى، وهم أحوج ما يكونون إلى من يوصل إليهم الخير والبر والإحسان والمعروف الديني والدنيوي.
على أن الدعوة في موسم الحج سنة نبوية، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يعرض دعوته على الناس في مواسم الحج، كما أرسل عددا من أصحابه -رضي الله عنهم- لذلك، وفي حجة الوداع نصح أمته غاية النصح، وبلغها البلاغ المبين، وقد استمر علماء الإسلام ودعاته الصادقون على مر العصور في استثمار هذا الموسـم العظيم، مستفيدين منه ما وسعهم في إيقاظ القلوب، وإنارة البصائر، وعرض الإسلام النقي، والتحذير من مخاطر الشرك وشوائب البدع والمنكرات.
ومما يؤكد ضرورة الدعوة في الحج علاوة على ما تقدم:
- وجود أعداد كبيرة من الحجاج، وهم في تزايد مستمر.
- تفشي الأمية الشرعية، وعموم الجهل بعقائد الإسلام وأحكامه، وانتشار بعض أنواع الشرك والبدع، وظهور الخرافات بشكل مذهل في أوساط كثير من حجاج بيت الله.
- قد يكون بعض هؤلاء الحجاج ممن توفَّرَ لديهم نوع من اليسار النسبي، والوجاهة في أوساط أقوامهم، وهو ما يرجى معه أن يكون لدعوتهم أثرٌ على أقوامهم وأهليهم بعد عودتهم إليهم.
- استعداد الحجيج وتهيؤهم النفسي للاستماع والتلقي والقبول في هذا الموسم المبارك، فالقلوب مقبلة، والآذان مصغية.
- يسر وسهولة التنقل بين الحجيج في مخيماتهم الأمر الذي يساعد على نشر الدعوة، وتبليغ كلمة الله.
والدعوة في موسم كهذا الملتقى الكريم والتجمع العظيم، لا تقتصر على الموظفين من قِبَل الجهات الرسمية، من وعاظ وأئمة وخطباء فحسب، وإن كان دورهم هو الأكبر، إلا أن دائرة الدعوة تبقى أوسع من ذلك لتشمل كل مسلم، وكل بقدر استطاعته، مع مراعاة الظروف والأحوال والأساليب المناسبة.
والدعوة في الحج تبدأ قبل وصول الحجاج إلى المشاعر المقدسة، بل وقبل تحركهم من بلادهم، ويمكن تقسيمها إلى عدة مراحل:
- الدعوة قبل الوصول: وذلك من خلال التنسيق مع الجهات الدعوية والمؤسسات والمراكز الإسلامية، إضافة إلى تكليف بعضِ الدعاة في البلدان المختلفة بمرافقة الحجاج القادمين من بلدانهم وتعليمهم والقيام بتوعيتهم.
- الدعوة في المنافذ البرية والجوية والبحرية: من خلال خدمة الحجاج وتيسير أمورهم، وحسن استقبالهم، وتسهيل إجراءات دخولهم، واستغلال أوقات انتظارهم بالنافع المفيد والتوجيه الرشيد، وتزويدهم بالحقائب الدعوية.
- الدعوة أثناء تنقل الحجاج بين المشاعر والأماكن؛ حيث إن الكثير من الأوقات تضيع دون استغلال، وهنا يأتي دور أصحاب حملات الحج والمقاولين والمطوفين في اختيار أشخاص أكفاء ومؤهلين سواءً من السائقين أو غيرهم من أجل النصح والتوجيه، وتذكير الحجاج.
إضافة إلى التركيز على سائقي الحافلات، من خلال إقامة دورات تأهيلية لهم قبل موسم الحج من أجل أن يكونوا دعاة خير، ويقدموا الصورة المشرقة لأبناء الإسلام.
- الدعوة في المخيمات والمساكن، حيث يبقى الحجاج فترات طويلة، وهم مهيؤون للسماع والقبول، فلا بد من برامج لتنظيم الوقت واستغلاله.
إضافة إلى دور العاملين في الفنادق، وما ينبغي أن يكونوا عليه من وعي والتزام ومسؤولية، حتى يؤدوا دورهم الصحيح، ويعطوا انطباعاً جيداً.
- الدعوة في المساجد، وفي مقدمتها المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما من المساجد، التي تمتلئ بالمصلين في هذا الموسم، وقد يكون بعضهم ممن لم تتهيأ له الظروف لارتياد المساجد من قبل، فموسم الحج فرصة سانحة لدعوته ونصحه وإرشاده، ليراجع نفسه ويعود إلى الله.
- الدعوة في الأسواق التي تكتظ بالناس في هذا الموسم من الحجاج وغيرهم، وهي أماكن يغلب عليها الغفلة، ويجتهد فيها الشيطان وأعوانه، لصرف الناس عن مراقبة ربهم والتزام حدوده، فوجود صوت للدعوة في مثل هذا الأماكن له أهميته وأثره، وننوه هنا بدور رجال الحسبة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وما يبذلونه من جهد نافع وعمل مشكور.
وسائل الدعوة في الحج
ومن وسائل الدعوة في الحج التي ينبغي الاعتناء بها وضـع اللوحات التوجيهية، والملصقات التي تحمل عبارات الترحيب والوداع باسم الجهات والمؤسسات الدعوية، والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا الجانب.
ومنها أيضاً الاعتناء بترجمة الكتب والمطويات التي تبين الإسلام وأصوله بأسلوب سهل واضح، وتوزيع دليل الحاج بعدة لغات، يتضمن أرقام هواتف الجهات الدعوية والخدمية الهامة، وأرقام هواتف طلبة العلم والدعاة، ولابــد مـن تـضمنه أرقام هواتف بعض الدعاة الذين يتحدثون بلغات مختلفة، والإشارة إلى اللغة التي يتحدث بها كل منهم.
ومنها الاعتناء بالعمل الميداني، وتكليف دعاة ميدانيين للرجال، وداعيات ميدانيات للنساء يُجيدون التحدث بلغات مختلفة، ويُتقنون فن مخاطبة الناس وكسب قلوبهم، يتجولون في مدن الحجاج بالسيارات وعلى الأقدام، بحيث تكون مهمتهم التعليم المباشر للحجيج، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومنها الإكثار من مكاتب الإرشاد الشرعي الصغيرة في مدن الحجاج والمواقيت بقدر المستطاع؛ مع أهمية تخصيص بعضٍ منها للرجال وأخرى للنساء.
ومنها العمل على إيجاد قنوات إرشادية وتواصلية داخلية في منطقة المشاعر، تبث بلغات مختلفة، ليقوم من خلالها العلماء والدعاة بتوجيه الحجيج، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم.
كانت تلك لمحة سريعة ومختصرة حول الدعوة في الحج وبعض وسائلها، سائلين الله أن يهدي ضال المسلمين، ويعلم جاهلهم، ويتقبل منهم مناسكهم.
—–
المصدر: نسك/إسلام ويب.