القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

الحكمة من خَلق البشر

الحكمة

من عظيم صفات الله تعالى “الحكمة”.


لقد خلق الله الكون ومافيه، وسخره لخدمة الإنسان الذي كرمه الله وأحسن خلقه وتقويمه، فكل مافي الكون من مخلوقات تـشهد على عظمة الخالق وعلى أنه بحق يستحق العبادة، وأنه لم يخلق شيئاً عن عبث وإنما له حكمة في كل شيء.

أولاً:

من عظيم صفات الله تعالى “الحكمة”، ومن أعظم أسمائه تعالى “الحكيم”، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة، ومصالح راجحة عميمة، عَلِمَها من عَلِمها، وجَهِلها من جهلها، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً، فقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ). المؤمنون/116، وقال سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء/16، وقال عز وجل:(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان/38، 39، ويقول سبحانه وتعالى: (حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/1 – 3.

وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً – من ناحية العقل، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين؟!

ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه، ونفاها الكفار، قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/190، 191، وقال تعالى– في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص/27.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:

“يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلاً، أي: عبثاً ولعباً، من غير فائدة ولا مصلحة. ذلك ظن الذين كفروا  بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. فويل للذين كفروا من النار فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته، وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر، ولا يظن الجاهل بحكمة الله، أن يسوي الله بينهما في حكمه، ولهذا قال: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا” انتهى. “تفسير السعدي”  ص712 .

ثانياً:

ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر، فيكون بذلك كالبهائم، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) محمد/12، وقال تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الحجر/3 , وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة، فهذه العين للنظر، وهذه الأذن للسمع، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه؟!

ثالثاً:

وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض، والحياة والموت للابتلاء والاختبار، ليبتلي الناس، مَنْ يطيعه ليثيبه، ومَنْ يعصيه ليعاقبه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) هود/7، وقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك/2.

وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته، مثل اسم الله تعالى “الرحمن”، و “الغفور” و “الحكيم” و “التوَّاب” و”الرحيم” وغيرها من أسمائه الحسنى. ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلها – وهو من أعظم الابتلاءات -: الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56.

قال ابن كثير رحمه الله: “أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون، أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس  إلا ليعبدون، أي: إلا للعبادة” انتهى. ” تفسير ابن كثير” (4/239).

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “فالله تعالى خلق الخلق لعبادته، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وأمرهم بذلك، فمن انقاد، وأدى ما أمر به، فهو من المفلحين، ومن أعرض عن ذلك، فأولئك هم الخاسرون، ولا بد أن يجمعهم في دار، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء، فقال: (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) أي: ولئن قلتَ لهؤلاء، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت، لم يصدقوك، بل كذبوك أشد التكذيب، وقدحوا فيما جئت به، وقالوا: (إن هذا إلا سحر مبين) ألا وهو الحق المبين” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 333).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

مواضيع ذات صلة