تحقيق: فوزية المحمد
أصبح تطوير الخطاب الدعوي في مفرداته ومعطياته ضرورة ملحة لإيصال هدف ورسالة الدعوة لعموم الناس على اختلاف أفهامهم، وقدراتهم العقلية والذهنية، واختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية. وبات هذا التطوير في الخطاب الدعوي أمراً واجباً على من يتولون مسؤولية هذه الوظيفة المهمة، وهذا العمل الإسلامي لكل من يحمل همّ الدعوة إلى الله..
وللوقوف على أبرز ملامح الخطاب الدعوي الذي نحتاج إليه في إيصال الدعوة إلى الله وإلى كل أحد من الناس، بالنظر إلى التطور التقني الهائل في وسائل الإعلام والاتصال.. شارك عدد من الدعاة والمشايخ في التحقيق التالي لتسليط الضوء على تلك الأبعاد.
في البداية تحدث الشيخ الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المساعد للشؤون الإسلامية يقول: عندما نقول الخطاب الإسلامي فإننا نقصد كل ما يصدر على أسس فكرية إسلامية من خلال الدعاة والمفكرين والمثقفين والوعاظ والمرشدين، سواء كان شفهياً أم كتابياً، سواء كان في المساجد والجوامع، أم في قاعات المحاضرات والندوات، أم في قاعات الدراسة والتعليم، والخطاب الإسلامي أشمل من الخطاب الدعوي؛ فالخطاب الدعوي هو أحد تجليات الخطاب الإسلامي الذي يشمل جوانب أخرى من المقالة في الجريدة إلى القصة والشعر إلى البحث العلمي وهكذا.
تجديد الشيء هو إعادة نفس الشيء ليصبح جديداً مرة أخرى، فهناك فرق بين التجديد والجديد؛ فالجديد هو الشيء المبتكر، أما التجديد فهو إعادة نفس الشيء (أي مع احتفاظ هذا الشيء بالسمات الأساسية له)؛ ليصبح وكأنه جديد وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يُبعث لهذه الأمة من يجدد لها الدين في رأس كل مائة سنة (رواه أبو داود في سننه)؛ فالتجديد بمثابة التخلص من كل الشوائب التي تعلق بالشيء وإعادته إلى وضعه الأول ليعود وكأنه جديد.
مواجهة التحدِّيات
والبعض يستخدم لفظ “إحياء” أو “تطوير” وهذا ليس مناسبا؛ فالمصطلح الإسلامي في حديثه -صلى الله عليه وسلم- هو التجديد وبالتالي فهو الأنسب، كما أن مصطلح تطوير يشتمل إحداث إضافات، وتطوير الشيء قد ينطلق من نفس سمات هذا الشيء ولكنه قد يصل إلى شيء مختلف عن الشيء الأصلي، أما الإحياء فيشير إلى بعث شيء قد مات، أو تعطله لدرجة تشبه الموت وتتضمن إعادة الحياة له لكنه لا يشترط إعادته إلى وضعه الأصلي ليعود كما لو كان جديداً·
فالخطاب الإسلامي السائد حالياً يعاني من عدم القدرة على مواجهة كل التحدِّيات التي تواجه الأمة سواء من ناحية الموضوع أو الأساليب أو الأدوات، فهو خطاب محدود على عدد معين من القضايا ولا يتطرق لقضايا جديدة بدأت تفرض نفسها على الأمة مثل قضايا الإرهاب والتخلف الاقتصادي والتغريب؛ فهذه قضايا لها أبعاد فكرية لم يتم مناقشتها على ضوء الرؤية الإسلامية؛ لذا انقسم المجتمع إلى قسمين ليس بالضرورة متماثلين من الناحية العددية قسم تقليدي محافظ وهو الغالبية وقسم متحرر، وطبعاً داخل كل قسم من القسمين الأساسيين هناك درجات في مستوى المحافظة والتحرر، فقد تصل المحافظة إلى رفض كل مستجدات العصر·
الخطاب الانفعالي
وقد يصل التحرر إلى درجة الإلحاد!! وهذا ناتج عن أن الخطاب الإسلامي إما تقليدي محدود بقضايا معينة وبالتالي لا يقدم الأجوبة الكافية لقضايا أخرى أو خطاب انفعالي يعالج القضايا المطروحة؛ ولكن بأسلوب منفعل يميل إلى الشحن والتعبئة، وغالباً ما يتميز الخطاب الانفعالي بعدم إدراك كامل للمفاهيم المعاصرة، لقد أدى هذا الخطاب الانفعالي كما قلنا إلى الشحن والتعبئة وهذه استفاد منها الداعون إلى التطرف والإرهاب، الخطاب الانفعالي يميل إلى تبسيط قضايا معقدة من خلال رفع مستوى النقاش حولها إلى مستوى الحلال والحرام وهي قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية لا تناقش على مستوى الحلال والحرام، بل تناقش على مستوى المصالح والمفاسد، وكما هو معلوم من الناحية الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا تساوى مقدار المفسدة مع المصلحة أما في حالة رجحان المفسدة فلا شك أن الدرء لا اختلاف عليه، أما إذا رجحت المصلحة فلا شك أن الشرع جاء لتحقيق المصالح للفرد والمجتمع، وقد قام كبار العلماء بتوضيح هذا للناس، ولكننا بحاجة إلى الداعية.
تطوير الخطاب التقليدي
والمحاضر والكاتب والشاعر والأديب والقاص والاقتصادي والسياسي والمفكر الذي ينطلق من أسس الإسلام التي أوضحها العلماء ليعالج كل قضايا العصر بعيداً عن التبسيط الذي اعتاد عليه أصحاب الخطاب الإسلامي الانفعالي· وقال: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ماضية في محاربة الخطاب الدعوي الانفعالي وتطوير الخطاب التقليدي من خلال عدة برامج منها برنامج زيارات الوزير والتقائه بالأئمة والخطباء والدعاة في كل منطقة من مناطق المملكة ومنها برنامج العناية بالمساجد الذي تشكلت على أثره لجان شرعية في كل منطقة من مناطق المملكة تراقب وتحاور الأئمة والخطباء وصولا لرفع مستواهم، ومنها الدورات التي تقام للدعاة والأئمة في معهد تدريب الأئمة والخطباء، ومنها دورات تطوير الأداء الوظيفي والابتعاث للحصول على درجات الماجستير والدكتوراه، ولكن الخطاب الدعوي هو جزء من الخطاب الإسلامي العام يؤثِّر ويتأثر به، وعموماً يظل للدعاة والأئمة وخصوصاً خطباء الجمعة دور مهم عليهم القيام به لتجديد الخطاب الإسلامي.
وقال: أبرز ثمار هذا التجديد سيكون عودة الناس الكاملة للإسلام عقيدة وشريعة؛ وهذا ناتج عن إدراك الناس للإسلام وشموليته واتساعه وصلاحيته لكل زمان ومكان وسيؤدي إلى حماية الأسس والثوابت التي يقوم عليها المجتمع وبالتالي إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي والفكري اللازم لنمو المجتمع وتقدمه ليصبح المسلمون خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقومون بدورهم الإنساني العالمي دور الأمة الوسط التي جعلها الله شهداء على الناس بتقديمهم النموذج الذي يقتدى به، ناهيك عن تحقيق سعادة الإنسان في الحياة الأبدية·
ملامح الخطاب
الشيخ صالح بن يوسف الزهراني مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بمكة المكرمة قال: “إن أبرز ملامح الخطاب الدعوي المعاصر، وهي الاستدلال الواضح من الكتاب والسنَّة، واختيار العبارات والألفاظ المناسبة، والشفافية الواقعية من المتحدث، واستغلال الأحداث الموجودة في كل وقت وحين، ومعالجة الأمور في وقتها، والاختصار وعدم الإطالة في الحديث للمستمع، فإن قصر الخطبة وتطويل الصلاة دليل على فقه الخطيب، وعدم الانفعال أو التشهير بالأشخاص، واختيار الوقت المناسب للمدعوين· وطالب الشيخ الدعاة بأن يتسلحوا بالعلم باعتباره سلاح الداعية، والعمل بهذا العلم· فالداعية إلى الله تعالى قدوة حسنة يجب عليه أن يطبق ما تعلم، كما عليه أن يتحلى بالصبر على كل ما يواجهه من الصعوبات والعقبات، وأن يحرص على الرفق في الأمور وعدم التسرع “فما كان الرفق في شيء إلا زانه”، والحلم على الناس والعفو عن سيئهم، والصدق والوفاء بالوعد، وهذا من أخطر الأمور التي تؤخذ على الدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ·
وأكد الشيخ: على وجوب أن يكون الداعية إلى الله تعالى قدوة حسنة، مبيناً أن قدوة كل داعية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}؛ فالداعية قدوة بعمله ومظهره، وكلامه، وحركاته، وسكناته، وبخلقه الحسن· فليحذر كل من انتسب إلى هذا الميراث النبوي من أي مخالفة، فإن زلة الجاهل بزلة واحدة، وزلة العالم يقع فيها آلاف من الناس، “فمن سن في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى قيام الساعة، ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة”، وقال: “إن الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ هي وظيفة الأنبياء والرسل”.
أسس الدعوة
وأضاف: لقد أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين بالدعوة إلى الله تعالى، فقال سبحانه: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
وقال: إن الآية الكريمة توضح الأساليب التي ينبغي للداعية إلى الله تعالى أن يسلكها، فأولها الحكمة {وَمِن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، فبعض الناس يحتاج إلى الحكمة فقط وسيستجيب بإذن الله تعالى لقول الداعية، والقسم الثاني من الناس من يحتاج إلى الموعظة، وكم من واعظ ببلاغته وأسلوبه الدعوي انتفع به كثير من الناس، وأعظم ما يعظ الداعية لكلام الله تعالى {وَعِظْهُم بِهِ} أي بالقرآن الكريم ثم بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالترغيب تارة والترهيب أخرى ليصلح حال كثير من الناس.
وأما القسم الثالث فهم من يحتاجون إلى المجادلة، ولكن بالتي هي أحسن، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، فينبغي للداعية أن يستعمل هذه الأساليب ويستعمل كافة الوسائل المتاحة للدعوة إلى الله تعالى· وحث فضيلته القائمين على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في المدن والمحافظات بأن يضاعفوا الجهد لتقوية الدور الاجتماعي والعلاقة بين هذه المؤسسات الدعوية والمجتمع، وذلك بعقد لقاءات دورية بين المسئولين في المكتب وبعض أفراد المجتمع، وعقد دورات تأهيلية لبعض أفراد المجتمع، والاستفادة من الأئمة والخطباء في الحي، وأن يقوم القسم النسوي في المكتب بدوره الإيجابي نحو العمل الدعوي بين النساء فهن شقائق الرجال، وتقوية الروابط بين المكاتب والجهات الحكومية ذات الصلة وعقد لقاءات مع المسئولين عن هذه الجهات ليكون العمل متكاملاً دعوياً وأمنياً واجتماعياً وتعليمياً.
وقال: إنه يجب على الداعية إلى الله تعالى تبليغ دين الإسلام بالأساليب المتاحة له لاسيما وأنه وجد في هذا العصر من الأساليب العصرية المختلفة، فإن لم يستغلها الدعاة إلى الله تعالى في نشر الخير للأمة استغلها أهل الشر في نشر باطلهم، فمن الأساليب والوسائل التي ينبغي استغلالها في هذا العصر: أسلوب الحوار، وأسلوب المناصحة، وأسلوب الترغيب والترهيب.
التعاطي مع كل الحالات
الشيخ عبدالواحد المزروع مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالدمام يقول: على الدعاة أن يركِّزوا على ما يعيشه الناس، وأن يبحثوا عن القضايا التي تشغل المجتمع فيتناولونها عبر الطرق الشرعية المقررة، وأن يقوم الدعاة بواجبهم تجاه المحتاج من المسلمين وغيرهم، ولا شك أن أفهام الناس تختلف، بل وانتماءاتهم وربما كان بعضهم ذا هوى، والواجب على الداعية أن يتعاطى مع كل حالة بحسبها، لا أن يعم المستفيدين كلّهم بخطاب واحد يستوي فيه المتعلم والجاهل، والكبير والصغير، بل كل بحسب حاله، وفي الأثر “حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله”·
ولذا فإن من الواجب على الداعية مداخلة الناس ومعرفة همومهم وأحوالهم حتى يجد البيئة المناسبة لينطلق وليتقبله من يستمع له، لا أن يتحدث من برج عاجي وبنبرة مخملية لا يفقهها كثير من المستفيدين.
التوافق مع إدراك الناس
يؤكد الشيخ علي بن إبراهيم الرويغ مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بحوطة بني تميم: بأنه لا بد أن يكون الخطاب الدعوي متوافقاً مع أفهام الناس وقدراتهم في الفهم والإدراك، ومراجعة الخطاب الدعوي مظهر من مظاهر الرشد وإمارة من إمارات الوعي، وليس المراد بذلك تحريف الدين وتبديله أو التنازل عن شيء من أحكامه أو تذويب الأحكام الشرعية وتمييعها أو تطويعها للواقع وضغوطه، ومن أبرز ملامح الخطاب الدعوي الضرورية: ترتيب الأولويات والتأصيل الشرعي للمواقف والقضايا، والتفريق بين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ، والوضوح في الطرح والبعد عن الغموض والتعقيد، ومراعاة الظروف والأحوال خاصة فيما له تأثيرٌ في الأحكام، والصراحة في معالجة المنهج المنحرف والفكر المتطرف بكلمة واضحة وأسلوب جازم، واحترام الرأي الآخر والطرف الآخر أياً كان مذهبه ودينه·
لغة الخطاب الدعوي
الشيخ دخيل بن عبدالكريم القبلان مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات ببقعاء يقول: إنه لا بد أن تكون لغة الخطاب الدعوي سهلة الوصول لفهم المستمع بلا تعقيد أو لبس لتسهل استجابته لها، كما في الأثر عن علي -رضي الله عنه-: “حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله”، وهذا يؤكد على الداعية الاهتمام بمعرفة الوسط الذي يباشر فيه الدعوة، وأسلوب تفكيرهم، وأبرز جوانب التقصير عندهم، ليكون طرحه ملائماً نافعاً بإذن الله تعالى.. أيضاً يتجنب الداعية الخوض في مسائل الخلاف بين الفقهاء إلا لطلاب العلم؛ لأن العامة يسيئون فهم الخلاف، ويظنونه رخصة للعمل بكل الأقوال ولو كان بعضها مرجوحاً أو ضعيفاً، وكذلك يبتعد عن لغة الإقصاء كقوله: “فلان علماني”، أو “فلان فاسق”؛ لأن هذا ينفر عن دعوته، حتى ولو كان هؤلاء يستحقون تلك الأوصاف، ولنا في دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي بال -أجلكم الله- في المسجد.. لنا في ذلك القدوة الحسنة، حتى قال له بكل رفق: “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عزّ وجلّ، وقراءة القرآن”، ومن شدة فرح هذه الأعرابي بهذه الحكمة وهذا الرفق، قال: اللهم اغفر لي ومحمداً ولا تغفر معنا أحداً!! وبالجملة على الداعية أن يقدر المصالح والمفاسد في خطابه الدعوي، ويوازن بينها، قال النووي -رحمه الله- تعليقاً على هذا الحديث: “وفيه ترك بعض الأمور المختارة، والصبر على بعض المفاسد خوفاً من أن تترتب على ذلك مفسدة أعظم منه”، وقال ابن تيمية -رحمه الله- : “فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً تحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به، بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته، لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة”.
التفكك والفردية
وصف الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة: الخطاب الديني الحالي بالتفكك والفردية، مؤكدا أن تجديد الخطاب الديني ضرورة فطرية وبشرية حيث يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات· وقال: إن أي نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي والتي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واعٍ ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة، ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها.
وأشار الشيخ إلى أن رفض تجديد الخطاب الديني يعني إما الجمود، أو الذوبان والإطاحة بحق الشريعة والحياة، ونادى دعاة التجديد إلى أن ينتقلوا من ضيق الرأي والمذهب والجماعة إلى سعة الشريعة من أجل تجديد الاجتهاد الإسلامي وتيسيره.
ووجه إلى أهمية إعادة هيكلة الخطاب الديني، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى إعادة تأهيل لأنه كان يركز على رؤية محلية شديدة ويتجاهل قضايا المليار مسلم في خارجها. وشدد العودة على أن أبرز ما يحتاج إلى التعديل فيه هو تربية الشباب على فقه الخلاف·· مشدداً على أن أدب الحوار مع الآخرين كبير وخطير فالخلاف بين الناس أمر طبيعي مشهور وللخلاف في أمور الدين والشرع أسباب كثيرة، منها أن دلالة بعض النصوص الشرعية ظنية، وليست قطعية فتحمل أكثر من اجتهاد في تحديد معناها لاختلاف العقول والإفهام وتفاوت المدارك وتفاوت العلم فهذا عالم، وهذا أعلم، وهذا أقل· قال تعالى: {وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلمٍ عَلِيمٌ} وكذلك عدم بلوغ الدليل؛ فيقول العالم القول ولو بلغة الدليل في المسألة لما قال به الهوى والتعصب لقول، أو مذهب، أو رأي. وأوضح الشيخ: أننا بحاجة إلى أن نحاور أصحاب المذاهب والنظريات والأديان الأخرى فالحوار وسيلة من وسائل الدعوة.
تجديد الدين
وذكر د.العودة: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” (أخرجه أبو داود والحاكم وصححه)، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الدين نفسه وأضاف: الخطاب الديني جزءاً من هذا الدين وتجديده والذين يقومون بعمل هذا التجديد جاءوا بلفظ (من) فهو عام يشمل الفرد والجماعة، وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها والانفتاح العالمي وتضخم الخلل الموجود في واقعها فإن هذا العمل التجديدي ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدواراً مختلفة وتخصصات علمية متباينة وحقولاً معرفية كلها تنتهي عند مصب المصدر الأصلي (الشريعة)·
وبيَّن الشيخ أن هناك فرقاً بين الخطاب الديني والوحي المنزل في كثير من الحالات لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانات الإنسان وقدرته وطاقته؛ فهو مثل خطاب الفقهاء والوعاظ والمصلحين الذي يمثِّل اجتهاداً من عندهم. ومفهوم (تجديد الخطاب الديني) يتنازعه طرفان:
الأول: فئة تتحدث عن تجديد الخطاب الديني وهي تصدر من منطلقات غير دينية، وأعتقد أنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني من خارج هذا الخطاب الديني نفسه سواء بظروف محلية أو عالمية.
الثاني: بعض القوة الإسلامية الخائفة التي اشتد بها الخوف فإذا سمعت مثل هذا اللفظ ترامى إلى أذهانها أنها مؤامرة لتحريف الدين أو لتغيير الخطاب.
المصدر: مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية.