أ.د. خالد المشيقح **
الشباب طاقة متوقدة وعماد تقوم عليه أركان الدعوة بعد العلماء الربانيين, إلا أن الكثير من التساؤلات تدور حول الهموم الدعوية لدى الشباب.!، منها ما نجده من أن الشاب يكون في قمة نشاطه الدعوي، ثم نفاجأ بعد وقت قصير بتصدع هذه الهمة، فيتلبس الشاب الفتور وتتغير همته؟
وهذا ما يجعلنا نتساءل باهتمام عن أسباب ذلك، وعن العوامل التي يمكن أن تعينه على الثبات؟ ونتساءل أيضًا عن دور العلماء والمؤسسات الدعوية في الحد من هذا التراجع؟, وكيف يمكن أن يطور الشاب نفسه؟
بالإضافة إلى العديد من الأسئلة التي تدور حول هذه القضية.
الهم الدعوي في عيون الشباب
في البداية كان لنا شرف مشاركة بعض الشباب – والذين اخترناهم كعينة عشوائية – لطرح هذه التساؤلات عليهم.
حيث رأى البعض منهم أن الهم الدعوي موجود لدى الشباب بشكل عام، يقول الأخ ع.ع: ” الهم الدعوي موجود وبقوة لدى الشباب”.
فيما يرى الأخ ن.د (والذي فصل الحالة أكثر) أن ذلك الهم: ” يختلف باختلاف الحال والمكان والزمان “.
وحول حجم الوقت المخصص لهذه الدعوة قال الأخ م.س: ” يتفاوت حجم الوقت من شخص لآخر لكنه بشكل عام، ليس بالحجم الملائم لما يختلج في الصدر من همه”.
في حين قال الأخ ن.د: ” الدعوة لا تفارق المسلم في أي وقت من الأوقات، لأنه إذا رأى المنكر فلابد له من تغييره، وهذا من باب الدعوة المجملة. أما الدعوة على وجه الخصوص فإنه – الوقت – يختلف باختلاف العمل، وعلى كل حال فإن ساعة واحدة على الأقل قد تكفي في اليوم الواحد”.
تراجع غير مسبوق
واستكمالا للموضوع، فقد طرحنا هذه التساؤلات على بعض المختصين في مجال الدعوة.
وكان من أولهم الشيخ جماز الجماز الذي رأى أن بروز ظاهرة تراجع الهم الدعوي لدى فئات الشباب، ظاهرة لم يسبق لها مثيل، وتابع بالقول: ” لم تبرز ظاهرة التراجع عن الدعوة على نحو من بروزها في العصر الحديث بمثل ما نرى أو نسمع، والذي حدث لبعض الشباب، هو انشغال في دروب الدنيا ومتاهاتها، حتى وصل بهم الأمر إلى نسيان الدعوة والتربية والتعليم”.
ويتابع الشيخ بالقول: “وليت الأمر وقف عند هذا، بل أدى تكاسلهم إلى ترك بعض الفرائض، وارتكاب بعض المحرمات، فضلًا عن التخلي عن النوافل، مع أن الغريب في الأمر أن يبقى المظهر العام كما كان من قبل، بل قد يكون مسؤولا عن عمل خيري في مؤسسة دعوية، أو إمامًا أو خطيبًا “.
وحول وجود هذا الهم في حياة الشباب خلال هذه الفترة الحالية التي تشهد خلالها الأمة أزمة خانقة، قال الأستاذ عبدالله العجلان: ” إن ما نراه اليوم من تجمعات ومشاريع اجتماعية وتربوية وصحوة علمية في صفوف الشباب ما هو إلا واقعا يدل على إفاقة عقبت زمنا من الركود”.
وأضاف قائلا: “معلوم ما يصحب الشباب من حماس وتضحية وبذل وهذا له أثره الطيب حين يجد التوجيه السليم والرؤية الراشدة”.
العوامل المساعدة لثبات الشباب
بين الشيخ الجمّاز العوامل المعينة والمساعدة في ثبات الشباب خلال دعوتهم إلى الله تعالى بالنقاط التالية:
– معرفة أسباب التراجع عن الدعوة، ثم إزالتها والحرص على تخطيها.
– الصبر على مرارة العلاج، مع المواصلة دون الانقطاع.
– استشعار أن بينك وبين عامة المسلمين فرقا؛ فأنت قدوة لغيرك، شئت أم أبيت، بل واجب الدعوة متعيّن عليك.
– العزم الصادق في التغيير من حال نفسك.
– تربية نفسك تربية ذاتية، وتزكيتها بالطاعات، وتنقيتها من الذنوب، وترقيتها بطاعة الله، وتعليتها بالعلم النافع والعمل الصالح.
– ابتعادك عن المجالس واللقاءات التي كانت سببا في تراجعك.
– اهتمامك بجوانب النقص في شخصيتك العلمية أو التربوية أو الدعوية والتي كانت سببا في ضعف همتك وتفريطك، والسعي لعلاجها.
– أخذ نفسك بالجدية، وترك الترخص والتساهل والتمييع.
– مراجعة نفسك لبعض القضايا التي فتحت عليك باب التراجع مثل (السفر للخارج للسياحة أو ارتياد الأماكن العائلية المختلطة أو عدم انكار المنكر في سلطانك أو أماكن تنزهاتك أو التوسع في المباحات أو التهرب من جميع أنواع المسؤولية أو البخل بالنفقة في أمور الخير أو إهمال تربية وتعليم الزوجة والأولاد فيكونوا أعداء لك أو تبريرك لأخطائك أو إلقاء التبعات على الآخرين وما يشابهها كثير).
– أن يكون عملك واضحا وهدفك محددا، وأولوياتك مرتبة، واعلم أن فقدت في سنين، لا يستعاد في أيام.
– ألا تلتفت إلى تراجع غيرك من الشباب والدعاة والمربين، وتسوّل لنفسك التراجع، واستشعر مسؤوليتك أمام الله قال تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) الآية.
– ابحث عن العمل المناسب، والمكان المناسب، والزمان المناسب، فهناك علم وهناك دعوة وهناك تربية وهناك إدارة وهناك جهاد وهناك مؤسسات دعوية وأخرى احتسابية وأخرى خيرية وأخرى إغاثية، مجالات لا تعد ولا تحصى، فضع نفسك في المكان المناسب، وما يدريك أن سبب تراجعك هو عملك السابق.
– ابتعد عن الذنوب، صغيرها وكبيرها، واستحضر آثارها القبيحة، فهي حبّالة الشيطان ليقعدك عن العمل وأنت لا تدري، فأحذر تسلم.
– اعرف الحق بالرجال، فالحق يؤخذ من كل أحد، فاجعله قائدك ودليلك، والرجل لا تؤمن عليه الفتنة، فإذا فقدته الدعوة لأي سبب كان، استمر أنت على عملك. فبعضهم يموت وبعضهم يرحل وبعضهم ينقطع خبره. وليس الحق دومًا عند رجل لا تعداه.
عوامل أخرى مساعدة
فيما بين الأستاذ العجلان أن المشاركة في البرامج الدعوية بمعناها العام هي في حد ذاتها معين على الثبات وكذلك القرب من أهل العلم ودعاء الله بالثبات مع اقترانها بالنية الصادقة وعدم إغفال فهم طبيعة الدعوة وشموليتها لجوانب الحياة مما يؤدي لربط صحيح بين مسائل الدنيا والآخرة فيقول أن من بين العوامل:
– الانخراط في برامج تربوية وتوجيهية.
– اتخاذ صحبة صالحة شعارها التعاون على البر والتقوى واستثمار الأعمار.
– القرب من أهل العلم والفضل والرأي والتجربة.
– المشاركة في مشاريع فاعلة ومؤثرة في توجيه المجتمع.
– التضرع إلى الله بالثبات وصلاح النية والعمل.
– تأمل سير السابقين والمجددين عبر العصور من علماء ومصلحين.
– الفهم الشمولي للدعوة والعمل الخيري وكلما كنا أكثر أفقًا فإننا نخرج من الشتات الفكري وتضارب الرأي.
– الربط الصحيح في مسألة الدنيا والآخرة، فحين بتحقق التوافق بكون الدنيا بكافة ألوانها ما هي إلا طريق لباب الجنة فإننا نسلم من حالات التساقط الدعوي الذي نشاهده ويصل أحيانًا إلى نكسة عكسية سببها سوء الفهم.
– التوازن في قضية الدعوة كرسالة وبين الواجبات والحاجات الأخرى، فمثلًا كل ما كان الداعية والمربي مستقرًا عائليًا فالمتوقع أن يستمر عطائه الدعوي، بينما حين يفرط في واجبه الأسري كأب أو زوج…. الخ، فإنه سيجد الضعف واليأس والشك يدب إليه فوقته مشغول وأسرته ضائعة وعلاقاته مهدده لاشك أن السبب انعدام التوازن والأخطر حين نورث جيلًا غالبيته بين إفراط وتفريط.
أسباب الفتور في العمل الدعوي
آراء الشباب:
وحول الأسباب المؤدية لهذا الفتور في الدعوة والتراجع عن الهم الدعوي لدى الشاب المسلم يقول الشاب ن.د:” أرى أن عدم ارتباطنا بعمل مؤسسي وقصر الدعوة على العمل الفردي من أهم الأسباب المؤدية للفتور وخاصة أننا نستعجل ثمرة أعمالنا لما يعترينا من قلة الخبرة في هذا المجال”.
ويؤيد الشاب م.س هذا الرأي فيقول: ” من الأسباب المؤدية لهذا التراجع الاتكالية عند كثير من الشباب، وعدم العزم على البدء و إن بدأ لا يستمر، وذلك لعدم وضوح الهدف وكذلك لانتهاء الطاقة الموجودة لديه سواء كانت علمية أو غيرها، فيمل ويكل وكذلك الوقتية ونحو ذلك، ومنها تجاهل حاجة الأمة لهذه الدعوة، وتبني مشروعات ليست مناسبة فلا يحسنون توظيف الطاقات الارتجالية في العمل حتى يرى العجز ويرى سهام العشوائية فيتشتت ويترك”.
في حين حمل الأخ ع.ع الشباب المسؤولية فقال: “أرى أن عدم حمل هم المسئولية وضعف الشباب هو السبب لهذا التراجع “.
العوامل المسببة للفتور
يفصل الشيخ جمّاز الجمّاز العوامل المسبب لتراجع الشباب في الدعوة مقسمًا إياها إلى قسمين:
القسم الأول: فيما يتعلق بالقيادة، والقسم الثاني فيما يتعلق بالشاب نفسه، فيقول: “هناك أسباب تتعلق بالقيادة (الحركة، التعليم، المجموعة، المؤسسة، المسؤول)، ومنها:
– ضعف الجانب التربوي عنها عندها لأفرادها إن لم يكن معدومًا.
– عدم وضع الفرد في المكان المناسب، وهذا يؤدي إلى فشل العمل وخسارة العاملين.
– عدم توظيف كافة الأفراد في العمل، فيُركم العمل على شخص أو فئة، ويبقى آخرون بلا عمل، ومع الأيام يشعر الشاب بعدم إنتاجه، بل بتهميشه، فيتراجع إن لم ينقلب.
– عدم متابعة الأفراد، لأن الشباب كغيرهم تمر بهم مصائب شتى ومشكلات، فإذا أُهملوا أصيبوا بخيبة أمل فأحبطوا.
– عدم حسم الأمور بسرعة، فالمشكلة تبدأ صغيرة، ويُهمل علاجها، مما يسبّب تراكم المشكلات والقضايا فيتعطل العمل، بل تتوالد المشكلة أحيانًا، وخاصة إذا كانت تتعلق بشاب مسؤول عن عمل. وحينها قد تنجح الجهود فيثبت الشاب، وقد لا تنجح فيتراجع إن لم يضل.
– الصراعات الداخلية بين العاملين، فهي تسمّم الأجواء وتكهربها، وتفسد علائق الشباب العاملين وتورث الجدل والمراء والنقد الهادم للبناء، فيتفرق الشباب.
– عدم أهلية القيادة، فهي ضعيفة في قيادتها، وعدم قدرتها على الإمساك بالصف، وأحيانًا ضعيفة في إمكاناتها وطاقاتها البشرية والمالية والعلمية والثقافية والفكرية أو بعض منها، فتشبع جانبًا وتهمل جانبًا، فيتراجع الشباب لإشباع المفقود, والطامة أن القيادة تحسن السيطرة على الشاب إذا كان في سن معينة، وثقافة معينة وظرف معين, فإذا تقدم به السن ونمت الثقافة وتغير الظرف, أفلت منها, وصار مبدعًا وليس عندها قدرة على احتوائه ولا الاستفادة منه).
القسم الثاني:
ثم ننتقل إلى القسم الثاني وهي الأسباب المتعلقة بالشاب نفسه فيقول: (وهناك أسباب تتعلق بالفرد- الشاب -، ومنها:
– التغيير لما كان عليه الشاب، كتبديل السلوك وتغيير النوايا وقلب الأوضاع، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: من الآية11), وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال: من الآية53).
– إهمال تزكية الشاب نفسه، وانقطاعه عن مجالس الذكر.
– تقليد الشاب لمن يكبره في جوانب فيها التساهل، ويرى أن ذلك مبررًا لتساهله.
– عدم التوازن في العمل والتربية.
– ضعف التأسيس لهذا الشاب، فلما ظهر أمره وبرز، حطّمه الناس، وحصيلته تكاد تكون مفقودة، مما أظهرت خللا كثيرًا ونقصًا كبيرًا، جعلته يرجع إلى الوراء.
– الوقوع في فتنة الزوجة والولد والمال، وعدم التفطن لخطورة مثل هذه المحبوبات، فغالبًا حبه للزوجة والولد والمال قد يجعله يرتكب الحرام من أجلهم، وحينئذٍ لا تسأل عن دعوته.
– إعجاب بالنفس والغرور وحب الظهور، فلا تراه إلا مزكيًا لنفسه، مادحًا إياها بما فيها وما ليس فيها مطالبًا غيره بالتوقير والاحترام والطاعة، مستعصيًا على النصيحة، وفي كل حادثة أو أمر ما يفتك ذلك بالشاب حتى يهلكه ويسقط في الاختبار، ويعظم ذلك الداء حينما يكون الشاب مفتيًا أو قاضيًا أو علمًا بارزًا، فيرى نفسه في مكان أفضل من غيره، ويتصدر في كل شيء، وما درى أن ذلك قاتله.
– صحبة ذوي الإرادات الضعيفة والهِمَم الدنيئة، بحجة الترويح عن النفس أو دعوتهم، وخلال فترة وجيزة يسري ذلك المرض إليه بالعدوى.
– الوقوع في المعاصي والسيئات، وخاصة الصغائر، كإطلاق النظر إلى الحرام ونحوه، وكل مرة يقول: الحمد لله هي صغيرة تكفرها الصلاة، الصدقة،..,.. وفجأة إذا هو يغصّ بالكبيرة وما درى ذلك الشاب أن الصغيرة مفتاح الكبيرة، إنها سهام مسمومة أثخنت قلبه بالجراح ومزقته تمزيقًا.
– التنصّل من المسؤولية وإلقاء اللائمة والتبعية على غيره، حتى يتفرغ للعمل، وحقيقة الأمر أنه ملّ العمل وأُحبط أكثر من مرة، فكان التنصّل حيلة هشمته في رأسه.
– طبيعة الشاب غير انضباطية، فهو لا يجيد إلا التفلت والتخلص من العمل، وعندما يشعر بالكبت في نظره، يولي دبره خلف ستار كثيف من المبررات.
– الخوف على نفسه من المساءلة أو السجن أو حرمان الوظيفة، أو الخوف على نفسه من الفقر، فتراه ممسكًا ماله لا ينفق منه شيء ولو كان يسيرًا لصالح الدعوة مما أحبط نفوس كثير من الشباب، وزرع الوهن فيها.
– الترف والغلو، فبعضهم يُحمّلون أنفسهم ما لا تطيق، ولا يقبلون التوسط في شيء، وما علم الشاب أن نفسه ضعيفة، فتكون ردة الفعل وخيمة.
– التساهل والترخص، فبعضهم يتساهل في امتثال أمر الكتاب والسنة، فمن تساهل صغير إلى تساهل كبير، ومن تساهل في قضية إلى تساهل في كل قضية، إلى أن يستحوذ الشيطان عليه وعلى أعماله، فيركله ركلة تنسيه دعوته ونشاطه.
– الغيرة من الآخرين، فيرى الشاب أقرانه متفاوتون في القدرات والمؤهلات الشخصية والنفسية والعصبية والفكرية والعلمية والتربوية والدعوية، بعضهم مبدع، وآخر مرموق، وآخر ذكي،… وهكذا، وهو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فيعمد الشاب إلى التسلق، ويدخل البيوت من غير أبوابها، فإما أن ينتقم، وإما أن يقدح في غيره، وإما أن يتفلّت من كل شيء، يظن أن هذا هو الحل.
– ضغط مجتمعه، فلا يسمع الشاب إلا كلمات تروّي عزمه، وتوجيهات تثني همه عن العمل، فضلًا عن الأذية من أبويه أو زوجته.
– تركه للأجواء الإيمانية، كالذي ينتقل من مدينة إلى أخرى فيفقد أخوته ونشاطه أو يُبتعث للدراسة فيقع في الرذيلة.
– ضغط الحركات والتيارات والتوجهات في الساحة الدعوية، فالشاب يعمل ويجدّ، ويفاجأ بمن يشكّك في منهجه، وينقد عمله، أو يُبدّع في دعوته، فيترك الشاب العمل وينكفأ “.
انفتاح أبواب المنكرات
ويلامس الأستاذ عبدالله السبيعي بعض الأسباب الدقيقة المسببة لهذا التراجع فيقول:
“- الفتور الدعوي الشبابي قد تكون له ظروف متعددة.. وقد يستنتج الواحد منا عشرات الأسباب –وفيها الصحيح والضعيف!-.. ويكفينا منها الاطلاع على الصورة العامة، وتحديد الجوانب المؤثرة، مع البعد عن الإغراق في التنظير والتكاثر بذكر الأسباب.
– والشباب جزء من المجتمع؛ فالفتور الديني أو الدعوي العام من أسباب الفتور الدعوي عند الشباب.”
ثم يبين أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا الفتور فيقول:
من أبرز الأسباب باختصار:
1- الفتور العام..
2- الخوف الأمني من قبل الشباب، ووجود تجاوزات من بعض القطاعات الأمنية ضد بعض الأعمال الدعوية.
3- الخوف الأمني من قبل بعض الدعاة، ومبالغته بنقد أعمال العنف تبرئة لساحته البريئة أصلا.
4- انفتاح أبواب المنكرات مع عدم ترتيب الصف الدعوي للبدء بالأولويات.
5- خفوت القيادات الدعوية التي كانت تواجه المنكرات العامة، وانشغالها بأشياء أخرى.
السخرية والتشويه المتعمد
ويرى الأستاذ عبدالله العجلان المسببات المؤدية لهذا التراجع داخلية وخارجية فهناك ضعف المنهجية الدعوية وعدم فهم الواقع الذي تعيشه الأمة وهناك تشويه صورة الأعمال والمشاريع الدعوية وعدم قدرة المشاريع القائمة على استثمار هذه الطاقات بتوجهاتها المختلفة فيقول: (الأسباب المؤثرة والمسببة لتراجع الشباب في دعوتهم متنوعة ومنها:
– ضعف المنهجية الدعوية التي ينتهجها الشاب الداعية.
– وجود بعض التشويه المتعمد والساخر لبعض مشاريع الدعوة.
– ضعف الرؤية الواعية بالواقع والمدركة لما يحسن فعله.
– عدم استيعاب بعض المشاريع لتوجهات الشباب وميولهم الدعوية.
زيادة الجرعات الإيمانية والعلمية
كما يوضح الأستاذ السبيعي أن من الأساليب المعينة لتهيئة المجال للدعوة عند الشباب: (زيادة الجرعات الإيمانية والعلمية)، وهذا مشروع منفرد.
– حماية العناصر الدعوية ذات الأسلوب السلمي من الإيذاء، بالاتصال مع الجهات المعنية، والتفاف العلماء والدعاة والمسئولين الصالحين للاستنكار السريع الساخن مع الحدث، وحماية أي عنصر دعوي يتعرض للإيقاف أو الحبس.
– التفاف الشباب حول العلماء الدعاة، والضغط عليهم لإجبارهم على التفاعل، فإن العالم يتأثر أحيانًا بمن حوله من الطلاب أعظم من تأثره بالدعاة الآخرين.
– تشاور أهل العلم والدعوة في ترتيب الأولويات، لأن التركيز على مشاريع متقاربة يبعث له قوة، والنجاح في مشروع يبعث التفاؤل للبدء في آخر.
-إشراف العلماء على الحركة الدعوية، وإسناد القيادة التنفيذية إلى الطاقات الدعوية النشطة.
– إبراز قيادات دعوية أمارة بالمعروف ونهاءة عن المنكر، وإظهارها في الساحة.
– تكوين المجموعات الدعوية الشبابية، ذات شقين: الدعوة العامة، وإنكار المنكرات، يتم التواصل بينهم للدعوة الإصلاحية المنظمة.
– الإنكار الجماهيري الجماعي المنظم المتزن على منكرات محددة، والدعوة لذلك بوسائل الاتصال المتاحة، فالاجتماع قوة في تغير المنكر المعين، كما هو وسيلة مشجعة للدعوة عمومًا.
– حث العلماء والدعاة والشباب على ترك ما لا ينفع من الخصومات الجانية، وتوجيه الجهد لمقاومة التيار العلماني الإفسادي..، ومن طرق ذلك:
– إبراز الخصم الحقيقي للدعوة، وإحياء روح التحدي والمقاومة في نفوس الشباب.
– نشر قصص الدعوة؛ خصوصًا نجاحات الدعوة الحديثة، أو صبر رجالاتها، عبر الأشرطة والأنترنت والرسائل المكتوبة، أو اللقاءات الشخصية.
– حث الشباب على الالتحاق بهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– تكوين مجموعات شبابية دعوية منظمة لمساندة أعمال الهيئات [الصف الثاني].
– الدعم المالي لرجالات الهيئات؛ نظرًا لتدني الرواتب نسبيًا أو لما يصرفونه أحيانًا ضمن أعمالهم.
التطوير الذاتي.. ودوره في ثبات العمل الدعوي
التقييم الذاتي المستمر:
يرى الأستاذ العجلان أن تطوير الشاب لذاته هو من العوامل المهمة في ثباته في دعوته فيقول: (لا شك أننا جميعا مسؤولين عن تذكير بعضنا البعض بواجب الدعوة والصبر، والمسؤولية الفردية لكل واحد منا تجاه نفسه هي أكبر من سابقتها، وكما هو معلوم الناجحون ينظرون إلى ما يجب عليهم وليس ما يجب على غيرهم وأولى البشر بهذه النظرة الإيجابية هم حملة الدعوة.
فيجب علينا جميعا:
أولا: مجاهدة النفس على مواصلة الطريق والتواصي بالحق والصبر.
ثانيا: التقييم الذاتي المستمر، مع التطوير للتجربة الدعوية وإشراك من يستفيد منهم في العملية التقييمية.
ثالثا: تدارك النفس حين الشعور بالضعف والفتور بمجالسة أهل الثبات والصدق، مع التفاؤل والثقة بالنفس حتى لا نؤتى من قبل أنفسنا، فحين نثق بقدراتنا فإننا ولا شك سنقدم نموذجًا يقتدى به في المشروع الدعوي والثبات عليه.
رابعا: الاستفادة من الآخرين فالحكمة ضالة المؤمن خصوصًا في جانب تطوير الذات وصقل الموهبة واكتساب القدرات والمهارات.
مسافر في طريق الدعوة
كما يحث الشيخ الجماز الداعية الشاب إلى الرجوع لكل ما ينمي قدراته الدعوية وعلى المنهجية الدعوية فيرسل بعض الوصايا ويقول: (يجب أن يسعى الشاب إلى (الإيجابية في حياة الدعاة)، و(يحرص على فاعلية المسلم المعاصر)، ويطلب (الهمة العالية)، ويحذر من الكسل (حتى لا يكون كلًا)، ويحذر من خلق (الفوضوية في حياتنا) والتي نعيشها ونمارسها، ووصيتي لك بـ (الماس الذي نريده)، وجدد العهد بـ (الرقائق)، وأكثر من السؤال (كيف تطيل عمرك)، واحذر أن تكون ممن عناهم صاحب رسالة (عجز الثقاب), واطّلع على (العوائق) لعلك تتجاوزها، وابحث عن تشخيص بعض مرضك في (ظاهرة ضعف الإيمان) و(الفتور مظاهره وأسبابه وعلاجه)، وأكثر من مطالعة (آفات على الطريق) في التشخيص الدقيق والعلاج المفيد وجدد العهد بـ (الآخرة) واجتهد في (الثبات)، قم انطلق بـ (29 وسيلة دعوية) و(46 طريقة لنشر الخير في المدارس) و(فتح آفاق للعمل الجاد) و(دليل الفرص والوسائل الدعوية) تجد فيها ما يناسبك وقدراتك, واحرص على (الدعوة العائلية) فهي أوجب الواجبات ولا تغفل عن (الدعوة إلى الله في السجون)، وينبغي أن تهتم بالمسجد (من أجل مسجد فاعل)، واعلم أنك (مسافر في طريق الدعوة) عله أن يكون سفرًا سعيدًا يحط بك الرحال في الجنة بفضل الله وكرمه.
يؤيد بعض الشباب هذه النقاط فيقول الأخ ن.د: ” تطوير الشاب نفسه لا شك أنه سبب في ثباته على الدعوة لأنه كلما طور ذاته وأعمل أفكاره سوف تنفتح له مجالات عديدة فيكون هذا سبب في ثباته وازدياده في العمل الدعوي “.
ويقول الأخ م. س: ” له دور كبير جدًا وذلك لوضوح الهدف والبصيرة بالوسيلة والاستعانة بما معه من زاد التربية فيستمر ويجدد ولا يكل “. في حين أن الأخ ع.ع يرى أن لها دور ولكنه دور ضعيف جدًا فيقول: ” لها دور ولكن ضعيف جدًا”.
كيفية تطوير الذات.. للمساعدة في الثبات
نصائح شبابية:
وحول كيفية تطوير الشاب لقدراته الدعوية يرى الأخ ن.د أن الارتباط بالمؤسسات الدعوية هو من أقوى هذه الجوانب فيقول: ” الارتباط بالعمل المؤسسي من أكثر الأمور تطويرا لقدرات الشاب “. ويرى الأخ م.س أن اللقاء بالتربويين والتعمق في مجال التربية هو من أقوى جوانب تطوير القدرات الدعوية فيقول: ” أطور نفسي بالالتقاء مع بعض التربويين، وقراءة بعض المراجع في هذا المجال، وممارسة العمل التربوي من خلال الإشراف التربوي على بعض الحلقات ونحوها “.
ويرى الأخ ع.ع أن التطوير يكون بأمور فيقول: ” منها: أولا: الصبر والاحتساب. ثانيا: الاستفادة من الخبرات. ثالثا: الاستفادة من الأخطاء”.
العلماء ودورهم في التطوير
ولا شك أن للعلماء والمؤسسات الدعوية دورا في فتح آفاق الدعوة للشباب كما ذكر بعضهم وحول هذا المحور المهم يقول الشيخ جماز الجماز: ” دور العلماء في فتح آفاق الدعوة للشباب:
ضرورة اهتمام العلماء بالشباب في كتاباتهم ودروسهم وإيلائهم اهتمامًا بالغًا، من حيث إبداء الملاحظات والتوجيهات النافعة لهم.
العمل الجاد في إعداد نشء متميّز في تربيته وتعليمه ودعوته ليكونوا دعاة ناضجين.
فتح الباب لهم، ورحابة الصدر معهم، واتخاذ بعضهم صديقًا، ليكون حلقة وصل صادقة.
الحوار معهم ومناقشتهم فيما أشكل عليهم، وعدم إهمالهم، واستشارتهم فهم أهل لذلك.
العمل على استخراج النصوص من الكتاب والسنة، وتوظيف الطاقات لذلك، الخاصة بالدعوة، والاهتمام بدراستها وشرحها، وتدريسها للشباب الدعاة.
رسم الأهداف وبيان الخطط وإبراز الإستراتيجيات الدعوية، وتقديمها للشباب وغيرهم من المؤسسات الدعوية وتأصيلها تأصيلًا شرعيًا صحيحًا.
ضرورة دخول العلماء في المؤسسات الدعوية والتربوية والتعليمية، لتوثيقها وتصحيح مسارها وصبغها صبغة شرعية تؤهلها.
فيما يرى الأستاذ العجلان أن هذا الدور مهم جدا فيقول: ” ضرورة فتح العلماء قلوبهم للشباب كدعاة مبتدئين والصبر على أسئلتهم ومشاكلهم.
مساهمة العلماء بوضع برامج تهتم بصنع الدعاة والمصلحين في شكل خطط بعيدة المدى يرجى منها المحافظة على الشباب الدعاة واستقطاب المزيد من الطاقات لمجالات الدعوة.
تشجيع العلماء للبرامج الدعوية الموجودة ليتوجه الشباب إليها، ولا يخفى حاجة الساحة اليوم إلى طاقات ناضجة على مستوى من الثقة بالنفس والقناعة بالمشروع والرسالة التي تقدمها للأمة.
أما المؤسسات الدعوية فهي تحمل ثقلا كبيرا في هذا المجال فيجب عليها:
أن تدعم الشباب الدعاة بما يحتاجون من مال أو معرفة، وأن تفتح أبوابها للطاقات مع إتاحة الفرصة للتجربة مع التدريب المهاري اللازم.
أن تطرح المؤسسات ذات السبق تجاربها الدعوية كنموذج وفكرة يمكن للدعاة من الشباب أن يطبقوها عمليًا، مع وجود التوجيه من أرباب التجربة”.
وللمؤسسات الدعوية دور
أما دور المؤسسات الدعوية في فتح آفاق الدعوة للشباب، فيحددها الشيخ الجمّاز بما يلي:
تخصّص بعض المؤسسات الخيرية في الجانب الدعوية وإشباعه.
إثراء البرامج الدعوية المطروحة برموز لها جذور راسخة في الدعوة.
إقامة الدورات الطويلة والقصيرة التأهيلية للشباب في فن الدعوة بجميع أشكالها.
الاهتمام بإجراء الدراسات والبحوث حول المشاكل الدعوية والعوائق الدعوية والأساليب الناجمة دعويًا وغيرها.
استقبال استشارات الشباب الدعاة، وإيجاد الحلول المناسبة لها.
إصدار الرسائل والكتب الخاصة بالفرص والوسائل الدعوية وتجارب العمل الدعوي “.
التغلب على الرهبة من خوض التجربة الدعوية:
حلول عملية:
وحول الحلول في وجود الخوف والرهبة من خوض غمار مجال الدعوة يقول الأخ م.س: “يمكن التغلب على هذا الجانب بأمور:
النظر في أخبار من نجد من الغابرين ورؤية ماذا فعلوا في الدنيا.
استشعار أن هذا تكليف من الله تعالى وهو نهج المرسلين.
استشعار أن الله هو المعين في هذا إذا توفرت شروط القبول.
الاستعانة بمن يعين في هذا واستشارة من سبق لاختيار المكان والوقت والهيئة المناسبة.
العلم أنك مهم في هذا الواقع فلو تركت ترك غيرك حتى… فلا تتوانى.
دعاء الله تعالى بأن ييسر الأمر في هذا.
عدم النظر في ما يتعرض له الدعاة أو تتعرض له الدعوة من عقبات والعلم بأنها عين النجاح في هذا العمل وأن هذا هو طريق كل دعوة فليس خير من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في واقعه ومع ذلك حصل ما حصل. “
كما يقول الأخ ن.د: ” يمكن ذلك بالارتباط مع أحدى المؤسسات الدعوية لأنه بهذه الطريقة سوف يشعر أن أعباء الدعوة ليست مقصورة عليه بل موزعة بعمل منهجي مؤسسي تكاملي”.
السيرة النبوية.. نبع لا ينضب
ولا شك أن السيرة النبوية مليئة بالدروس الدعوية، حول كيفية الاستفادة منها يقول الأستاذ العجلان:
– السيرة النبوية هي منهج للداعية ليس في قضية الفاعلية فحسب بل يتعدى الأمر إلى منهج الداعية وأسلوبه وغير ذلك.
– السيرة عبارة عن تجربة معصومة نقلت لنا عن خير البشر وأحسنهم طريقة، وفيها المواقف المتنوعة، فتارة مفاوضات مع العدو وأخرى حال الحرب وأخرى إرشاد وهكذا فمدرسة النبوة معين لا ينتهي فأولى من يستفيد منها هو الداعية لينتهجها واقعًا ويدعو الناس إلى معانيها وتعاليمها “.
ويقول الشيخ الجماز:” إنّ أحسن طريقة لتمثل السيرة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى, أن تُدرّس السيرة لهؤلاء الشباب الدعاة، ومن المحزن أن تكون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مفقودة في دروس العلماء إلا قليل منهم.
ولو أنك سألت الشباب الذين تبوؤوا الدعوة واضطلعوا بها، ما نصيبهم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف درسوها، وماذا درسوا فيها، لأمسكت برأسك من هول ما سمعت منه (لم أدرسها ومنهم من يقول أحيانًا أكلّف بدرس موضوعي في السيرة ومنهم من يقول كان الاهتمام منصب على الدعوة والتربية والعمل الحركي ومنهم من يقول كنا إذا سألنا عن كتاب في السيرة لم يُلق له اهتمام، ومنهم من يقول دائمًا يقال لنا اهتموا بدروس العقيدة والفقه “.
ونحن نقول: “إنّ دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلها تفسير وتوحيد وفقه ودعوة وتربية، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والعَجَب أن الأوائل كانوا يحفظون مبادئ السيرة النبوية وسيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم العشرة وغيرهم كما يحفظون القرآن.
والمقصود أن تكون السيرة أساسًا في دروس العلماء والشباب، ويُوجّه الدعاة إلى استنباط الدروس والعبر، وإبرازها والاستفادة منها.
ومن الكتب التي عُنيت بهذا الجانب وأحث الشباب عليها ” السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية ” لمهدي رزق الله أحمد، و” وقفات تربوية مع السيرة النبوية ” لأحمد فريد “.
دعوة أخيرة
ثم يختم الأستاذ السبيعي هذه القضية فيقول: “وأخيرًا أقول.. هذه صورة تنظيرية، ولا بد أن يتفرغ لها مجموعة من الدعاة وأهل العلم.. ويتخففوا من كثير من ارتباطاتهم الأخرى، لأن أي مشروع لا بد له في البداية من قوة عاملة متفرغة مضحية..!
هذا كلمات صغيرة تحتاج إلى جهود كبيرة.. ولو كانت العبرة بالجهد البشري لما استطعنا.. ولكن نعلم أن المطلوب منا بذل السبب، والصبر قليلًا.. وتأتي النتائج فوق التوقعات: “ومن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعا”.
** المصدر: موقع المسلم ، (بتصرف).