د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
شهر رمضان كله خير وبركة، وإيمان وإحسان، وتزكية ودعوة، فهو شهر يتسابق فيه المتسابقون إلى أبواب الفضل والإحسان، يتلمسون فيه من الله المغفرة والرضوان. وإذا كان هذا الفضل العميم طوال الشهر الكريم؛ فإنه يزداد ويتضاعف في العشر الأواخر منه؛ تلكم العشر التي يختم الله بها هذا الشهر؛ فتتركز فيها أسباب الخير والمغفرة؛ منة من الله وتفضلا على عباده؛ فمن قصر طوال الشهر؛ فأمامه الفرصة للتعويض، والعبرة بالخواتيم.
لكن يأتي رمضان هذا العام في ظروف مختلفة، نمر بها للمرة الأولى في حياتنا، وربما في التاريخ كله؛ حيث ظروف الحظر التي تمر بها كثير من الدول؛ وهو ما يحول دون تمام أداء سنن شهر رمضان وطقوسه بصورة كاملة، ونحن الآن على أبواب العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم، وقد اعتاد الناس فيها على زيادة الطاعة والقرب من الله تعالى –كما أشرنا منذ قليل- خاصة من أعانهم الله تعالى على إحياء سنة الاعتكاف والمواظبة عليها خلال السنوات الماضية.
وإذا كان الأمر كذلك فإن على الداعية مضاعفة جهده في هذه العشر، اقتداء بالداعية الأعظم صلى الله عليه وسلم حيث كان يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها..
والداعية عليه جهد مضاعف؛ حيث إن عليه الاجتهاد في العبادة لتحصيل ثواب هذه العشر لنفسه، ثم الاجتهاد في دعوة الناس للخير، وحضهم على الاستفادة القصوى منها، كما أن له مهمات أخرى إذا كان في البلاد التي يحول فيها الحظر دون الصلاة في المساجد أو القيام بالاعتكاف
وذلك على النحو التالي:
واجب الداعية تجاه نفسه في العشر الأواخر
شهر رمضان محطة مهمة للداعية ليرتقي فيها بإيمانه، ويتزود روحيا ونفسيا بما يجعله مهيأ ليفيض على من حوله من الناس؛ ذلك أنه لا تستقيم حياة الداعية دون أن يكون له أوراده الإيمانية من القيام والذكر والتسبيح والتهليل؛ فالله عز وجل في بدء بعثته نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (المزمل: 1-8).
فالقرآن وقيام الليل وذكر الله تعالى مقومات أساسية للداعية وزاد له على طريق الدعوة لا ينبغي له التفريط فيها في أي وقت من الأوقات، وحتى يستقيم له ذلك طوال العام لا بد له من التركيز والتكثيف فيها في شهر رمضان بصورة عامة، وفي العشر الأواخر بصورة خاصة، وذلك من خلال ما يلي:
– الاستعداد مبكرا لهذه الليالي المباركة، من خلال إعداد برنامج إيماني ينفذه خلالها، يتناسب مع ظروفه وبيئته.
– القراءة والاطلاع في فضائل هذه الأيام، وما أعده الله تعالى للمجتهدين فيها؛ حتى يسهل عليه مجاهدة نفسه في الاجتهاد فيها التماسا للأجر.
– الجد والاجتهاد مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يجتهد في هذه العشر ما لم يجتهد في غيره؛ فيجتهد في الصلاة ليلا ونهارا، وفي تلاوة القرآن، والذكر والدعاء. فليحرص على اعتكاف العشر كلها، فإن لم يتيسر له ذلك فليعتكف ما شاء الله له حسب ظروفه، وإن كان الأولى للداعية الاعتكاف الكامل ليكون قدوة لغيره، ويجمع الناس حوله.
– تحريه ليلة القدر لما فيها من الخير الوفير الذي أخبر الله تعالى عنها أنها خير من ألف شهر؛ فما أحوج الداعية إلى أجر هذه الليلة المباركة.
– حرصه على إخراج زكاة الفطر، والإكثار من التصدق.
– الإكثار من فعل جميع أنواع الخير.
– إذا كان الداعية ممن حال الحظر دون اعتكافهم وصلاتهم في المساجد فليعد برنامجا مع أهل بيته، يؤدي فيه ما كان يؤديه في الأعوام السابقة.
واجب الداعية تجاه أهله
على الداعية أن يكون حريصا على أقرب الناس إليه، وهم أهل بيته من زوجته وأولاده وإخوته وغيرهم؛ فيحرص على ألا يفوتهم الخير الذي يناله؛ ولذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم “إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره”، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتفي بقيام ليله فقط؛ بل كان يحرص على إيقاظ أهله معه؛ فقد جاءه الأمر الإلهي { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} (الشعراء: 214).
ولا بد قبل هذا الإيقاظ من تهيئة نفسية وروحية لهم من خلال تحفيزهم وحثهم وتعريفهم بفضائل هذه الأيام حتى يسهل تفاعلهم وقيامهم واجتهادهم معك. ويفضل إشراكهم في وضع برنامج عائلي تقومون به معا في هذه العشر؛ بحيث تكون فيه بعض الأعمال الجماعية التي تؤدونها معا، وبعض الأعمال الفردية التي يؤديه كل من أفراد العائلة منفردا حسب ظروفه وعمله.
على الداعية أن يحرص على اصطحاب أولاده وإخوته معه في اعتكاف العشر الأواخر.
أما إذا كان الداعية من البلاد التي يحول الحظر دون الاعتكاف والصلاة بالمسجد؛ فهذه فرصة طيبة لأن يفعل ما كان يفعله مع الناس في المسجد مع أهل بيته؛ فليعد برنامجا متكاملا ينفذه معهم مع تدريب أولاده على القيام ببعض المهام؛ فمثلا يتدرب أحدهم على صلاة القيام أو بعضه إماما، والآخر على إلقاء خاطرة، والآخر على إعداد مسابقة وهكذا؛ بحيث يكون بيته نموذجا يحتذى في الطاعة والعبادة الجماعية.
وكذلك عليه أن يعد برنامجا مناسبا ليوم العيد؛ بحيث يدخل البهجة والفرحة على أهل بيته، ولا يكون الحظر سببا في عدم فرحتهم في هذا اليوم.
واجب الداعية تجاه الناس
على الداعية واجب كبير تجاه الناس خلال هذه الأيام المباركة؛ حيث إنه مطلوب منه بجانب ارتقائه بنفسه وإيمانياته أن يأخذ بيد الناس معه، خاصة إذا كان هذا الداعية خطيبا أو إماما لمسجد؛ فيمكنه القيام بما يلي:
– الحرص على تهيئة الناس وإعدادهم مبكرا للعشر الأواخر قبل دخولها، من خلال الحديث عن فضائلها والأعمال المستحبة فيها.
– الإشراف على تهيئة المعتكف بما يتناسب مع أعداد المعتكفين وظروفهم وأحوالهم الاجتماعية.
– عمل لوحات مسجدية عن العشر الأواخر وفضائلها، وحث الناس على الخير فيها.
– تنظيم اعتكاف لمساعدة الناس على ذلك؛ بحيث يكون هذه الداعية أو الخطيب على رأس هذه الاعتكاف، ويقوم بالإشراف عليه.
– يتواصل مع أهالي الحي والمحيطين بالمسجد لتنسيق الاعتكاف معهم، وتفعيلهم في ذلك.
– عمل برنامج واضح ومتفق عليه مع بعض المعتكفين ويمكن أن يوكل لأحدهم الإشراف على متابعة تنفيذه؛ بحيث يحتوي على أنشطة إيمانية وتعبدية وأنشطة ثقافية وفكرية وأنشطة ترفيهية بما يتناسب مع بيئة المسجد. ويكون فيه أنشطة جماعية للمعتكفين معا، وأنشطة فردية لكل منهم على حدة.
– التركيز على فضائل ليلة القدر، وعمل برنامج خاص بهذه الليلة المباركة.
– عمل ورد محاسبة للمعتكفين ليتابع كل منهم نفسه في تنفيذ فقرات برنامج الاعتكاف.
– متابعة المعتكفين والتركيز على المتميزين والصفوة منهم، ومحاولة توطيد علاقته بهم.
– الاستفادة من هؤلاء المتميزين من خلال تفعليهم في بعض الأنشطة وفقرات البرنامج بما يتناسب مع طبيعة كل منهم.
– دوام التواصل مع هؤلاء المتميزين والصفوة بعد رمضان، ويمكن عمل دعوة فردية معهم لدوام استمرارهم في طريق الدعوة.
– إذا كان من البلاد التي تعاني من الحظر فإن عليه دورا مهما تجاه تفعيل الناس إيمانيا وتعبديا بحيث يفعلون مع أهلهم في الحظر ما كانوا يفعلونه في غيره؛ فعليه:
* توضيح الأحكام الخاصة بفقه الأزمة وكيفية القيام بالعبادات في البيوت مثل حكم الاعتكاف في البيوت، وتعجيل زكاة الفطر، وصلاة العيد في البيوت… إلخ.
* عليه حث الناس وتحفيزهم على القيام بعباداتهم مع أهليهم في البيوت، وأنهم سيؤجرون عليها كما كانوا يؤجرون قبل ذلك، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا”.
* يمكنه إعداد برنامج للعبادة المنزلية وتوزيعه على المحيطين به ومن كانوا يرتادون مسجده للاسترشاد به وإعانتهم على العبادة.
* يمكنه القيام ببعض الدروس والخواطر عن طريق برامج البث الحي ليستفيد منها الناس في بيوتهم.