مركز التأصيل للدراسات
الذين كفروا على طرق متعددة وسبل شتى وشيع متفرقة، تجمعهم عقيدة الكفر والإنكار والجحود، وتفرقهم الأهواء والشهوات، ومن أمثلة هؤلاء؛
النصارى الذين غيروا وبدلوا في دين الله جل جلاله، وحرفوا الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، واتخذوا آلهة مع الله جل جلاله، ونسبوا له الألوهية سبحانه عما يفترون علواً كبيرا، وافتروا على الله بأنهم نسبوا لله عز وجل الولد على الحقيقة، وقالوا: إن الله جل جلاله جوهر واحد وله ثلاثة أقانيم، فجعلوا كل أقنوم إلهاً (الآب والابن وروح القدس)، وهذا تحت ما يسمى بعقيدة التثليث.
ويعد النصارى أن صلب المسيح عليه السلام أحد أهم أحداث المعمورة، فيعتقدون أن الله جل جلاله أنزل ابنه السيد المسيح عليه السلام- بحسب زعمهم- ليموت على الصليب ليطهر البشر من أغلال خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، بل وخطاياهم جميعا.
لهذا الأمر قرر الباحث أشرف إبراهيم عليان سلامة تناول العقيدة النصرانية من خلال حديث القرآن الكريم عنها، فقام بعرض ووصف الأدلة والنصوص عند النصارى التي يستدلون بها، ثم أتبع ذلك بتحليل هذه الأدلة والرد عليها بما يوافق المعتقد الصحيح.
وعليه جاءت هذه الدراسة في مقدمة وفصل تمهيدي وثلاثة فصول وخاتمة، على النحو التالي:
المقدمة: وفيها تحدث الباحث عن أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة على هذه الدراسة، ثم منهجه وطريقته في هذا البحث، وختم كل هذا ببيان خطته في هذا البحث.
الفصل التمهيدي: العقيدة النصرانية تعريفها ومصادرها
قسم الباحث هذا الفصل إلى مبحثين، عرض في الأول منها لتعريف العقيدة النصرانية، أما الثاني فخصصه للحديث عن مصادر العقائد النصرانية.
فعن تعريف العقيدة النصرانية بين أنها دين النصارى، الذين يزعمون أنهم يتبعون المسيح عليه السلام وكتابهم الإنجيل.
وبين أن مصادر العقيدة النصرانية تنحصر في مصدرين رئيسيين:
– الأول منها هو الكتاب المقدس، وهو عبارة عن أسفار متفرقة كتبت في أزمنة مختلفة خلال مدة تزيد عن ألف عام، ثم ضمت هذه الأسفار في كتاب واحد، يؤمن به النصارى بأنها وحي وتنزيل من الله جل جلاله، فيستمدون منها عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم ونظمهم ويستندون إليها في معرفة تاريخهم.
وهذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: العهد القديم (توراة موسى عليه السلام) والعهد الجديد (أنجيل عيسى عليه السلام)، فالنصارى يقدسون كلاً من العهد القديم والعهد الجديد، ويضمون كلا العهدين في كتاب واحد، ويطلق عليه الكتاب المقدس.
– أما المصدر الثاني من مصادر النصرانية فيتمثل في المجامع النصرانية، وهي عبارة عن هيئات شورية تبحث في القضايا العقدية المتعلقة بالديانة النصرانية، وأصول الكنائس، وتعقد هذه المجامع في الكنيسة، وتنقسم هذه المجامع إلى مجامع محلية أو مكانية أو إقليمية، أما النوع الثاني من المجامع فيسمى بالمجامع المسكونية “العالمية” وفيه يجتمع جميع رجال وممثلي الكنائس في أنحاء المعمورة.
الفصل الأول: ألوهية المسيح عليه السلام
خص الباحث هذا الفصل للحديث عن معتقد النصارى في ألوهية المسيح عليه السلام، مع نقض هذه العقيدة الفاسدة الباطلة من خلال كتابهم والقرآن الكريم والأدلة العقلية الصحيحة.
ففيه بين الباحث أن مسألة ألوهية المسيح عليه السلام من المسائل الطارئة على العقيدة النصرانية، فرغم أن المسيح عليه السلام لم يقل بهذا ولم يعتقد به أحد من الحواريين الكرام، فإن المعتقدات والانحرافات الوثنية الدخيلة انحرفت عن عقيدة المسيح عليه السلام، لتتدهور عقيدة النصارى بهذه الخزعبلات الوثنية إلى الهاوية. فاستدلت النصارى على ألوهية المسيح عليه السلام ببعض الألقاب والصفات والمعجزات التي وردت في الكتاب المقدس.
الفصل الثاني: عقيدة التثليث
عرض الباحث في هذا الفصل لواحدة من أفسد العقائد التي يعتقدها النصارى، وهي عقيدة التثليث التي تقرر وجود ثلاثة آلهة لهذا الكون وهم: الله جل جلاله، وهو الآب، والمسيح عليه السلام، وهو الابن، والروح القدس، ويسمون في النصرانية الأقانيم الثلاثة، وعلى هذا الفساد اجتهد النصارى لتقديم أدلتهم من كتبهم المقدسة، لبيان صحة ما هم عليه من المعتقدات الباطلة.
فعقيدة التثليث من الأسس التي تقوم عليها الديانة النصرانية، ولا يكون النصراني نصرانيا إلا بالاعتقاد بعقيدة التثليث، فمن آمن بألوهية المسيح عليه السلام وصلبه وغيرها من المعتقدات دون الاعتقاد بعقيدة التثليث فلا يعتبر مؤمنا عند النصارى.
ففي هذا الفصل عرض الباحث لأصول هذه العقيدة عند الأمم السابقة ومراحل تدهورها عند النصارى، مع بيان فسادها بالأدلة العقلية والنقلية، فنقضها من خلال كتابهم المقدس ذاته، ومن خلال القرآن الكريم، ومن خلال الأدلة العقلية الصحيحة.
الفصل الثالث: صلب المسيح عليه السلام
جاء الفصل الأخير في هذه الدراسة للحديث عن مسألة صلب المسيح التي يؤمن بها النصارى، حيث يعتقد النصارى أن المسيح عليه السلام مات مصلوبا، وكانت علة صلبه فداء البشرية من الخطيئة التي ارتكبها آدم عليه السلام لأكله من شجرة الجنة التي نهاه الله جل جلاله من الأكل منها.
وبين الباحث أن هذه العقيدة لم تكن من ابتكار النصارى، بل هي عقيدة مغروزة في أصول عقيدة الوثنيين، الذين حادوا عن عقيدة وشريعة أنبيائهم.
وعرض لأصول هذه العقيدة ومعتقدهم فيها، ثم ختم ببيان فسادها من خلال كتابهم المقدس والقرآن الكريم والأدلة العقلية الصحيحة.
الخاتمة
وفيها ذكر الباحث أهم ما توصل إليه من نتائج، وأهم ما لفت إليه من توصيات:
أولا: النتائج:
- ليس للنصارى سند للأناجيل التي تعتبرها مصدراً للعقائد التي تدين بها.
- إن كثيرا من النصوص المسطرة في العهدين القديم والجديد تخالف الحقائق العلمية.
- إن ما تعتقده النصارى من وحي الله لرسل المسيح عليه السلام- على حد زعمهم- بكتابة الأناجيل هو اعتقاد فاسد، أبطلته العقول البشرية الصريحة والفطرة السوية، لما في النصوص من التعارض والتناقض والاختلاف، وبذلك لا يتحقق أن يطلق عليه لفظ كتاب مقدس؛ لأنه بعيد كل البعد عن الطهارة والقداسة، والله جل جلاله منزه عن خطأ، ومن هنا تبين أن العهدين عمل بشري، خطته أيادٍ بشرية ليس لهم علاقة بالوحي، ولا يمثل كلمة الله جل جلاله بأي حال من الأحوال، وعليه فلا يصلح الاستدلال في المسائل العقائدية.
- إن دين النصرانية مبني على معاندة العقول الصريحة والفطرة السليمة التي أودعها الله في البشرية، فهي عقائد قائمة على التسليم المطلق دون إعطاء العقل أي مجال للتفكير والبحث في القضايا العقائدية الكبرى.
- إن الاعتقاد بألوهية المسيح عليه السلام، وأن هناك ثلاثة أقانيم متساوين في القدرة والمجد، وأن المسيح ابن لله جل جلاله نزل للأرض ليصلب فداء للبشر يناقض العقل الصريح والفطر السليمة.
- إن سبب إرجاع النصارى إلى الاعتماد على نصوص العهدين القديم والجديد للاستدلال على عقائدهم هروب من أبسط قواعد العقل.
- إثبات الجذور الوثنية في المعتقدات النصرانية، وأن أخذ هذه الوثنيات ليس انتصاراً للنصارى بل هزيمة لها، حتى أصبحت الوثنية في ثوب نصراني جديد.
ثانيا: التوصيات:
- المساهمة في إقامة المؤتمرات والندوات لبيان وكشف حقيقة عقائد أكبر دول العالم اليوم من النصارى، وأنها دول قائمة على أصول وعقائد وثنية كفرية، وغرس العقيدة الإسلامية في أبناء الأمة، وذلك حتى لا يغتر الشباب بما عليه النصارى اليوم.
- على المسلمين أن يحذروا القوى الصليبية التي تشعل النار والفتن، وتثير الحروب ضد من لا يدور في فلك عقائدهم أو ينصاع إلى أطماعها، لذا فإن هذا العدوان إن لم يواجه بما يستحقه من حزم وقوة فإنه يُبقي أوضاع الأمة الإسلامية على ما هي عليه اليوم.
- عند مجادلة النصارى بالتي هي أحسن الأصل أن يجادله في القضايا العقائدية الكبرى، وذلك لبيان أن الأصل القائم عليه النصراني فاسد، لا أن يتشبث بالقضايا الفرعية.
——–
* المصدر: مركز التأصيل، وقد قُدم هذا البحث استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في العقيدة والمذاهب المعاصرة من كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة 1492هـ،2008م.
** يمكن مطالعة الدراسة كاملة من هنا.