القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

العيد.. يوم الجوائز

أ. مصطفى سامي القيشاوي (خاص بموقع مهارات الدعوة)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد..

يوم الجوائز الكبرى

إن الله في اليوم الأغر –يوم عيد الفطر- يكرم عباده الصائمين القائمين، الممتثلين لأوامره المجتنبين لنواهيه بمكارم عديدة، ويمنحهم الجوائز الكثيرة، فقد جاء في الأثر أن يوم عيد الفطر يسمى يوم الجوائز، وذلك لأن الجوائز تفرق في ذلك اليوم على العاملين في شهر رمضان كل بحسب عمله، فمن عمل خيرًا وجد خيراً، ومن عمل شرًا وجد مثله، إلا أن يعفو الله عنه.

وأهم هذه الجوائز وأغلاها ثمناً، وأعلاها قدراً: مغفرة الذنوب، والفوز برضوان علام الغيوب، فقد في الحديث بيان تلك الجائزة –وإن كان الحديث ضعيفاً لكن له شواهد، ومعناه صحيح- فعن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم، يمنّ بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة).

وقد شرع الله سبحانه عيدين للمسلمين في كل عام، كل منهما قد أتى بعد عبادة عظيمة جليلة، فعيد الفطر المبارك جاء بعد عبادة جليلة هي الركن الرابع من أركان الإسلام وهي إكمال عدة رمضان فشرع العيد فرحة لإكمال الصيام وإتمام الشهر الكريم، وعيد الأضحى جاء بعد عبادة عظيمة أخرى هي الركن الخامس من أركان الإسلام وهي حج بيت الله الحرام..

هذا العيد الذي يفرح به المسلمون في أقطار الأرض كلها قد شرع الله تعالى له سننا وآداباً تمثلها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد، فكان يحافظ عليها ويؤديها شكرا لله على ما أتم من نعمة وعلى ما أرشد الأمة إلى الصراط المستقيم.

 ومن السنن التي يفعلها المسلم يوم العيد ما يلي:

  • الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة: فقد صح في الموطأ وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. وذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد. والمعنى الذي يستحب بسببه الاغتسال للجمعة وغيرها من الاجتماعات العامة موجود في العيد بل لعله في العيد أبرز.
  • الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى: من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ.. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا. وإنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانا بالإفطار وانتهاء الصيام. وعلل ابن حجر رحمه الله بأنّ في ذلك سداً لذريعة الزيادة في الصوم، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله. ومن لم يجد تمرا فليفطر على أي شيء مباح.

وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية، فإن لم يكن له من أضحية فلا حرج أن يأكل قبل الصلاة.

  • التكبير يوم العيد: وهو من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185). وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: نعم كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام. وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول: “كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام”. ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد. وأما في الأضحى فالتكبير يبدأ من أول يوم من ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.
  • التهنئة: ومن آداب العيد التهنئة الطيبة التي يتبادلها الناس فيما بينهم أيا كان لفظها مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم أو عيد مبارك وما أشبه ذلك من عبارات التهنئة المباحة. وعن جبير بن نفير، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك. (قال ابن حجر: إسناده حسن).
  • التجمل للعيدين.. عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ.. (رواه البخاري) فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل للعيد لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة لأنها من حرير. وعن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة. صحيح ابن خزيمة وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه. فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج للعيد. أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة.
  • الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر.. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رواه البخاري، وقد قيل إن الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ. وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين. وقيل لإظهار ذكر الله. وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه. وقيل ليقضي حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه نسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب العمل الذي يقرب إليه، وأن يرزقنا حسن العبادة ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله رب العالمين.

______

* خطيب وواعظ في مساجد قطاع غزة بفلسطين.

مواضيع ذات صلة