حاورته: أمينة سعيد
يستعد المسلمون في أنحاء العالم لاستقبال شهر رمضان بالصلاة والتصدق والدعاء والابتهال لله عز وجل أن يوفقهم لصيام الشهر الفضيل.
وقد يخفى على البعض كيفية الاستعداد لهذا الضيف المبارك؛ لذا تطرق موقع مهارات الدعوة في هذا اللقاء مع الداعية الإسلامي مصطفى القيشاوي إلى الأمور التي يجب أن يستقبل بها المسلم شهر رمضان
قال الداعية القيشاوي في بداية حديثه: ساعات قليلة وتشرق علينا شمس الصيام، ساعات معدودة وينزل بنا ضيف عزيز على قلوبنا طالما انتظرناه، وزاد شوقنا إليه فليت شعري هل نوفق لإدراكه فنكون من الفائزين أم يوافينا الأجل فنصبح من المحجوبين؟!
وتابع مضيفا: ونحن على عتبة شهر رمضان ما أحوجنا إلى أن نقف بعض الوقفات المهمة، وقفات نتذكر فيها بعض ما ينبغي عمله خلال هذا الشهر فنتعرف على جوانب الاستعداد للضيف الكريم وعادة الكريم إحسان الوفادة.
وتوقف القيشاوي مع أولى الوقفات الواجب اتباعها استعداداً لاستقبال شهر الخير والبركة
الدعاء والتوبة
في الوقفة الأولى أكد على أهمية الدعاء ببلوغ رمضان؛ فهذا أمر مهم جداً لسببين: الأول: لما لشهر رمضان من فضل عظيم ومكرمة عظيمة من الله، فقد كان بعض السلف رحمهم الله يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وبعد رمضان يدعون الله ستة أشهر أخرى أن يتقبل منهم ما عملوه في ذلك الشهر…
وكان بعضهم يقول: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلا.
وكذلك لأن الإنسان لو أدركه ملك الموت قبل رمضان وكانت عنده نية الصيام، فإنه بإذن الله يأخذ أجر الصيام حتى وإن لم يدرك رمضان..
أما الوقفة الثانية فقد شملت التوبة الصادقة وليس تأجيل الذنوب، وفي هذا السياق لفت الداعية الإسلامي إلى أن هنا خطأ كبيرا يحصل مع كثير من الناس، حيث إنهم بدلاً من أن يقلعوا عن الذنب نهائياً ويندموا عليه، فإن بعضهم يقوم بتأجيل عمل بعض الذنوب والعادات السيئة والسلوكيات الخاطئة إلى ما بعد رمضان ظاناً منه أن هذه توبة، وهي ليست توبة؛ لأن من شروط التوبة العزم على عدم العودة لهذا الذنب، فينبغي الانتباه لهذا الجانب المهم والإقلاع نهائياً عن الذنوب.
إبراء الذمة
أما الوقفة الثالثة فركزت على إبراء الذمة من الصيام الواجب؛ حيث بين أن هذه رسالة لأصحاب الأعذار الذين أفطروا في رمضان لعذر من سفر أو مرض أو حيض أو نفاس، أن يبادروا بقضاء ما عليهم من أيام، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر.
وجاءت الوقفة الرابعة للقيشاوي لتذكر كل مسلم بضرورة التزود بالعلم ليقف على أحكام الصيام ، ومعرفة فضل رمضان، قائلاً:” لا يصح أن نقع في أخطاء قد تفسد الصيام، ثم نبدأ نتوجه للدعاة لنسألهم، هذا خطأ كبير، ينبغي التنبه والتفقه لأحكام الصيام من الآن.
أما الوقفة الخامسة فقد حرص القيشاوي على أن تكون للبنة الأولى للمجتمع وشملت على الجلوس مع أهل البيت من زوجة وأولاد لإخبارهم بأحكام الصيام وتشجيع الصغار على الصيام، مؤكداً أن هذا أمر مهم جدا من أجل تحفيزهم وتشجيعهم وتعليمهم أحكام الصيام ..
القرآن والصدقة
أما الوقفة السادسة والتي لها أهمية كبيرة وخاصة في هذا الشهر المبارك فهي قراءة القرآن:
حيث ذكر القيشاوي العديد من الأمثلة المحفزة على قراءته وعدم هجره كقول سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.
وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.
أما الوقفة الأخيرة التي أشار إليها القيشاوي فهي الصدقات؛ حيث قال في هذا الصدد: كثير من أهل الخير الذين أعطاهم الله المال ينوون أن يتصدقوا مع بداية شهر رمضان، ولكن في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي نعيشها، أنا أهيب بهم للإسراع في إخراج صدقاتهم وإغاثة الفقير قبل دخول الشهر، فقد مات واستشهد كثير من الأطفال والرجال الفقراء الذين لم يكونوا يجدوا قوت يومهم، ماذا سنقول لله عز وجل لو مات عدد من الفقراء قبل رمضان جوعًا؟ هل سنقول لله كنا ننتظر رمضان لنعطيهم؟
وختم القيشاوي بنصيحة للمتخاصمين والمتشاحنين قبل رمضان وقال فيها إن الشريعة قد جعلت أمر مصارمة المسلم لأخيه أمراً خطيراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين، يقول الله: دعهما حتى يصطلحا”، هذا لما سأل صلى الله عليه وسلم عن سبب الإكثار من صيامه للاثنين والخميس، فيحرم المتصارمان من مغفرة الله تعالى بسبب الشقاق الذي قام بينهما، وبسبب الهجران الذي حل بينهما.
سئل ابن مسعود كيف كنتم تستقبلون رمضان؟ فقال: ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم.
وهذه صفقة ربانية لكل من يسامح ويغفر لأخيه:
{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فقد جعل الله تعالى المغفرة للذنوب مقابل الصفح والعفو عن الناس ..
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين”.
ولعظم هذه المسألة جعلت الشريعة إثم الكذب منتفياً عمن يصلح بين الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح”، وفي رواية: “ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيراً، أو نمى خيراً”.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}.
وأكد أن من الواجب على كل مسلم إذا رأينا اثنين متخاصمين أن نسرع للإصلاح بينهما، فأجر الإصلاح عظيم جدا قال أنس رضي الله عنه “من أصلح بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة”.. وقال الأوزاعي: “ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار”.