نجاح إبراهيم منصور
جمهورية تتارستان إحدى الجمهوريات الإسلامية السوفييتية الواقعة في منطقة الفولجا (في قلب روسيا)، يجاورها خمس جمهوريات إسلامية أخرى، هي: بشكيريا، وتشوفاش، وموردوفيا، وماري يل وأودمورت. وذلك إضافة إلى منطقة القوقاز الشمالي (جنوب غرب روسيا)، وتشمل سبع جمهوريات (داغستان، والشيشان، وإنغوشيا، وقبردين بلقاريا، وأوسيتيا الشمالية – ألانيا وكارتشييف شركيسيا، والأديغة). ويبلغ إجمالي عدد المسلمين في هذه الوحدات الإدارية نحو 16-17 مليون نسمة، إضافة إلى 5-6 ملايين آخرين يتوزعون بشكل مبعثر عبر الأصقاع الروسية، من حدود الصين واليابان شرقا إلى حدود فنلندا غربا.
دور التجار
وصل الإسلام إلى تتارستان في بداية القرن الرابع الهجري، عندما وصل التجار المسلمون إلى حوض نهر الفولجا، وأسلم شعب البلغار، وأرسل إليهم الخليفة العباسي المقتدر (290هـ – 320م) من يفقههم في الدين. وكان الإسلام يسود منطقة الحوض الأدنى من نهر الفولجا، بل تجاوزها إلى منطقة القرم في شمال البحر الأسود، غير أن الدفعة الأساسية للدعوة الإسلامية في حوض الفولجا وصلت بإسلام التتار.
روسيا القيصرية
عندما احتل قياصرة روسيا تتاريا في سنة (960هـ – 1552م) كان الإسلام منتشرا بين سكانها، واضطهد الروس أهلها، وحاولوا جذبهم إلى المسيحية بالقوة والقهر، لكنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا، وقد بذلت الإمبراطورة كاترين الثانية جهودا جبارة في هذا المجال في سنة (1192هـ – 1778م)، فأمرت بأن يوقع كل من الذين اعتنقوا المسيحية «الجدد» على إقرار كتابي يتعهد فيه بترك خطاياه ويتجنب الاتصال بالكفار، ويظل على الدين المسيحي، وطبق هذا بالقوة على التتار المسلمين، ولكنهم كانوا مسيحيين اسما، ثم تخلصوا من هذا التعسف، وظلوا على إسلامهم، ولقد دونت أسماؤهم في السجلات المسيحية زورا.
ووقف المسلمون التتار في ثبات وقوة ضد الصليبيين وحملاتهم، وشهد القرن التاسع عشر الميلادي عدة قوانين تحد من انتشار الدعوة، لدرجة أن القانون الجنائي الروسي كان يعاقب كل شخص يتسبب في تحويل روسي إلى الإسلام بـــ «الأشغال الشاقة»، وعلى الرغم من هذا فإن الدعوة انتشرت بصورة سرية، ولما صدر قانون حرية التدين في روسيا القيصرية في سنة (1323هـ – 1905م) حانت الفرص للدخول في الإسلام بصورة جماعية، فبلغ من أعلنوا إسلامهم في سنة (1323هـ – 1906م) ثلاثة وخمسين ألفا، وفي سنة 1909 دخلت 91 أسرة في الإسلام.
وسارت الدعوة الإسلامية قدما في حماسة بالغة، فكان كل مسلم داعية إلى دينه، وقد خدمت الدعوة الإسلامية هجرة جماعات ممن احترفوا الحياكة في القرى الإسلامية في زمن الشتاء، واعتنق هؤلاء الإسلام وتحولوا إلى دعاة للإسلام عند عودتهم إلى قراهم، وأثمرت دعوة التتر أنصارا في سيبيريا وغيرها.
قبل الثورة الماركسية
كان في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتاريا جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب، وكانت بها مطبعة أخرجت مليون نسخة من 250 كتابا في سنة (1310هـ – 1902م)، كما كانت في مدينة قازان مكتبة إسلامية كان يزورها 20 ألف قارئ سنويا، وكان يوجد مسجد لكل ألف مسلم، وكان يوجد مركز للدعوة الإسلامية. واجتهد علماء قازان في نشر الدعوة، وطبعوا منشورات لها، واهتموا بالتعريف بالإسلام باللغة التتارية، وانتشر الدعاة (مليات) وطلاب جامعة قازان في القرى والفيافي يدعون إلى الإسلام، ونشطوا في هذا الأمر بعد صدور قانون حرية الأديان في روسيا في سنة 1905 م، ونجحوا في بث الدعوة الإسلامية بين تتار سيبيريا.
السوفييت في الحكم
واجه التتار حربا قاسية على معتقداتهم، فأغلقت المدارس الإسلامية، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان عاصمة تتاريا، وثار التتار ضد الاضطهاد الديني، وقدموا العديد من الشهداء، وأعدم حتى أولئك الذين تعاونوا مع السوفييت، ورفض السوفييت وحدة الأراضي الإسلامية، وعملوا على تفتيتها إلى قوميات للقضاء على الوحدة. وقد أدمج الروس كل المناطق الإسلامية التي توجد في روسيا الأوروبية في إدارة دينية واحدة مقرها أوفا عاصمة جمهورية بشكيريا، وتشرف على المسلمين في سيبيريا أيضا، وجردوا هذه الإدارة من كل السلطات فأصبحت أمرا شكليا، ولكن في الآونة الأخيرة حدث تغير في روسيا الاتحادية، ونتجت عن هذا حرية الأديان، وبدأت صحوة إسلامية في المناطق الإسلامية.
صحوة إسلامية واعدة
وعلى الرغم من معاناة مسلمي تتارستان، فإنهم شهدوا في الحقبة الأخيرة صحوة إسلامية واسعة، وقد بلغت نسبتهم حوالي 70 في المئة من تعداد السكان، كما بلغ عدد حفظة القرآن الكريم 30 ألف مسلم. وقاموا أخيرا بتجديد المساجد وترميم الآثار الإسلامية التي تعرضت للهدم والإزالة في الحقب الماضية، ولا ينقصهم سوى الدعاة القادرين على تعليمهم اللغة العربية.
——
* المصدر: الوعي الإسلامي.