يسري المصري
الداعية بشر يتعرض في حياته لعقبات، وأحياناً نكبات، فتميل النفس للراحة والقعود، ويكون الحزن هو المسيطر على العقل والقلب، وهذه أمور عادية في دنيا الناس، فقد أصاب الحزن النبي الأكرم على عناد قومه لرسالته، وضاق صدره بكلامهم وسخريتهم، وهو داء لو تعلمون عظيم، نظراً لخطورة دور كل صاحب فهم في بيان هذه الأمة، لكن أسباب اليأس تختلف عن بعضها البعض مع القدرة النفسية لكل داعية، وطرق مواجهتها. ومن هذه الأسباب:
أولاً: العامل النفسي
فالداعية أو صاحب الفكرة -عموماً- هو رجل يتأثر بما حوله، يئن لظروفه وواقعه، تضعف نفسه أمام هذا الجرم والظلم والنكران الذي يراه كل ساعة في حياته، لذلك تحدث هزة نفسية طبيعية.
لكن يكمن العلاج في العودة السريعة واللجوء الأسرع لله تعالى، والدعاء وكثرة الذكر والاستغفار، فالأزمة النفسية ضيقٌ للصدر، ولا مفرج لهذا الضيق إلا اللجوء والدعاء لله تعالى، وقديماً قالوا: “الاستغفار يزيل الهموم والغموم”.
ثانياً: “فلينظر أحدكم من يخالل”
إن الصديق في حياة المرء إما أن يكون حاملاً للمسك، أو نافخاً للكير، وبينهما فوارق شاسعة، وقديماً قال الكبار: “الرفيق قبل الطريق”، فلو صاحب الرجل رجلاً نشيط الهمة، قوي الإيمان، صادقاً في دعوته، فاهماً لفكرته، يقيناً سيضفي على صاحبه فهماً وهمةً ووعياً.
أما إن كان العكس، فيقيناً لا ينتظر منه خير، فتتحول حياته لبؤس وحزن، وأنه لا أمل في الحياة، وأن الموت أرحم حتى بدون عمل، وما أتت هذه النظرة إلا بمصاحبته لمن يميلون للقعود والكسل، وانتظار السماء أن تمطر عليهم ذهباً وفضة.
ثالثاً: “انعدام رصيد الصبر”
إن الله خلقنا درجات، وفضّل بعضنا على بعض في الرزق والحياة، وأعطى بعض الناس ملكات، وآخرون أعطاهم إمكانيات، وكل فريق يعيش حياته وفق طاقته، لكن -أيضاً- البعض يعتقد أن الصبر ليس ملكةً أو طاقةً، وهو في الواقع نعمةٌ كبيرة، فالداعية الصابر المحتسب يقوي بنيان عقله، ويطيل الثبات لفهمه أنه ما أصابه لم يمكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ونحن بالطبع لا نؤسس لكربلائية، لكن نقول إنه ليس كل البشر متساوين في هذه الأمور، فالكثير ليس لديهم رصيد صبر، فتجده يجزع من أقل ابتلاء أو ضرر، وكأنه يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة.
رابعاً: “تغير بوصلة القلب”
والتغير المقصود هو تحوّلها، فكما أن الله تعالى يحول بين المرء وقلبه، كذلك فالميل للدنيا والرغد فيها، وتمني الحياة الكريمة بكافة الوسائل، دون النظر لحرمتها أو حلّها من المحاور التي تؤسس لإحداث حالة هم ويأس في حياة المسلم؛ لأنه إن نجح فقد انطفأ فهمه ورسالته، وإن فشل يظل يدندن بأمنيته، وفي وسط هذا ينسى الحل، والوسط أنه ربما أخر ربه عليه ما يحسبه خيراً في الدنيا؛ لعظم مثوبته يوم القيامة، وهنا التفكير الأصوب، فليس كل محروم في الدنيا مغضوبا عليه، وليس كل منعَّم من أهل الرضا، دون الخوض في أصول الربح والمال.
ختاماً، يبقى علاج اليأس في حياة المسلم هو صدق التوكل على الله مع حسن العمل والفهم، فالمرء لن يخلّد في الدنيا حتى يحزن وييأس، فكلما شدّت الدنيا محنتها على العبد فهذا صلاح له؛ لأن الأمور تجري بمقادير، ويقين الله لا يحمل لنا إلا كل خير، وتذكّر معي قول الله عز وجل:
{قلْ يَا عِبَادِيَ الذِينَ أسْرَفوا عَلى أنْفسِهِمْ لا تقنَطوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفورُ الرَّحِيم} [سورة الزمر،آية:53]
والخطاب هنا للعصاة، فالأمل في طاعة الله تعالى، والله وحده الذي بسجدة ودعوة صادقة يحوِّل حياة اليأس إلى بشريات، وما أعظم قول الإمام أحمد لما سُئِل ما بيننا وبين الجنة؟ فقال: دعوة صادقة من قلب صادق”.
إذن، القلب هو الداء والدواء، فتحسسوا قلوبكم، وتطهروا من كل أعراض الدنيا، وأخلصوا تخلصوا.
هذا إن أردنا أن نطرد كل أشباح الحزن من حياتنا، حتى لا تقعدنا الهموم والمحن عن أداء رسالتنا، فما زال المجتمع في حاجة لجهد كل صاحب فهم، وقلم صادق يبتغي النصح والخير والنجاة لكل العالمين.
——-
* المصدر: بصائر تربوية (بتصرف).