عبد الرحمن مجاهد (خاص بموقع مهارات الدعوة)
أوربا أو بلاد الفرنجة.. كان فتحها حلما بعيد المنال راود أسلافنا الكرام جيلا بعد جيل، وأريقت في سبيل تحقيقه دماء كثير من شهداء المسلمين في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية في ظل الإمبراطورية العثمانية التي كادت تغزو أوربا الشرقية بالكامل. ولكن كثيرا ما ارتبط فتح أوربا بالسيف والرمح والسهم، ولم يخطر ببال مسلم في يوم من الأيام أن هذا الحلم قد يتحقق بالحكمة والموعظة الحسنة بلا سيف ولا رمح ولا سهم.
وهذه بشارة نسوقها من سنتنا النبوية في المقام الأول ونستلهمها من أقوال ورؤى بعض المنصفين من غير المسلمين والمهتدين إلى الإسلام من أبناء القارة الأوربية. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؛ عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر “(أخرجه الإمام أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي)
فالدعوة اليوم غدت أيسر من ذي قبل، وأسهل مما كانت عليه على عهد سلفنا الصالح. فلقد كان السيف على عهدهم هو السبيل الوحيد للتمهيد إلى دعوة الناس إلى رب الناس. أما الآن، فأصبحت التقنية الحديثة من وسائل الدعوة إلى الله التي لم تكن على عهد سلفنا الصالح.
ولقد كان من فضل الله تعالى أن ألهم القائمين على لجنة التعريف بالإسلام بجمعية النجاة الخيرية إنشاء لجنة للتعريف بالإسلام تستثمر التقنية الحديثة في الدعوة إلى الله وهذه اللجنة هي “لجنة الدعوة الإلكترونية”، التي جعلت الدعوة إلى الله عز وجل ونشر دينه وإعلاء كلمته أمرا في متناول جميع المسلمين الراغبين في الدعوة سواء بأنفسهم بالمشاركة الشخصية في الأنشطة الدعوية أو بأموالهم عن طريق الدعم المادي لهذه الأنشطة.
إحدى ثمار الدعوة الإلكترونية
تأتي البشريات وتقطف الثمرات من خلال الاهتداء إلى دين الله عبر مواقع اللجنة وعلى يد دعاتها. وكان من هذه البشريات ما جاء على لسان أحد المهتدين إلى الإسلام عبر لجنة الدعوة الإلكترونية. إنه الأخ لوبوس، شاب مسيحي ملتزم شديد الغيرة على المسيحية وعلى معتقداتها. اعتاد الدخول في مناقشات وحوارات مع دعاة اللجنة من باب الدفاع عن دينه ومعتقده ومن باب الفضول والرغبة على التعرف على الآخر ومعتقده.
كان كثيرا ما يجادل ويناقش ويحاول إثبات معتقده، ولكن كانت هناك بذرة طيبة لم يكتب لها أن ترى النور إلا بعد وقت طويل من النقاش والجدال. كان لوبوس على استعداد للإيمان بإله واحد بالرغم من إيمانه الشديد بالسيد المسيح ابنا لله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وبعد جهد جهيد ومجهود مضنٍ، أبدى لوبوس رغبته في الإيمان بإله واحد لهذا الكون وإيمانه بالسيد المسيح نبيا ورسولا. ولكن لوبوس وجد في نفسه غضاضة في الإيمان بالنبي محمد خاتما للأنبياء والمرسلين نظرا للصورة المشوشة المتداولة في وسائل الإعلام الغربية عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما يثار حوله من الشبهات الباطلة التي يروج لها ليلا ونهارا دون انقطاع.
ومرت أيام وليال ولوبوس يجد في نفسه نبذا للمعتقدات المسيحية الحالية نظرا لعدم منطقيتها وضعف حجتها. وأصبح يجد في نفسه ميلا شديدا للإسلام نظرا لعقلانيته وقوة حجته. ظل لوبوس الشاب المسيحي الغيور يقرأ ويقرأ عن الإسلام والنبي محمد من خلال مواقع اللجنة وغيرها من الموقع الدعوية. وكلما قرأ عن الإسلام والنبي محمد ازداد رغبة في هذا الدين وفي اتباع نبيه الكريم.
وفي ذات ليلة، رأى لوبوس في منامه أن قارة أوربا قد تحولت من دار كفر وشرك إلى دار إيمان وإسلام. فاستيقظ متعجبا، وأخذ يبحث في مدى مصداقية هذه الرؤية وإمكانية تحققها. وفوجئ بارتفاع معدلات التحول إلى الإسلام في الكثير من الدول الأوربية وحتى في بلده – جمهورية التشيك.
ومرة أخرى، عاود لوبوس التواصل مع دعاة اللجنة والتناقش معهم إلى أن قذف الله في قلبه نور الإيمان، فرضي بالله تعالى وحده إلها وربا، ورضي بسيدنا محمد وسيدنا عيسى ابن مريم نبيين ورسولين. وأقبل على الله تعالى بقلب مفتوح. ولكن ما كان الشيطان ليدعه ليعرف طريقه إلى الله بهذه السهولة، فألبس عليه وأشكل عليه، وبعد أن كتب لوبوس الشهادتين معلنا إسلامه، أعرب عن رغبته في التحدث شفهيا إلى أحد الدعاة المسلمين. فحاول الداعية توجيهه إلى أقرب مسجد أو أحد معارف لوبوس أو أصدقائه المحتملين من المسلمين.
ولكن فوجئ الداعية بأن لوبوس يبعد 200 كيلو مترا عن أقرب مسجد ولا يعرف مسلما بل ولم يقابل مسلما في حياته مطلقا، ولم يعرف بالإسلام ولم يسمع به إلا عبر شبكة الإنترنت كما هو حال الكثير من المهتدين الذين يدخلون الإسلام من خلال التواصل مع لجنة الدعوة الإلكترونية بالكويت.
فاستخدم الداعية خدمة سكايب للتحدث إلى لوبوس، فوجد لوبوس خائفا مترددا يخشى اعتناق الإسلام لقلة معرفته به وخشية من مواجهة مجتمعه بمعتقد مغاير وتأثرا بإلباس الشيطان ووسوسته. فعاود الداعية دعوة لوبوس من جديد وتثبيته والرد على تساؤلاته. ولم يدعه إلا وقد استقر الإسلام في قلبه ونطق الشهادتين شفاهة من جديد باللغتين العربية والإنجليزية بصوت يجهش بالبكاء.
وهنا كانت نقطة تحول غير متوقعة، فقد أعرب لوبوس عن أسفه لما كان عليه من الكفر والشرك والكذب على حد وصفه وتعبيره وكذلك عن أسفه لما بدر منه من الإساءة للإسلام ونبي الإسلام والمسلمين ودعاة اللجنة في حواراته السابقة. وتعهد بالدعوة إلى الله تعالى حتى يستقبل من أمره ما استدبر وحتى يحقق الرؤيا التي أراها الله له.
لوبوس.. داعية أوربا
ومن العجيب أن حماسته وغيرته على الإسلام لم يكونا أقل من نظيرتهما على المسيحية التثليثية المعاصرة، وأخذ يتساءل عن كيفية الدعوة إلى الإسلام، وأفاد بأنه سيكون خير داعية إلى الإسلام لأنه من أدرى الناس بما في المسيحية المعاصرة من عوار.
وسرعان ما أثمر جهده الدعوي وحماسه الإيماني، فدعا رفيقه في الغرفة إلى الله تعالى ورغّبه في التحدث إلى الداعية عبر الفيسبوك. وفي الحقيقة، لم يكن لصديقه باتريك رغبة مسبقة في اعتناق الإسلام، ولكنه تعجب تعجبا شديدا من اعتناق لوبوس للإسلام وقد كان شابا شديد الالتزام والغيرة على المسيحية.
ففتح الله قلب باتريك وأخذ يتحاور مع الداعية. في البداية أبدى باتريك تمسكا شديدا بالمسيحية وبمعتقداتها، ولكن تأثرا بحال لوبوس أخذ ينصت إلى الداعية ويتقبل منه ما أجراه الله على يديه، فرضي الإسلام دينا بعد حوار شيق عماده العقل والمنطق، ونطق الشهادتين ودخل في دين الله تعالى طواعية.
وهنا أبدى الشابان اليافعان حماسة ورغبة شديدتين في الدعوة إلى الإسلام بين أهلهما وأقرانهما حتى أنهما عرضا على الداعية أن يشهرا إسلامهما في كنيستهما وبين أهلهما وعشيرتهما حتى يكون ذلك أجدى في دعوتهم.
ولكن عمل الداعية على ترشيد هذه الحماسة الشديدة وطلب منهما تعلم الإسلام ومعرفته معرفة جيدة أولا ثم تطبيقه وتمثله والعمل به ثانيا ثم الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ثالثا.
فاستجاب الشابان اللذان نحسبهما مخلصين ولا نزكيهما على الله. ولكن من فرط حماستهما، عرض باتريك المهتدي الثاني دعوة صديقته إلى الإسلام والتي تسكن في نفس البناية. وسرعان ما استدعاها حتى تتحدث مع الداعية، وسرعان ما استجابت الفتاة تأثرا بحال زميليها ولم تتمالك نفسها من البكاء حتى أن الداعية وجد صعوبة في التأكد من نطقها للشهادتين.
أصر الداعية على نطقها للشهادتين كتابة عبر الفيسبوك ونطقا من مكانها في جمهورية التشيك. وما إن خطت الفتاة شهادتها بيديها حتى راحت تبكي بكاء شديدا. وانتهى الحوار بتعهد الشباب المسلم الجديد بالدعوة إلى الله تعالى وموافاة الداعية بكل جديد لديهم حتى يتحقق على يديهم ما كان من رؤيا لوبوس من تحول أوربا إلى دار إسلام وإيمان.
كان ذلك غيضا من فيض وقليلا من كثير مما ينجزه الله تعالى من خلال لجنة الدعوة الإلكترونية. ولتعلم أخي القارئ أن كل كلمة ينطق بها الداعية أو يكتبها وأن كل دعم منك لهذه اللجنة المباركة سواء كان ماديا أو معنويا، فإنما هو لون من ألوان الجهاد في سبيل الله تعالى، لا تدري أي بلد يفتحه الله على يديك وبما ساهمت به من قول أو عمل أو دعم. وفي كلٍ أجر إن شاء الله تعالى.