دراسة تحليلية حول أنشطة الكنيسة في أفريقيا
كتبه أسامة شحادة
هذا الكتاب هو أحد إصدارات معهد مبارك قسم الله، التابع لمنظمة الدعوة الإسلامية، ومقره بالسودان، وقد صدر في عام 2010، لعدد من المؤلفين ويقع في 300 صفحة من القطع الكبير.
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول؛ الأول يتناول تاريخ التنصير وواقعه في دول أفريقيا، وهو مقسم إلى أربعة أقسام:
1- دول شمال أفريقيا، وتضم: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا.
2- دول شرق أفريقيا، وتضم: أثيوبيا، إرتيريا، جيبوتي، الصومال، كينيا، تنزانيا.
3- دول غرب أفريقيا، وتضم: بِنين، بوركينا فاسو، توغو، الغابون، ساحل العاج، السنغال، سيراليون، غامبيا، غانا، غيانا، غينيا بيساو، الكاميرون، ليبيريا، مالي، النيجر، نيجيريا.
4- دول جنوب أفريقيا، وتضم: جنوب أفريقيا، ناميبيا، ليسوتو، بوتسوانا، سوازيلاند، زامبيا، زيمبابوي، أنغولا، موزامبيق، مالاوي، موريشس، جزر القمر، مدغشقر.
ثم في الفصل الثاني دراستان عامتان، الأولى عن التنصير عبر منظمات المجتمع المدني الخيرية الدولية، والثانية توضح قائمة الكنائس العاملة في التنصير في أفريقيا وتاريخها.
والفصل الثالث يختص ببيان دور الكنائس السودانية أثناء محادثات السلام بين الحكومة السودانية وحركة جنوب السودان، والتي توجت أخيرا بالانفصال!!
تنبع أهمية الكتاب من كونه متخصصا في قضية مهمة وهي التنصير، وكونه يشمل كافة القارة الأفريقية، ومن إعداد أبناء أفريقيا، ولعله الوحيد بهذا الوصف، كما أنه حديث الصدور.
وهو يحتوي على معلومات قيمة للقارئ والباحث في هذا الباب، تساعده على تكوين رؤية أولية لها طابع شمولي لقضية التنصير في أفريقيا.
وتعود محاولات التنصير في أفريقيا للقرن الرابع عشر الميلادي تقريباً، وتصاعدت مع الأيام، ثم شهدت مراحل ركود بسبب رفض الأفارقة لها، لكن المنصّرين لم ييأسوا، ونوعوا أساليبهم وطوروها.
وفي العصر الحاضر امتزج التنصير مع الاستعمار، فمنذ مؤتمر برلين 1884/1885م الذي قسم أفريقيا بين دول أوربا الاستعمارية الكاثوليكية (إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، فرنسا، بلجيكا)، مما أشعل حماس الكنيسة البروتستانتية فتحركت من (إنجلترا، سويسرا، ألمانيا، والدول الإسكندنافية، والولايات المتحدة)، ولذلك عرف التنصير على أنه “حركة دينية سياسية استعمارية”، ولذلك تتصاعد نسب التنصير مع الاستعمار والحروب والمجاعات.
وقضية التنصير في أفريقيا قضية لها أولوية على أجندة الكنائس المختلفة، فبابا الفاتيكان السابق يوحنا بولس الثاني كان قد أعلن في عام 1985 عن خطة لتنصير أفريقيا سنة 2000، ولذلك من بين 220 ألف منصر في العالم يوجد 119 ألفا منهم في أفريقيا!! ولأفريقيا الحصة الأكبر من ترجمات الإنجيل حيث ترجم إلى 498 لغة ولهجة أفريقية من مجموع 1808 ترجمات للغة ولهجة في العالم!!
والتنصير في أفريقيا تشارك به كل الكنائس الرئيسة في العالم وكثير من تفرعاتها:
الأقباط، الأرثوذكس، الكاثوليك، الرهبان الفرانسيسكان والدومنكان واليسوعيون، الآباء البيض والكبوتشيون، البروتستانت، الإنجليكان، الميثودست، البزربيتان، اللوثرية، الباتست والأدفنتست وشهود يهوه.
ولإنجاح عمليات التبشير قام المنصرون والكنائس بجهود ضخمة لدراسة البيئة الاجتماعية والطبيعية وكذلك دراسة اللغات واللهجات المحلية والديانات التقليدية الأفريقية، من أجل وضع أفضل الطرق والأساليب للتنصير.
ولذلك قام فرانك جراي بوضع مصفوفة للتنصير عرفت باسم مصفوفة جراي، حيث قسم الناس تجاه التنصير إلى أربع مجموعات:
مَن يعلم عن الإنجيل وله موقف إيجابي من المسيحية، وعكسه من يعلم عن الإنجيل وله موقف سلبي، ومن يجهل الإنجيل وله موقف إيجابي من المسيحية، وعكسه من يجهل الإنجيل وله موقف سلبي، ثم جعل لكل مجموعة برنامجا تنصيريا يناسبها.
وبرغم كل هذه الجهود والخطط وتسخير الاستعمار المباشر قديما، وغير المباشر حاليا عبر الحكام التابعين لأوروبا أو الخاضعين للمعونات والمنظمات الدولية، أو عبر محاربة الجهود الدعوية الإسلامية بفزاعة الإرهاب وفتح الباب على مصراعيه للتنصير، إلا أن الإسلام هو الدين الأول لمجمل سكان القارة الأفريقية بنسبة تفوق 50% من سكانها، ونسبة المسيحية في أحسن حالاتها لا تزيد عن 38% من السكان.
ولكن لا بد من التيقظ لهذه القضية وعدم الاكتفاء بما هو قائم اليوم، فالمنصرون يعملون بجد وعندهم إمكانات ضخمة، والدعوة الإسلامية تملك الحق ويلزمها القوة المالية والعلمية والإدارية والسياسية.
والكتاب على أهميته وفائدته يحتاج إلى طبعة جديدة تكون أكثر تحريراً، وترتيبا، وأن يُدعم أكثر بالخرائط والجداول الواضحة أو الملونة، ويقدم له باستعراض للكنائس العاملة في أفريقيا وتنوعاتها، وملخصا عن قصة التنصير ومداخله على مستوى القارة، ثم يستعرض الواقع في بلد بلد بحسب التقسيمات الجغرافية للقارة، مع إعادة ترتيب المادة بحسب كل دولة بشكل يكون أيسر للفهم مما هو عليه، وعموماً هذه هي طبيعة الأعمال الأولية في ميدان واسع كالتنصير وبحجم قارة كقارة أفريقيا، وهذا لا يبخس المعهد والمؤلفين حقهم في الشكر والتقدير، على وضع اللبنة الأولى في هذا الباب.
——-
** المصدر: الراصد.