الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

دروس دعوية وحضارية من كتاب “ماجلان قاهر البحار”

عبد المعبود بدر (خاص بموقع مهارات الدعوة)

دروس دعوية متنوعة نخرج بها من كتاب “ماجلان قاهر البحار”، الذي تتمثل أهميته في أنه يحكي الأحداث اليومية الواقعية لأهم وأشهر رحلة بحرية في التاريخ الإنساني، كما أن التأريخ لهذه الرحلة أحدث نقلة نوعية في مجال التأريخ؛ إذ يعتبر من أوائل الرحلات التي دونت أحداثها ويومياتها من خلال معايشة لحظية للمؤرخ أو المدون مع صاحب الأحداث ورجال الرحلة المؤثرين؛ فقد اصطحب دي ماجلان الشاب بيجافيتا؛ ليكون مؤرخا له ومدونا لكافة تفصيلات وجزئيات هذه الرحلة منذ ساعة الإقلاع إلى أن عادت راسية مرة أخرى على الأراضي الإسبانية.

كتاب ماجلان

المتأمل في الكتاب يخرج منه بمجموعة دروس دعوية مهمة

ويعد السبب الأساس من الرحلة هو رغبة مملكة الإسبان في سرعة الوصول إلى جزر التوابل والبهار (جزر إندونيسيا والفلبين حاليا) من ناحية الغرب، إذ تعتبر الرحلة من ناحية الغرب أسرع منها من الشرق، إلا أن هذا الطريق كان يحمل في طياته عبور البحر اللانهائي الذي لم يخض عبابه بشر قط، ولم يجرؤ إنسان أن يمخر فيه بسفنه حتى يصل إلى الشاطئ الآخر (المحيط الهادئ) إلا أن ماجلان يعتبر أول من أبحر بين شاطئي هذا البحر اللانهائي، وبذلك فقد استطاع ماجلان -ذلك البحار الذي بدأ حياته بحارا مغمورا في بلاط المملكة البرتغالية- أن يصبح أشهر وأهم بحار في تاريخ الإنسانية قاطبة؛ حيث قدم للبشرية اكتشافات هي الأولى والأهم على الإطلاق؛ إذ أنه أول بحار يكمل دورة كاملة حول الأرض فترسو سفينته على نفس الأرض من الجهة الشرقية بعد أن أبحرت من نفس هذا المكان من الجهة الغربية، مستكملة دورة كاملة متكاملة حول الأرض.

وبذلك أثبت للعالم أجمع النظرية القائلة بكروية الأرض، كما أثبت نظريته الخاصة بأن الوصول إلى جزر البهار والتوابل من جهة الغرب أقرب منه من جهة الشرق، وقدم للبشرية الكثير من الخرائط والاكتشافات التي استفاد منها جميع من اشتغل بهذا العلم من بعده، كما يعد اكتشافه لمضيق ماجلان الذي يربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ كشفا جغرافيا أحدث تغيرا نوعيا في مجال الملاحة وعلم الجغرافيا من بعده.

ونظرا للنجاح الكبير الذي حققه ماجلان في هذه الرحلة -رغم أنه لم ير نتائجها (إذ أنه مات مقتولا قبيل استكمال الرحلة)- فإننا نتناول هذا الكتاب من ناحية التحليلات العقدية والفوائد الدعوية التي كان لها كبير الأثر في مجرد نشوء فكرة الرحلة من الأساس، فنقدم فيما يلي بعض الدروس والعبر التي نعتقد أنها تفيد قارئ ومطالع هذا الرحلة -أهم وأشهر رحلة بحرية في التاريخ الإنساني- من ناحية وقوفه على بعض المقارنات والتنظير لأحداث ومحطات الرحلة الرئيسة في ضوء المنظور الدعوي الإسلامي.

دروس دعوية

  • وصول الإسلام والمسلمين إلى جزر البهار والتوابل قبل أن يصلها الغربيون أو يسمعوا عنها بقرون طويلة.
  • اختلاف طريقة وصول الإسلام والمسلمين عن وصول الغرب كليًا وجزئيًا، ففي حين وصلها الإسلام عن طريق الدعوة وتقديم النموذج المثالي لحياة البشر، فقد وصلها الغربيون عن طريق التخويف والسيف.
  • اختلاف نظرة أهل جزر البهار والتوابل لكل من التجار المسلمين والدعاة المسلمين عن الغزاة الغربيين؛ ففي حين كانت نظرتهم للإسلام والمسلمين نظرة تقدير وحب، كانت نظرتهم للغزاة من الغربيين نظرة تخوف وريبة ومعاداة.
  • في حين أسلم كثير من ملوك هذه الجزر الصغيرة بفضل الدعوة والمعاملة الحسنة، استعصى على أهل الغرب تطويع أي ملك من ملوك جزر البهار والتوابل للمسيحية.
  • الوحيدون الذين استطاعوا أن يقفوا لماجلان ويحاربوا هذا الغزو الغربي باسم الصليب كانوا الملوك المسلمين من أهل جزر البهار والتوابل (جزر الفلبين وإندونيسيا حاليا).
  • اندفاع بحارة ماجلان نحو النساء وكثرة حالات الاغتصاب من قبل الغربيين المسيحيين مما كان له أكبر الأثر في ثورة ملك الفلبين المسلم سي لابو لابو وطرده للغزاة الذين لا يحترمون الدين ولا الأخلاق.
  • على طول الرحلة وعرضها سواء في اكتشافات البحارة في بداية الرحلة لبعض الأحياء في أرض أمريكا الجنوبية أو اكتشافهم لجزر البهار والتوابل، كان هدفهم الأساس متجها لتحقيق الثروة وامتلاك الأرض، بخلاف الدعوة الإسلامية التي تتجه مباشرة لدعوة الناس للصلاح ومحاسن الأخلاق.
  • على الرغم من إشراف ماجلان بنفسه على أن يصطحب معه كل ما يخطر على البال مما سيحتاج إليه خلال الرحلة -حتى اصطحب معه سبع بقرات حية- لم يصطحب ماجلان أيًّا من القسس والرهبان في هذه الرحلة، رغم حرصه الشديد على اصطحاب مدون يدون له جميع المشاهدات والاكتشافات خلال الرحلة، بخلاف أي رحلة قام بها المسلمون منذ القرن الأول الهجري حيث كانوا يحرصون على أن يتواجد بها قيادة دينية بجانب القيادة العسكرية، مما يدل دلالة واضحة على حرص المسلمين على نشر دينهم وأخلاقهم قبل حرصهم على فتح البلدان.
  • الشروط التي اشترطها ماجلان وفاليريدو على ملك إسبانيا قبيل الرحلة التي تنص على امتلاك الجزر وامتلاك جزء من عشرين جزءًا من ثروتها، تؤصل للأهداف المادية والاستعمارية للحملة، كما أنها تنسف فكرة فضل الخير والبر بين الناس المتأصلة عند المسلمين (لأن يهدي الله بك رجلا خير من الدنيا وما فيها).
  • على الرغم من هذه الحقائق الواقعية خلال تلك الرحلة -التي كانت أول رحلة للدوران الكامل حول الأرض- فإن هذه الرحلة تعتبر أعظم رحلة بحرية في التاريخ الإنساني قاطبةً.
  • وجود أغلب الحقائق العلمية التي توصلت لها هذه الرحلة –إن لم يكن كلها- عند علماء المسلمين الذين استنبطوها من تفسيراتهم للقرآن الكريم وصحيح السنة النبوية قبل أكثر من خمسة أو ستة قرون من رحلة ماجلان.
  • الأهداف الاستعمارية الصرفة التي كانت تحرك تلكم الاكتشافات التي يتباهى بها الغرب الآن.
  • المجاملات السياسية الصارخة التي كان يقوم بها البابا تجاه الملوك وخاصة ملكي إسبانيا والبرتغال، مما يخرج اختصاصات الباباوات من العمل الديني الدعوي إلى العمل السياسي الصرف.
  • الخيانة والقتل باسم الصليب الذي لم ينقطع طوال الرحلة وبكافة أجزائها.
  • انتشار فكرة الفتوح الصليبية وفتح الأرض قاطبةً باسم الصليب، حتى قَسَم البابا الأرض من مشرقها إلى مغربها ومن أقصاها إلى أدناها بين ملكي البرتغال وإسبانيا، من خلال حروب صليبية شاملة.
  • انتشار أفكار التنجيم والأخذ بعلم النجوم والتراجع عن بعض الأعمال العظيمة بسبب النجوم، في وجود البابا وعدم رفضه لتلك الممارسات الخرافية المضادة للدين.

 

مواضيع ذات صلة