د. رمضان فوزي بديني
يتميز الإسلام بأنه نظام شامل ينتظم كل مناحي الحياة؛ فقد قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}؛ فالقرآن هو تنزيل رب كل شيء؛ ولذلك جاء تبيانا لكل شيء؛ فهو يجمع بين الدنيا والآخرة، بين الروحانية والمادية، بين الواقعية والمثالية؛ فهو يدير شئون الفرد وشئون الأسرة وشئون المجتمع، كما أنه نظام سياسي، ومنظومة اجتماعية، ومؤسسة اقتصادية، كما أنه قبل كل هذا صلة بين العبد وربه؛ يقول تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ولقد تعددت المحاولات لتفريغ الإسلام من هذه الميزة الكبرى التي تعد مصدر الحياة والانتشار له، واختلفت الأغراض من وراء هذه الحملات؛ فمنها ما كان مقصده خالصا وسليما ولكن كان عنده عوار في الفهم؛ فتصور الإسلام على أنه عبادة بين جدران المحراب فقط، ومنها ما كان عن سوء نية وخبث طوية؛ فجاءت محاولات من أعداء الدين الذين سعوا إلى تفكيك الإسلام وتجزئته؛ فهم يريدونه دينا لاهوتيا محصورا في ضمير الفرد فقط، ويريدونه عقيدة بلا شريعة، أو عبادة بلا معاملات.
ونظرا لخطورة الأمر أصبح حريا بالدعاة إلى الله تعالى في هذا الوقت أن يعوا هذه الدسائس جيدا وأن يكونوا على بصيرة من أمرهم وهدى من ربهم؛ فلا تغيب عن عقيدتهم شمولية الإسلام وانتظامه كل مظاهر الحياة كما أراده الله رب العالمين.
الاعتقاد لا الممارسة
المطلوب من الداعية أن يعتقد بشمولية الإسلام، ويؤمن بها إيمانا لا تزحزحه الجبال الرواسي، ويسير بهذه العقيدة ينير بها طريق دعوته على هدى من ربه.
ولكن المطلوب في هذا الجانب هو الاعتقاد والإيمان فقط وليس الممارسة؛ فبعض الدعاة يحاولون الجمع بين كل ألوان الدعوة؛ فهو في المسجد يخطب، وفي السياسة يشترك، وفي الأعمال الاجتماعية يتواجد، وفي الثقافة يكتب، وهكذا محاولا أن يكون داعية (سوبرمان).
والحق أن هذا الداعية مأجور على نيته إن أخلص فيها لله تعالى، ولكن يبقى محل نظر من حيث تأثيره الدعوي؛ ذلك أن الدعوة فن، وتحتاج إلى فنان متخصص في أحد ألوانها؛ فهي لا تقبل من يلعب على كل الحبال أيا كانت مهاراته وإمكانياته؛ لأن تأثير ذلك يكون سلبيا على الدعوة وعلى الداعية.
وصحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رغم همتهم العالية وإيمانهم المتوهج المستمد حرارته من الوحي الغض المباشر من رب السماوات.. رغم ذلك كان لكل منهم تخصصه الذي يجيده وفنه الذي يبرز فيه؛ فهاهو خالد بن الوليد يحصد رقاب الأعداء في ساح الوغى، وهاهو حسان بن ثابت يبز الشعراء وينافح عن دعوته بلسانه، وهاهو أبو هريرة يلازم الرسول الكريم وينبغ في حفظ أقواله ورواية أحاديثه.. حتى وصلت إلينا الدعوة في صورتها النهائية متكاملة شاملة لكل التخصصات والفنون؛ فجاءت كعروس الحسن في أبهى حلة.
وإزاء هذا الأمر فإن دور الداعية تجاه شمولية الدعوة يمكن أن يتحدد في النقاط التالية:
- الإيمان الجازم والاعتقاد الراسخ بأن الإسلام دين يشمل كل مناحي الحياة.
- تبصير الناس وتعريفهم بهذه الشمولية، وشرح كيفية ترجمتها إلى سلوكيات في حياة الناس.
- إنزال هذا الفهم وهذه الاعتقاد على الواقع المعيش؛ بحيث يراعي هذه الداعية حكم الإسلام ومقاصده في كل مناحي حياته؛ فتكون الشمولية نموذجا مجسدا فيه.
- معرفة الأغراض المضادة والمتآمرة على الإسلام بحصره في زاوية ضيقة، وتبصير الناس بمخاطرها.
آثار شمولية الداعية في الممارسة
إن الداعية الذي يتصدى لكل المهام الدعوية، ويريد أن يمارس كل صنوف الدعوة، ويكون له نصيب في كل نشاط دعوي يجني على نفسه ودعوته الكثير من الأضرار والنتائج السلبية مثل:
- تعرضه للعُجب بالنفس وتسلل الرياء لقلبه دون أن يشعر.
- تأثر الجانب الإيماني لديه، وتضييع حق ربه عليه؛ بسبب كثرة انشغالاته ومواعيده الإدارية.
- تشتته بين الأنواع الدعوية المختلفة وعدم إتقانه أيا منها؛ وهو ما يظهر دعوته بصورة شائنة شائهة.
- إضاعة الكثير من الثمار التي كانت ستجنيها الدعوة لو أنه ركز في تخصصه الذي يجيده؛ فمثلا كم من علماء أجلاء ومفكرين فضلاء ضاع جهدهم وفكرهم بانشغالهم ببعض الأمور السياسية مثلا، أو الأعمال العامة.
- إنفاقه للكثير من الجهد والوقت للقيام بكل هذه المهام؛ وهو ما يكون له أثره على نفسه -فربما يصاب بالفتور- وعلى أسرته –فهو حتما سيضيع حقهم عليه-؛ فالمنبتّ لا أرضا قطع (تحقيق الهدف) ولا ظهرا (جسمه وأهله) أبقى.
- عدم مقدرته على تنمية ذاته فكريا وحركيا ومهاريا، واعتماده على مخزونه القديم الذي هو عرضة للنفاد.
- سد الباب على الآخرين؛ فربما يضيع الفرصة على من هو أكفأ منه في مكان معين، وأيضا يضيع الفرصة على تخريج كوادر جديدة في مختلف التخصصات الدعوية.