الاستشارة:
أريد أن أصلح في الأرض، ولكن لا يوجد عندي شهادة جامعية، وأنا جالسة في بيتي، ولست متزوجة لكي أصلح بيتي وأولادي.. فبماذا تنصحني أن أعمل؟
الإجابة:
الحمد لله..
الإصلاح في الأرض وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل الأولى، يقوم بها من بعدهم الصالحون والمؤمنون، يبتغون في ذلك رضوان الله تعالى، الذي أمرهم بالخيرات، ونهاهم عن السيئات.
فقد قال عز وجل على لسان نبيه شعيب عليه السلام:
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
ثم إن من فضل الله على عباده أن فتح للخير أبوابا لا تعد ولا تحصى، ونصب لمن أراد الإصلاح والصلاح كل سبيل، ولم يَقصُر سبيل الخير على شخص أو مكان أو زمان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ” رواه البخاري (9) ومسلم (35).
فكل طاعة تقومين بها من صلاة وصيام وزكاة وقراءة للقرآن هي لبنة في صلاح الأرض وعمارتها بالخير، إذ هي سبب لنزول الرحمات وتتابع الخيرات ودفع النقمات، ورب حسنة كانت سببا في نجاة قوم من العذاب والهلاك، بل حتى الاستغفار والذكر باللسان سبب يفتح الله به أبواب البركات.
يقول الله سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح: 10-12).
ومن أعظم الإصلاح في الأرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا عرف المسلم أركان الإسلام وفرائضه الظاهرة بلّغَها الناس، وذكر بها الغافلين، وعلمها الجاهلين، وإذا عرف الكبائر والمحرمات الظاهرة حذر منها المسلمين، ووعظ الوالغين فيها من سخط الله وعقابه، يبدأ بِمَن حوله من أهل بيته وجيرانه وأصحابه، وإن قدر على إيصال كلمته إلى غيرهم لم يتوان ولم يُقصِّر، وهو في ذلك يبتغي مرضات الله عز وجل.
فإن عجزت عن شيء من ذلك كله، فأمسكي عن الشر، فهو صدقة منك على نفسك، وإصلاح لنفسك، ولغيرك:
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: ( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا.
قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟
قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟
قَالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ) رواه مسلم (84).
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الله يتقبل من عباده كل إصلاح وصلاح إذا كان خالصا لوجهه الكريم، مهما كان صغيرا، خاصة إذا كان فيه إحسان إلى الناس، ومساعدة لهم، وتفريج كرباتهم وقضاء حوائجهم.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه مسلم (2626)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ” رواه البخاري (2891) ومسلم (1009).
فوصيتنا لك أن تُفَتِّشي حولك عن أبواب الخير كلِّها: البر بالأقارب والأصحاب والإخوان، والإحسان إلى الجيران، ورعاية الفقراء والأيتام، وعيادة المرضى، ونحوها من الأبواب، فتسلكي منها ما ييسره الله لك، مع حرصك الدائم على مراقبة الله تعالى في نفسك في السر والعلن، والمسارعة نحو الاستزادة من الطاعات والعبادات، ليكون كل يوم يمر عليك أفضل من اليوم الذي يسبقه.
كما نوصيك بالبحث عن العلم النافع، سواء كان علما شرعيا، أم علما دنيويا، ليكون لك بابا من أبواب الخير، وتتمكني به من خدمة المسلمين، وإصلاح شأنهم، واحرصي على اختيار العلم الذي يحتاجه مَن حولك مِن الناس، لتكوني أنت مَن يسد عنهم حاجتهم، فتنالين بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى.
نسأل الله سبحانه لنا ولك التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.
والله أعلم.
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب