د. سلمان بن فهد العودة
إذا كان للعادة تلك السطوة القاهرة على الفرد فما بالك حين تكون هذه العادة عرفاً سائداً في القبيلة أو البلد أو الجماعة وتصبح جزءاً جوهرياً في الهوية؟
حين أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- تغيير عادات التبني في الجاهلية جعل من نفسه مثلاً وتحمل التبعات المؤلمة كما في قصة زيد بن حارثة ونزول قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب: 37).
التمسك المعتدل بالعادات فضيلة إنما المشكلة في “تصلب الشرايين الاجتماعي” والجاهزية للتطرف والقتال من أجل التوافه.
من العادات الحسنة أن يكون الفرد والمجتمع قابلاً للتغيير فيما شأنه التغيير وهو معظم قضايا الحياة.
هل يحق للمجتمع محاكمة عادات الفرد حتى لو لم تؤثر على مصالحه العليا ولم تسئ إلى قيمه الثابتة الراسخة؟
من الممكن أن يتحول التغيير إلى عادة حتى لا يقع الناس أسرى لمألوف ضار أو فاسد.
الربط بين الدين الرباني والثقافة البشرية بحيث يصبح التخلي عن عادة انتهاكاً للهوية هو مشكلة مزمنة في المجتمع.
وقديماً قال المشركون: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا} (الأعراف: 28).
كانت عادتهم الخلط العشوائي أو المساواة بين ما وجدوا عليه الآباء وما يعتقدون أن الله أمرهم به، فالموروث لديهم في قداسة المنزل إلى درجة أن “الفاحشة” تنسب إلى الدين!
ويرد القرآن راسماً “المنهج النقدي للعادات” {قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء} (الأعراف: 28)؛ فهذه عاداتهم الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم وهي تتعرض للنقد القرآني.
ثم رسم القرآن “المنهج النقدي لتحصيل المعرفة” فقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 28)، ولا دليل عندهم أن الله أمر بها.
فجردها من مرجعيتها الأخلاقية والدينية.
التمسك بالعادة أحياناً أقوى من التمسك بالدين ولذلك تقول العامة “العادة تغلب العبادة”.
المألوف السلوكي والثقافي يؤثر كثيراً في فهم النصوص وتطبيقها حتى في بعض الجزئيات المتعلقة بجوهر الدين.
قصر الصلاة الرباعية يوم عرفة للحاج المكي أمر شائع، ويحجم كثير من المفتين والفقهاء عن إنكاره، مع أنه يتعلق بالصلاة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يعرف في الكتاب والسنة أن صلاة الظهر ركعتان إلا للمسافر.
وفي القرآن شرط إضافي وهو الخوف، ولكن دلت السنة على أن كل مسافر يقصر، وفي صحيح مسلم عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ “لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا” فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ: “صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ” تفرَّد بهذا الحديث مسلم بن الحجاج دون البخاري، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبي كريب، وزهير بن حرب، كلهم عن عبد الله بن إدريس.
عادات الناس تجري فيها الأحكام الخمسة ما بين الواجب والمحرم والمستحب والمكروه والمباح.
والأصل فيها الإباحة.
اللباس مباح في الأصل وإن كان لكل قوم لباسهم الخاص.
وطبع الإنسان يضفي القداسة على ما اعتاده، وهذا يمنع من تغيير عادات كثيرة ينبغي تغييرها.
المصدر: موقع الشيخ سلمان العودة.