د. عامر الهوشان

لا يبدو أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في طريقها إلى التراجع في أوربا والعالم الغربي عموما، بل على العكس من ذلك تماما، فالظاهرة على ما يبدو تأخذ أشكالا جديدة يوما بعد يوما، لتتجاوز القوانين الغربية وشعاراتها الوهمية في حماية الحريات، وعلى رأسها الحرية الدينية المزعومة.

ولا تخطئ عين المتابع تصاعد نبرة التحريض الإعلامي الغربي الفاضح ضد المسلمين بشكل عام، حيث تتحدث وسائل الإعلام هناك بشكل سلبي عن المسلمين في برامجها، دون أي مبرر أو داع سوى الكراهية المجبولة عليها، ناهيك عن تحريض الأحزاب اليمينية المتطرفة ضد وجود المسلمين في أوربا أصلا، تلك الأحزاب التي باتت في صعود سياسي واضح في الفترة الأخيرة، حتى وصلت إلى الحصول على الأغلبية في انتخابات برلمان الاتحاد الأوربي مؤخرا.

لم تكن حادثة مقتل طالبة سعودية في لندن الثلاثاء الماضي هي الأولى من نواعها، فمنذ عشر سنوات وظاهرة تزايد كراهية المسلمين تزداد في المجتمع البريطاني – كما يقول رئيس اتحاد الجمعيات الطلابية الإسلامية عمر علي – ولكنها أعادت للأذهان الأحداث التي تلت حادثة 11 من سبتمبر، وما أعقبها من هجمة شرسة على المسلمين في كل من أمريكا والغرب عموما.

لقد أثارت قضية مقتل المبتعثة السعودية ناهد المانع (31 عاما) – والتي كانت تدرس اللغة الإنجليزية في أحد المعاهد تحضيرا للدخول في برنامج الدكتوراه بجامعة إيسكس – مخاوف كبيرة لدى مسلمي بريطانيا، من أن تكون هذه الحادثة مؤشرا جديدا على ارتفاع منسوب الكراهية تجاههم -الموجودة أصلا في أوربا- والتي تعززت بإعلان الشرطة البريطانية في بيان لها: “إن الطالبة التي قتلت في جريمة مروعة بإحدى الحدائق العامة كانت ترتدي حجابا كاملا وعباءة تقليدية سعودية، وهو ما يبين أن هويتها المسلمة ربما تكون وراء مقتلها”.

لقد بات التحريض الإعلامي واليميني في أوربا لا تقتصر نتائجه على المضايقات في المؤسسات والمدارس وأماكن العمل وغير ذلك، ولا مجرد الحرمان من الحقوق الدينية والسياسية والاجتماعية، وإنما وصلت نتائجه إلى فقدان المسلمين لأرواحهم ، وهو ما يعني أن مرحلة جديدة قد دخل بها المسلمون في أوربا مع ظاهرة الكراهية المعروفة عالميا “بالإسلاموفوبيا”.

فمنذ فترة اعتمدت الحكومة البريطانية بناء على رسالة مجهولة النسب والمصدر، تتحدث عن التحذير من أسلمة المدارس في “برمنغهام”، لتتخذ على إثرها قرارات تجاه 21 مدرسة خاصة “إسلامية”، واتهامها بالعمل على أسلمة المجتمع ثم إخضاعها للرقابة الحكومية المباشرة، دون أي دليل أو برهان واضح.

إن الازدواجية في تعامل الحكومات الغربية مع المسلمين بخلاف غيرهم، يثير كثيرا من علامات الاستفهام حول شعاراتهم التي يطلقونها حول الحرية والمساواة بين جميع المواطنين هناك، فبينما تأخذ الحكومة قرارات ضد المسلمين لمجرد الشبهة، لا تفعل ذلك مع غيرهم رغم وجود الكثير من الدلائل على اتهامهم واستحقاق إصدار القرارات الحكومية ضدهم.

فبينما تقوم الحكومة البريطانية وغيرها بالقبض على أي مسلم في أي قضية لمجرد الشبهة، تطلق الشرطة البريطانية الرجل الخمسيني الذي اعتقلته بتهمة قتل “ناهد المانع” بدعوى أنها لا تملك حتى الآن أدلة كافية تؤكد أن الطالبة قتلت بسبب دينها.

لقد زادت الاعتداءات على المسلمين في بعض مناطق لندن إلى 500% منذ العام الماضي، وقد أظهر تسجيل الإحصاءات للحوادث التي يتم الإبلاغ عنها للشرطة فقط ارتفاع الاعتداءات على المسلمين بنسبة 60 % بين شهري فبراير 2013 وفبراير 2014, وأن هذه الاعتداءات -المسجلة رسميا- على المسلمين قد بلغت 500 حالة اعتداء، أما في عام 2012 فتم تسجيل 336 حالة، وفي عام 2011 سجلت 318 حالة، كان معظمها بتحريض واضح من مواقع الجماعات اليمينية المتطرفة التي ساهمت بشكل ملحوظ في زيادة الاعتداءات على المسلمين.

كما أظهرت التقارير أن نسبة المعتدى عليهن من النساء المسلمات أكبر من الرجال، حيث تتعرض الفتيات المسلمات -لسهولة تمييزهن بغطاء الرأس وبالتزامهن بالحجاب الشرعي الإسلامي- بشكل خاص لألفاظ عنصرية بالشوارع، كما رصدت اعتداءات وهجمات على المساجد، واعتداءات عنصرية وكتابات على الجدران تحمل عبارات مناهضة للمسلمين، لتصل إلى حد القتل في حادثة المبتعثة السعودية في بريطانيا.

ويبدو أن الإحصائية التي نشرتها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية على موقعها الإلكتروني نقلا عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، والتي رصد فيه تزايد أعداد معتنقي الإسلام في بريطانيا -الذي وصل قرابة 5 ملايين مسلم- على نحو وصفته بـ«الدراماتيكي» ، مقابل تراجع حاد في أعداد المسيحيين بين السكان بريطانيي المولد، هو ما يجعل حالة العداء والكراهية للمسلمين “الإسلاموفوبيا” تتنامى وتزداد.

——

المصدر: موقع المسلم.