إن الدعوة التي جاء بها المسيح عليه السلام هي عبادة الله الواحد، رب المسيح ورب العالمين: {هذه هي الحياة الأبدية؛ لابد أن يعرفوك: أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته} [يوحنا 17/3]
سأله رئيس قائلاً: {أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحاً؛ ليس أحد صالحاً إلا واحد؛ هو الله!!} [لوقا 18/18-19]
{وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك العالم، وقال له: أعطيك هذا السلطان كله، ومجد هذه الممالك، لأنه من نصيبي، وأنا أعطيه لمن أشاء!! فإن سجدت لي يكون كله لك. فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان، يقول الكتاب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد.} [لوقا 4/5-8]
إن توحيد الله الذي لا إله إلا غيره، أعظم وصية جاء بها المسيح، وهو أعظم وصايا الأنبياء جميعاً: {وكان أحد معلمي الشريعة هناك، فسمعهم يتجادلون، ورأى أن يسوع أحسن الرد على الصدوقيين، فدنا منه وسأله: ما هي أول الوصايا كلها؟
فأجاب يسوع: الوصية الأولى هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا هو الرب الأحد؛ فأحب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل فكرك، وكل قدرتك. والوصية الثانية مثلها؛ أحب قريبك مثلما تحب نفسك. وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين.
فقال له معلم الشريعة: أحسنت يا معلم؛ فأنت على حق في قولك: إن الله واحد، ولا إله إلا هو، وأن يحبه الإنسان بكل قدرته، وأن يحب قريبه بكل قلبه وكل فكره وكل قدرته، وأن يحب قريبه مثلما يحب نفسه، أحسن من كل الذبائح والقرابين.
ورأى يسوع أن الرجل أجاب بحكمة، فقال له: {ما أنت بعيد عن ملكوت الله. وما تجرأ أحد بعد ذلك أن يسأله عن شي} [ مرقس 12/28-34].
ولا تظن أن هاتين الوصيتين لإسرائيل، أو لشعبه فقط، بل هي أصل الشريعة وتعاليم جميع الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيل متى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدهما: {على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها، وتعاليم الأنبياء} [متى 22/39]
فهذا التوحيد حقاً هو رسالة كل الأنبياء؛ قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ.) الأنبياء/25
وهو الأصل الذي دعا إليه المسيح، وحذر من مخالفته؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ.) المائدة/72
وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن نلتقي عليه جميعا؛ قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.) آل عمران/64
إنها غريبة على النصرانية الحقة تلك المحاولة اليائسة للجمع بين التوحيد الذي جاءت به الأنبياء، وصرح به الكتاب المقدس لديكم، وقررته التوراة خصوصاً، وبين ما تؤمنون به من التثليث.
جاء في دائرة المعارف الأمريكية: (لقد بدأت عقيدة التوحيد –كحركة لاهوتية– بداية مبكرة جداً في التاريخ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين. لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد.
إن الطريق الذي سار من أورشليم [مجمع تلاميذ المسيح الأول] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيماً.
إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافاً عن هذا التعليم، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث، كما أن انتصارها لم يكن كاملاً.) [27/294]
نعم سوف يتجلى الحق عياناً في المستقبل، كما تجلى لنا اليوم، والحمد لله؛ يوم يجمع الله الرسل فيشهدهم على أممهم؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة.