القائمة الرئيسية
 الانفصام الدعوي (2 /5).. مع النفس

ثقافة الحوار من منظور إسلامي

 الإبداع للتنمية البشرية

1- الحوار والتواصل:

هو القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، وهو ما يميز الإنسان عن غيره؛ مما سهل تبادل الخبرات والمفاهيم بين الأجيال. ويتم

الحوار في الإسلام

ثقافة الحوار

التواصل من خلال عمليتين هما: الإرسال (التحدث) والاستقبال (الاستماع).

2- أدب الاستقبال (الاستماع):

يعد حسن الاستماع من أهم شروط التواصل الناجح مع الآخرين، ويفيد الطرفين في استمرار الحوار والتواصل وشعور المتحدث بارتياح واطمئنان وشعور المستمع بالفهم الجيد والإلمام بموضوع الحوار مما يمكنه من الرد المناسب.

 ولتحيق الاستماع الجيد لا بد من توفر شروط منها:

 إقبال المستمع نحو المتحدث.

 عدم إظهار علامات الرفض والاستياء.

 عدم الانفعال أو إعطاء ردود فعل سريعة ومباشرة قبل إنهاء المتحدث كلامه ؛ كي يستمر المتحدث في الاسترسال ويستمر التواصل.

3- أدب الحديث (الإرسال):

ويكون بالإقبال نحو المستمع، وعدم المبالغة في إظهار الانفعال وحركات الأيدي والتوسط في سرعة الرد. ومما يؤثر على استمرار الحوار إيجابية الموضوع وجاذبية، وراحة المستمع له.

4- مستويات الحوار:

 المستوى الأول: حوار داخلي مع النفس بمحاسبتها وحملها على الحق. ويكون بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة حتى يصل الإنسان للاطمئنان.

 المستوى الثاني: حوار بين أفراد المجتمع الإسلامي وفق اجتهاداته المختلفة عملا بمبدأ: “نصف رأيك عند أخيك”، ومبدأ المحافظة على وحدة الصف الإسلامي “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”.

 المستوى الثالث: حوار بين المسلم وغير المسلم، وهو حوار يجري وفق مبدأ المدافعة الذي يمنع الفساد وينمي الخير لإعمار الكون، {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: 251).

 5- غــاياته:

للحوار أهداف قريبة وأخرى بعيدة ، فالقريبة تطلب لذاتها دون اعتبار للآخر ، والبعيدة لإقناع الآخرين بوجهة نظر معينة.

6- آدابــه:

 – حسن الخطاب وعدم الاستفزاز أو ازدراء الآخرين. فالحوار غير الجدال، واحترام آراء الآخرين شرط نجاحه، ومن ذلك حوار الأنبياء مع أقوامهم، ومثاله ما أمر الله به موسى وهارون في مخاطبة فرعون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 34، 44).

ومنه كذلك ما يسوقه القرآن الكريم في معرض الحوار والمناظرة مع المخالفين لنا في الدين والعقيدة ، يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} (سبأ: 24- 26).

ومن المناظرات التي نقلها لنا القرآن الكريم مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع النمرود وفيها يقول سبحانه وتعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة: 257، 258).

– صدور الحوار عن قاعدة قولنا: “قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب”؛ فالحق ضالة المؤمن أنى وجده فهو أحق به، وضالة كل عاقل هو الحق.

– الرجوع للمرجعية المعرفية عند الحوار بين المسلمين، ويتمثل في القرآن والسنة الصحيحة.

الحوار الإسلامي في عهد الرسول

لقد اهتم الإسلام بالحوار اهتماماً كبيراً، وذلك لأن الإسلام يرى أن الطبيعة الإنسانية ميالة بطبعها وفطرتها إلى الحوار أو الجدال كما يطلق عليه القرآن الكريم في وصفه للإنسان {وَكَانَ الإنْسَانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}، بل إن صفة الحوار أو الجدال لدى الإنسان في نظر الإسلام تمتد حتى إلى ما بعد الموت، إلى يوم الحساب كما يخبرنا القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَوْمَ تأتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}.

من خلال ذلك نرى أن الحوار لدى الإنسان في نظر الإسلام صفة متلازمة معه تلازم العقل به؛ ولهذا فقد حدد الإسلام المنطلق أو الهدف الحقيقي الصادق الذي ينطلق منه المسلم في حواره مع الآخرين، فالإسلام يرى بأن المنطلق الحقيقي للحوار هو (ضرورة البحث عن الحق ولزوم أتباعه)، {فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إلا الضَّلال}، {قُلْ فَاتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا اتَّبِعْهُ انْ كُنْتُم صَادِقِين”، وهذه إحدى القواعد الأساسية في الحوار الإسلامي.

ولأن الحوار ضروري وملح في الدعوة الإسلامية فقد رسم الرسول الأكرم أروع الأخلاق في الحوار وأحسنها، بل وأسماها وأنبلها؛ لأنها أولاً مطلب إلهي أوصى الله به رسوله في كثير من الآيات القرآنية العظيمة، والتي من بينها قوله تعالى: {وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ}، وكذلك قوله: {ادْفَعْ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْم}.

وثانياً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بطبعه على خلق كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْم}. ولأنه – صلى الله عليه وسلم- كذلك فقد جاء بأفضل الأساليب في الحوار نورد أهمها:

أ) أسلوب الشك ووضع الأفكار موضع التمحيص والاختبار، واحترام الرأي الآخر وعدم إسقاطه؛ {وإنَّا وإيَّاكُم لَعلَى هُدَىً أو في ضَلالٍ مُبِيْن}.

ب) البدء في الحوار بالأفكار المشتركة:

{قُلْ يا أهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم إلا نَعْبُدَ إلا اللهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أرْبَابا مِنْ دُوْنِ الله}.

ج) إنهاء الحوار السلبي بالإيجابية والاتفاق:

{قُلْ يا أيُّهَا الكَافِرُون * لا أعْبُدُ ما تُعْبُدُون * ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد * ولا أنَا عَابِدٌ ما عَبَدْتُم * ولا أنْتُم عَابِدُونَ ما أعْبُد * لَكُم دِيْنُكُم وليّ دِيْن}.

{وإنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لي عَمَلي ولَكُم عَمَلُكُم أنْتُم بَريْئُونَ مما أَعْمَلُ وأنَا بَرِيءٌ مما تَعْمَلُون}.

ألوان الحوار السلبي

ألوان الحوار السائدة في حياتنا والمؤثرات في سلوكنا وفى مسيرتنا الحضارية أفرادا وجماعات متنوعة، ولنبدأ بألوان الحوار السلبي:

1. الحوار العدمي التعجيزي: وفيه لا يرى أحد طرفي الحوار أو كلاهما إلا السلبيات والأخطاء والعقبات، وهكذا ينتهي الحوار إلى أنه لا فائدة، ويترك هذا النوع من الحوار قدراً كبيرا من الإحباط لدى أحد الطرفين أو كليهما حيث يسد الطريق أمام كل محاولة للنهوض.

 2. حوار المناورة (الكر والفر): ينشغل الطرفان (أو أحدهما) بالتفوق اللفظي في المناقشة بصرف النظر عن الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة وهو نوع من إثبات الذات بشكل سطحي.

3. الحوار المزدوج: وهنا يعطي ظاهر الكلام معنى غير ما يعطيه باطنه لكثرة ما يحتويه من التورية والألفاظ المبهمة، وهو يهدف إلى إرباك الطرف الآخر ودلالاته أنه نوع من العدوان الخبيث.

4. الحوار السلطوي (اسمع واستجب): نجد هذا النوع من الحوار سائدا على كثير من المستويات، فهناك الأب المتسلط والأم المتسلطة والمدرس المتسلط والمسئول المتسلط… إلخ، وهو نوع شديد من العدوان حيث يلغي أحد الأطراف كيان الطرف الآخر ويعتبره أدنى من أن يحاوَر، بل عليه فقط السماع للأوامر الفوقية والاستجابة دون مناقشة أو تضجر وهذا النوع من الحوار فضلا عن أنه إلغاء لكيان (وحرية) طرف لحساب الطرف آخر فهو يلغى ويحبط القدرات الإبداعية للطرف المقهور فيؤثر سلبيا على الطرفين وعلى الأمة بأكملها.

 5. الحوار السطحي (لا تقترب من الأعماق فتغرق): حين يصبح التحاور حول الأمور الجوهرية محظورا أو محاطا بالمخاطر يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلى تسطيح الحوار طلبا للسلامة أو كنوع من الهروب من الرؤية الأعمق بما تحمله من دواعي القلق النفسي أو الاجتماعي.

6. حوار الطريق المسدود (لا داعي للحوار فلن نتفق): يعلن الطرفان (أو أحدهما) منذ البداية تمسكهما (أو تمسكه) بثوابت متضادة تغلق الطريق منذ البداية أمام الحوار وهو نوع من التعصب الفكري وانحسار مجال الرؤية.

7. الحوار الإلغائي أو التسفيهي (كل ما عداي خطأ) يصر أحد طرفي الحوار على ألا يرى شيئا غير رأيه، وهو لا يكتفي بهذا بل يتنكر لأي رؤية أخرى ويسفهها ويلغيها وهذا النوع يجمع كل سيئات الحوار السلطوي وحوار الطريق المسدود.

 8. حوار البرج العاجي: ويقع فيه بعض المثقفين حين تدور مناقشتهم حول قضايا فلسفية أو شبه فلسفية مقطوعة الصلة بواقع الحياة اليومي وواقع مجتمعاتهم، وغالبا ما يكون ذلك الحوار نوع من الحذلقة وإبراز التميز على العامة دون محاولة إيجابية لإصلاح الواقع.

9. الحوار المرافق (معك على طول الخط): وفية يلغي أحد الأطراف حقه في التحاور لحساب الطرف الآخر إما استخفافا (خذه على قدر عقله) أو خوفا أو تبعية حقيقية طلبا لإلقاء المسئولية كاملة على الآخر.

10. الحوار المعاكس (عكسك دائما): حين يتجه أحد طرفي الحوار يمينا ويحاول الطرف الآخر الاتجاه يسارا، والعكس بالعكس، وهو رغبة في إثبات الذات بالتميز والاختلاف ولوكان ذلك على حساب جوهر الحقيقة.

 11. حوار العدوان السلبي (صمت العناد والتجاهل): يلجأ أحد الأطراف إلى الصمت السلبي عنادا وتجاهلا ورغبة في مكايدة الطرف الآخر بشكل سلبي دون التعرض لخطر المواجهة.

كل هذه الألوان من الحوارات السلبية الهدامة تعوق الحركة الصحيحة الإيجابية التصاعدية للفرد والمجتمع والأمة، وللأسف فكثير منها سائد في مجتمعاتنا العربية الإسلامية لأسباب لا مجال هنا لطرحها.

مواصفات الحوار الإيجابي

– حوار متفائل (في غير مبالغة طفلية ساذجة).

– حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها.

– حوار متكافئ يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير والإبداع الحقيقي، ويحترم الرأي الآخر، ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله.

– حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية، واتصاله هذا ليس اتصال قبول ورضوخ للأمر الواقع بل اتصال تفهم وتغيير وإصلاح.

– حوار موافقة الهدف النهائي له هو إثبات الحقيقة حيث هي لا حيث نراها بأهوائنا.

– حوار تسوده المحبة والمسؤولية والرعاية وإنكار الذات.

مثال تطبيقي

ولنأخذ مثلا من الحوار الإيجابي من التاريخ الإسلامي وقد حدث هذا الحوار في غزوة بدر حين تجمع المسلمون للقاء الكفار وكانت آبار المياه أمامهم وهنا نهض الحباب بن المنذر رضى الله عنه وسأل رسول الله: أهو منزل أنزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فأجاب رسول الله: بل هو الرأي والحرب والمكيدة.

فقال الحباب: يا رسول الله ما هذا بمنزل وأشار على رسول الله بالوقوف بحيث تكون آبار المياه خلف المسلمين فلا يستطيع المشركون الوصول إليها، وفعلاً أخذ الرسول بهذا الرأي الصائب وكان ذلك أحد عوامل النصر في تلك المعركة.

وإذا حاولنا تحليل هذا الموقف نجد أن الحباب بن المنذر كان مسلما إيجابيا على الرغم من أنه أحد عامة المسلمين، وكان أمامه من الأعذار لكي يسكت أو يعطل تفكيره؛ فهو جندي تحت لواء رسول الله الذي يتلقى الوحي من السماء، وهناك كبار الصحابة أصحاب الرأي والمشورة، ولكن كل هذه الأسباب لم تمنعه من إعمال فكره، ولم تمنعه من الجهر برأيه الصائب، ولكنه مع ذلك التزم الأدب الرفيع في الجهر بهذا الرأي، فتساءل أولا إن كان هذا الموقف وحيا من عند الله أم أنه اجتهاد بشرى، فلما عرف أنه اجتهاد بشري وجد ذلك مجالا لطرح رؤيته الصائبة، ولم يجد الرسول غضاضة في الأخذ برأي واحد من عامة المسلمين، وهذا الموقف يعطينا انطباعا هاما عن الجو العام السائد في الجماعة المسلمة آنذاك، ذلك الجو المليء بالثقة والمحبة والإيجابية وإبداء النصيحة وتقبل النصيحة.

وإذا كانت النظم الديمقراطية الحديثة تسمح للمواطن أن يقول رأيه إذا أراد ذلك، فإن الإسلام يرتقى فوق ذلك حيث إنه يوجب على الإنسان أن يقول رأيه حتى ولو كان جنديا من عامة الناس تحت لواء رسول الله، وهذا المستوى من حرية الرأي لا نجده الآن في أكثر الدول مناداة بالحرية؛ فلا يجرؤ جندي أن يشير على القائد الأعلى للقوات المسلحة في أية دولة عصرية بتغيير الخطة العسكرية؛ حيث لا يزال الحوار الفوقي السلطوي هو السائد في المجالات العسكرية على وجه الخصوص حتى في أكثر الدول تقدماً.

مواضيع ذات صلة