د. رمضان فوزي (خاص بموقع مهارات الدعوة)
قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (المائد: 32).
لقد استيقظ العالم يوم الجمعة الماضية على جريمة شنعاء يندى لها جبين الإنسانية كلها؛ إذ قام متطرف بمهاجمة مسجدين بمدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا؛ وهو ما أسفر عن مقتل نحو خمسين مصليًا وإصابة العشرات، في واحدة من أسوأ صور الإرهاب البغيض الذي تغذيه خطابات الكراهية والعنصرية والذي يستمد غذاء بقائه من بعض المتطرفين الذين لا دين ولا ضمير ولا أخلاق لهم.
إنه مما لا شك فيه أن ما جرى حادث بغيض لا يقره إنسان أيا كان دينه أو عرقه أو ملته، إلا إذا كان مسكونا بمشاعر التطرف والعنصرية.
لقد جاء هذا الحادث ليذكر بعشرات الأحداث السابقة التي ذهب الأبرياء ضحيتها، والتي أججت في العالم مشاعر الغضب والحزن والألم التي سرعان ما تلاشت وذهبت أدراج الرياح؛ إذ لم تجد من يرشِّدها ويستثمرها من العقلاء والقادة والمسئولين من خلال التشريعات الرادعة والقوانين المانعة والتفاعلات الواسعة التي تئد الفتنة في مهدها، وتخمد النار قبل أوارها، وتحجم الأزمة قبل انفلاتها.
ماذا بعد؟
يظل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة بعد كل عملية من هذه العمليات وهو كيف نوقف هذا النزيف؟ وماذا نفعل حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم المروعة؟
وربما يكون من المبالغة أن يظن أحد أن لديه إجابات حقيقية أو اقتراحات مضمونة حتى لا يحدث هذا الأمر، خاصة أننا نتعامل مع إرهاب يصعب ضبطه بقوانين أو قيم أو توقعات معينة، لكن هذه بعض الأمور التي لا يسع أي ساع لتجاوز الأمر تجاهلها أو التغاضي عنها:
أولا- ضرورة الاقتناع بأن الإرهاب لا دين ولا عرق ولا ملة له، ووضعه في توصيفه الحقيقي وسياقه المنطقي؛ وهو ما يدعو إلى ضرورة التفاعل مع كل أحداث الإرهاب برد الفعل نفسه وبالقوة ذاتها؛ فلا ينبغي التفاعل مع حدث إذا كان من دين معين وتضخيمها، والتغاضي عن غيره إذا كانت من دين آخر.
ثانيا- ضرورة التصدي لداء الإسلاموفوبيا الذي استُنبت وسُقي حتى ترعرع وآتى ثماره الخبيثة في بعض دول الغرب، بقصد أو بدون قصد؛ وهو ما يحتاج إلى حل شامل لاقتلاعه من جذوره، وزرع شجرة التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي والتواصل الحضاري، بدلا منه.
- هناك صور ذهنية سلبية راسخة في أذهان بعض المتطرفين عن التواجد الإسلامي في الغرب؛ إذ ينظر إليه بعضهم على أنه احتلال أو غزو، خاصة مع تدفق اللاجئين نتيجة بعض الأحداث السياسية الأخيرة، ولعل هذا ما يتضح من تصريحات المتطرف الذي قام بجريمة اليوم إذ يرى المسلمين محتلين للأراضي الأوروبية.
- لا بد أن يكون هذا الحادث جرس إنذار على ضرورة عدم التساهل مع التيارات العنصرية والجماعات المتطرفة، خاصة إذا سبَقت منها بعض التهديدات، كما حدث في جريمة اليوم؛ إذ نُقل عن فاعلها تهديدات سابقة، لكنها لم تؤخذ على محمل الجد.
إلى الدعاة في الغرب
أما الدعاة في الغرب فنسأل الله لهم العون والسداد؛ فالمسئولية عليهم ثقيلة والعب عليهم كبير؛ فهم بين مطرقة مواجهة هذه الأعمال الإجرامية وسندان التعامل مع جمهورهم المكلوم، وعليهم وضع الأمر في نصابه اللائق ومكانته المستحقة، مع تغليب مقتضيات الحكمة والعقلانية على نداء العاطفة والاندفاعية، والتفكير برشد ومسئولية في سبيل استثمار الحدث وتحويل المحنة إلى منحة، وبعث الأمل من رحم الألم، وهو ما يحتاج إلى جهود كبيرة هم أدرى بها، وأفكار إبداعية وخلاقة هم أقدر عليها.
ولا نملك إلا أن ندعوهم إلى الاستمرار في بذل الحب ونشر السلام، منطلقين من قيم ديننا الحنيف الذي يدعو إلى الوسطية في الفكر، والاعتدال في الطرح، والتيسير في الدعوة.، متخذين شعارهم قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.