علي محمد مقبول الأهدل
يعتبر موضوع حقوق الإنسان من أهم الموضوعات التي تحظى باهتمام عالمي بالغ، ويتضح ذلك من خلال عقد المؤتمرات والندوات وإبرام المواثيق
والاتفاقيات على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك من أجل معالجة جميع الجوانب والظروف التي تسهم في تحقيق تعزيز حقوق الإنسان، وتهيئ السبل الكفيلة لحمايتها.
وأياً كانت أسباب ودوافع الاهتمام بحقوق الإنسان وتناولها وتباين تقسيماتها فيبقى للطرح الإسلامي رونقه ووضوحه وعمقه وأصالته؛ لأنه ينطلق من تكريم الله للإنسان، فالله هو الذي خلق الإنسان بيديه في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه، وفضله على كثير من خلقه، وجعله خليفة في الأرض، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وكرمه أعظم تكريم، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
فلذلك كانت كرامة الإنسان كما بينها الإسلام سياجاً لحرمة الإنسان وحصانته له وحفظاً لحقوقه، فالإسلام بما احتوى عليه من شريعة غراء كان أول من قرر حقوق الإنسان على الإطلاق سواء من الناحية التاريخية وإحراز فضل السبق، أو من حيث نوعية هذه الحقوق واتساق نطاقها ومداها، ولا تزال الديمقراطيات قديمها وحديثها متخلفة عن مواكبة الدين الإسلامي في هذا الصدد مهما بلغت في ادعاءاتها ودعاياتها، ومهما استخدمت في ذلك من زخرف القول غروراً، ولا أدل على ذلك من وجود التفرقة العنصرية في تلك الدول والاستبداد والمذلة التي تمارس ضد الشعوب.
وحتى نقف على حقوق الإنسان في الإسلام فإنه من المهم بمكان أن نستعرض باختصار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم نتبع ذلك بحقوق الإنسان في الإسلام.
أولا- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول ديسمبر عام (1948م) في وقت كانت فيه معظم دول العالم مسلوبة الإرادة، وترزح تحت وطأة الاستعمار الغربي، حيث نجد أن عدد الدول التي كانت تتمتع بعضوية الأمم المتحدة حينذاك (58) دولة من أصل (189) دولة التي تشكل عضوية الأمم المتحدة اليوم، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أتى في وقت كانت فيه الدول الغربية التي عملت على صياغة هذا الإعلان وإعداده تقوم بأعمال وممارسات في مستعمراتها منافية تماماً لمواد الإعلان نفسه.
والحقوق التي يتمتع بها الإنسان في هذا الإعلان بوجه عام ترجع إلى حقوق ثمانية رئيسة وهي:
1- الحق في حرية العقيدة. 2- الحرية المدنية.
3- حرية الرأي والتعبير. 4- الحق في حماية النفس.
5- حرية العمل. 6- الحق في حماية المال.
7- حرية التعليم. 8- الحق في حماية العرض.
أي حقوق… وأي إنسان
إن احترام حقوق الإنسان وصيانتها واجب على كل ذي ضمير، فدونها يصبح الإنسان غير آمن على نفسه، لكن يجب أن يتفق الجميع أولاً على ما هو المقصود بمفهوم الحقوق وأي إنسان، ومن ثم العمل على حمايتها وصيانتها.
تتخذ المنظمات الغربية العاملة في مجال الإنسان – على رأسها (منظمة العفو الدولية) ومقرها في لندن وفروعها في عدد من دول العالم، (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) الأمريكية المنشأ والمقر – من شعار حقوق الإنسان أداة لغزو فكري منظم، خطط له بعناية؛ لضرب القيم الأخلاقية والاجتماعية، ولمحو الثقافات المخالفة للثقافة الغربية بدعوى العولمة والقرية الكونية الواحدة، ووسيلة للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلدان.
فالمقصود بالحقوق عند تلك المنظمات هو حقوق إنسان بعينه أو مجموعات محددة دون غيرها، كما أن المقصود حقوق وفق مبادئ معينة (علمانية) دون مبادئ أخرى.
وبعبارة أخرى فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قام على أسس من القيم الغربية، ولم يراع خصوصيات القيم الأخرى التي تختلف مع القيم الغربية، ومن ثم تبدو مختلفة ومتناقضة أحياناً مع مبادئ حقوق الإنسان التي يصر عليها المفهوم الغربي، ومن الأمثلة على ذلك[1]:
الخمر محرم في الإسلام، ويعاقب عليه من شربه، بينما الخمر في القيم الغربية مقبول، والسكر غير منهي عنه… وفي عرفهم أن تحريم الخمر ضد حقوق الإنسان.
البغاء عندهم مباح، وبيوت الغواني ينادى إليها بمكبرات الصوت في الشوارع، بينما لا يستطيع المسجد هناك أن يجهر بالأذان للصلاة… فهم يعتبرون البغاء من حقوق الإنسان، ويعتبرون الأذان ضوضاء ضد حقوق الإنسان.
وقس على ذلك: الشذوذ الجنسي، الزنا، الحجاب.
فالدين عندهم بصفة عامة مسألة شخصية واختيار، بينما الدين عندنا نظام حياة والتزام مجتمع، وله قواعد وضوابط تحرمها الدولة، وتقوم على تنفيذها الأجهزة المسؤولة، والقضاء يحاكم من يشوهون الدين وينحرفون عنه، وهذه نقطة اختلاف كانت وستظل مثار جدل، ولا سبيل للتلاقي إلا إذا فهموها.
كذلك تنفيذ حدود الله عندنا هي عبادة وطاعة، وهي عندهم أصبحت مضادة لحقوق الإنسان؛ لأنها تنطوي على وحشية وقسوة.
وهكذا نستطيع أن نسرد عشرات الأمثلة التي تقتضي الاعتراف باختلاف المعايير.
وخلاصة القول: إن هناك بالفعل قيماً مختلف عليها بيننا وبينهم في مجال حقوق الإنسان وغيره من المجالات، ولا سبيل أمامهم وأمامنا إلا التفاهم وتقدير الخصوصيات حتى نتعايش في سلام بدلاً من التنافر والتناحر.
إن المجتمعات لا يكمن أن تتطابق في بيئتها الثقافية والدينية وفي مصالحها وتراثها، وعدم التطابق هذا هو الذي يخلق الاختلاف والتنوع، ويدفع إلى التباعد والتناحر، لكن تلك المجتمعات تستطيع متى بلغت الرشد والنضج والتحضر أن تتجه إلى التعارف والتفاهم والاحترام المتبادل بدلاً من الصراع والعداوة والبغضاء.
وقد أمرنا القرآن الكريم أن نقوم علاقاتنا مع الغير على أساس التعارف والتعاون، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
ثانياً: الإسلام وحقوق الإنسان
كفل التشريع الإسلامي للإنسان حقوقاً واسعة، جعلها من مكملات ومتممات منحة الحياة التي وهبها الله تعالى للإنسان على الأرض، وهذه الحقوق منحة ربانية وعطاء ونعمة من الله تعالى لبني الإنسان، فهي تبدأ قبل ولادته، ويتجلى ذلك في ضرورة اختيار أم ذات نسب فاضل شريف، حتى لا يعير بنسبه لأمه بعد الولادة، وضرورة رعاية الأم الحامل؛ لأن مزاج الطفل ونموه يتأثران إلى حد كبير بظروف الحمل وصحة الأم، وهناك أحكام الجنين التي تمثل رعاية تشريعية فريدة ليس لها مثيل، وبعد الولادة تبدأ للطفل حقوق جديدة، أولها اختيار اسم حسن له حتى لا يكون مثاراً للتنابز بالألقاب، ثم تتتابع حقوق الطفل حقاً بعد حق من: الرعاية والحماية والنفقة، وتتتابع حقوق الإنسان رجلاً كان أو امرأة على نحو ما هو مفصل في كتب السياسة الشرعية.
بل إن حقوق الإنسان تظل تصاحبه حتى في قبره، ويتجلى ذلك في تحريم نبش القبور، كما أن حرمة الميت كحرمة الحي فلا يجوز سبه، بل المندوب ذكر محاسنه، وحقاً كما يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70] فأين هذا في أية شريعة أخرى؟!
فأساس حقوق الإنسان في الحياة وغيرها في المنظور الإسلامي هو تكريم الله للإنسان والحرص على أمنه واستقراره.
———–
[1] انظر: مؤمن الهباء، المسلمون والغرب صراع أم حوار- مجلة الجديد، العدد(3) صيف (2003) (ص: 28-29).
——–
المصدر: موقع الألوكة.