حاوره علاء عبد الفتاح
قال الشيخ خالد تقي الدين، رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بالبرازيل: إن البرازيل تعد نموذجاً حقيقياً للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، مستشهداً على ذلك بالتعامل الطيب للحكومة البرازيلية مع الأقلية المسلمة داخل البرازيل، ويأتي على رأس ذلك حرية ممارسة الشعائر الإسلامية التي يكفلها الدستور البرازيلي.
وأضاف في حواره مع مجلة “الوعي الإسلامي” أن نسبة من المسلمين الجدد يعانون نوعاً من التهميش وعدم الاهتمام، والتمييز العنصري في المعاملة من بعض المؤسسات الموجودة على الساحة البرازيلية، وكذلك هنالك صعوبة اندماجهم في المجتمع المسلم.
وإلى تفاصيل الحوار..
- باعتبارك مديراً للشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، نود لو تحدثنا عن تلك المؤسسات وعلاقتها بتطور الحركة الإسلامية هناك؟
– اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل مؤسسة عريقة أسست عام 1979م على يد الحاج حسين محمد الزغبي وبعض المؤسسات الإسلامية، ولها برامج دعوية متميزة، حيث تبنت مشروع «اعرف الإسلام» الذي تقدمت به عام 2009م حين توليت إدارة الشؤون الإسلامية بالاتحاد، وقد استطاع المشروع توزيع 4 ملايين كتاب داخل البرازيل وبعض دول أمريكا اللاتينية للتعريف بسماحة الإسلام ودوره في الحضارة الإنسانية، وكذلك يقدم الاتحاد مساعدات للجمعيات والمراكز الإسلامية، ويقيم دورة لوزارة الخارجية البرازيلية لتعريف المسؤولين بالثقافة الإسلامية وطلاب كلية العلوم السياسية، ويقدم الاتحاد المساعدات التضامنية للأحياء الفقيرة.
وتوجد مؤسسات أخرى تؤدي دوراً نشطاً للحفاظ على هوية الجالية المسلمة مثل مسجد البرازيل الكبير أقدم المساجد بأمريكا اللاتينية، ويقوم على إدارة شؤون المقبرة الإسلامية الوحيدة، وكذلك المدرسة الإسلامية البرازيلية، ومسجد الرحمة بمنطقة سانت أمارو، والاتحاد الوطني الإسلامي، وهو يهتم بالقضايا القانونية والإعلامية التي تخص الجالية، ومكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وتهتم بعقد اللقاءات للشباب المسلم، ومركز الدعوة الإسلامية بأمريكا اللاتينية ويهتم بعقد مؤتمر سنوي.
والمجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل وهي المؤسسة البرازيلية التي تضم علماء أهل السُّنة والجماعة، ومرجعية المسلمين الدينية والشرعية في البرازيل، حيث يقوم باستطلاع الأهلة والعناية بتدقيق ما ينشر حول الإسلام، وبه لجنة للفتوى فيما يخص أمور الجالية في البرازيل، ويبتعد المجلس عن التحزب والخوض في المسائل السياسية، ويعمل على مساعدة المشايخ وتذليل العقبات التي يتعرضون لها والدفاع عن حقوقهم، ووضع الخطط والبرامج الدعوية بما يتناسب مع وسطية الإسلام، وإنشاء صندوق للزكاة.
- في عجالة تعريفية كيف يمكن تلخيص تاريخ الإسلام في البرازيل؟
– من المؤرخين من يقول: إن البحارة المسلمين اكتشفوا شواطئ البرازيل وأمريكا قبل كولومبوس، وبعضهم يذكر أن كولومبوس كان معه بعض البحارة من الموريسكيين المسلمين.
غير أن العبيد الأفارقة الذين تم استجلابهم لاستصلاح أرض البرازيل، كان أغلبهم مسلمين أصحاب ثقافة وعلم وحضارة، واستطاعوا المحافظة على دينهم من خلال عمل منظم داخل أكواخهم لتعليم القرآن، بل قاموا بنشر الإسلام وسط بعض العبيد الأفارقة الوثنيين، وحاولوا القيام بأكثر من ثورة للتحرر ونيل حقوقهم كاملة، كان آخرها ثورة العبيد 1835م، والتي تم القضاء عليها دون رحمة، وفقدنا ذلك الجيل، وتبع ذلك مرحلة الهجرة الحديثة والتي بدأت عام 1867، وظلت تتزايد وخصوصاً بعد النكسات والنكبات والحروب التي كانت شهدتها بلاد المسلمين.
غالبية المهاجرين كانوا من لبنان ثم فلسطين فسورية وبقية البلدان الإسلامية الأخرى، وتتراوح التقديرات لأعداد المسلمين بحوالي مليون ونصف مليون، يتمركزون في ولاية ساو باولو، ثم ولاية بارانا، ثم بقية الولايات: ريو جراندي دو سول – باهيا – ريو دي جانيرو.
- هل يمكن القول: إن “الإسلاموفوبيا” نال من الجالية الإسلامية في البرازيل خاصة بعد أحداث باريس الأخيرة؟
– بلا شك تأثرت البرازيل، لكن بشكل بسيط وإن كان الخوف من الإسلام يتنامى بشكل تصاعدي، من خلال بعض الممارسات العدوانية التي أقدم عليها بعض الأشخاص ضد بعض الأخوات المسلمات أو الرسوم العدوانية على بعض المساجد، وتنامي حدة العداء من الكنيسة الإنجيلية من خلال خطابها المحذر من التواجد الإسلامي وسعي بعض نواب البرلمان المتأثرين بالكنيسة لإصدار قانون مكافحة الإرهاب والذي تحول لاستعراض التخوف من الإسلام عن طريق عرض بعض المقتطفات الإعلامية الكاذبة أو التي لا تمثل دين الإسلام العظيم مما ترتكبه جماعات التكفير و”داعش” وغيرها من المجموعات الإرهابية.
ولذلك تقدم المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل بمشروع لرئاسة الجمهورية البرازيلية، لعقد لقاء للأديان المختلفة والتوقيع على وثيقة للتعايش السلمي وحفظ الحقوق واحترام الأديان، ويكون اللقاء تحت رعاية رئاسة الجمهورية البرازيلية، كما وضح المجلس إدانته لكل الممارسات الإرهابية التي تدعو لقتل وترويع الآمنين من خلال بيانه وأدبياته ومتحدثيه الرسميين
- ماذا عن حرية ممارسة العقيدة الإسلامية في البرازيل؟
– تعد البرازيل نموذجاً حقيقياً للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، ويمكن رصد هذه الحقيقة من خلال التعامل الطيب للحكومة البرازيلية مع الأقلية المسلمة داخل البرازيل حيث سنجد المعطيات التالية:
يكفل الدستور البرازيلي حرية ممارسة الشعائر الإسلامية، والدعوة إليها، ونشرها بكل الطرق السلمية، وتساعد الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات وكذلك البلديات في فتح الآفاق وإعطاء المساحات المناسبة لممارسة هذا الدور.
فتساعد الحكومة البرازيلية والبلديات المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس أو مراكز ثقافية بمنحها أراضيَ مجانية لإقامة مشاريعها عليها، وتسهيل حصولها على التراخيص اللازمة، وإعفائها أحياناً من الضرائب السنوية، وقد صدر قرار جمهوري باعتبار يوم 25 مارس من كل عام يوماً لتكريم الجالية العربية، كما صدر قرار من برلمان ولاية «ساو باولو» باعتبار يوم 12 مايو من كل عام يوماً لتكريم الدين الإسلامي، وتم نفس القرار في برلمان مدينة «فوز دو إيجواسو» بولاية بارانا.
من جهة أخرى، صدر قرار من برلمان ولاية «ساو باولو» باعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه المغتصب، أيضاً صدر قرار من قبل السلطات الفيدرالية يقضي باستطاعة المرأة المسلمة البرازيلية أو المقيمة في البرازيل استخراج أوراقها الرسمية أو جواز سفرها بصورتها وهي ترتدي الحجاب، وفقاً للدستور البرازيلي.
- دائماً يقال: إن الأجيال الجديدة من المقيمين المسلمين في الغرب تنسلخ عن قيمها الإسلامية شيئاً فشيئاً.. فهل ترى ذلك حيث تقيم؟ وما السبيل إلى معالجة مثل هذا الأمر إن حدث؟
– يحدث هذا الانسلاخ حينما تضعف الدعوة الإسلامية مع عدم وجود المحاضن التربوية وقلة الدعاة والعلماء، وهناك نسبة من أبناء الجالية ابتعدت وانسلخت عن دينها وبعضهم تحول إلى النصرانية، والحمد لله شهدنا في السنوات الأخيرة عودة لتلك الأجيال إلى دينها وبعضهم يتولى رئاسة بعض المراكز الإسلامية، والدعوة تحتاج إلى صبر شديد مع تلك الأجيال الجديدة؛ لأن ثقافتهم مختلفة عن ثقافة الآباء والأجداد الذين أسسوا المساجد والمدارس للمحافظة على الأجيال الجديدة.
- ما المعوقات التي تواجه المسلم المهتدي حديثاً في البرازيل؟
– تعاني نسبة من هؤلاء المسلمين نوعاً من التهميش وعدم الاهتمام، والتمييز العنصري في المعاملة من بعض المؤسسات الموجودة على الساحة البرازيلية، وكذلك هنالك صعوبة اندماجهم في المجتمع المسلم، وفي الوقت نفسه صعوبة حياتهم مع الأسرة غير المسلمة بعد اعتناقهم الإسلام، ويحتاج المسلم الجديد لمؤسسات متخصصة للعناية بأموره، وهذا غير متوافر حتى الآن، كما أنه بحاجة لرعاية علمية وتربوية تحميه من التطرف والانحراف الفكري الذي يحدث عن طريق تواصله مع فضاء الإنترنت وترجمته لكل ما يقع تحت يديه حيث يكون فرصة لانحرافه عقدياً وفكرياً.
- هل يمكن أن نقول: إن الدعوة في البرازيل ناجحة وعدد المهتدين في ازدياد؟ وهل ثمة إحصاءات لديكم بهذا الشأن؟
– الدعوة الإسلامية في البرازيل تتقدم ببطء شديد؛ لكثير من العوامل السلبية التي أثرت عليها، ولكننا نستطيع التفاؤل بالخير، حيث توجد نهضة دعوية في جميع الولايات البرازيلية، ويوجد في البرازيل مائة مسجد ومصلى، وخمسون داعية وشيخاً، وهو عدد قليل إذا ما قورن بأعداد المسلمين وانتشارهم داخل البرازيل، كذلك تنشط الجالية في إنشاء المدارس لعلمها بأهمية هذه المحاضن التربوية، وبدأت بعض المؤسسات الإسلامية تسير نحو المهنية والاحتراف وهذا يبشر بالخير، وعدد من يعتنقون الإسلام في تزايد مستمر، ولا يوجد إحصاء دقيق بأعدادهم.
المصدر: “الوعي الإسلامي”.